| عبد اللطيف شعبان
المسوح الإحصائية تظهر وجود بطالة بنسبة عالية، وكذلك قيود مكاتب التشغيل في مديريات الشؤون الاجتماعية والعمل، ويظهر ذلك من خلال آلاف المتقدمين لكل مسابقة تطلب المئات، وأيضاً يتضح الأمر بشكل جلي من مئات المتجمعين على أبواب فروع الهجرة والجوازات للحصول على جواز سفر.
نعم يوجد بطالة، ولكن أرقام المسوح الإحصائية لا تظهرها كما هي، لأن نسبة غير قليلة من المدلين بالبيانات للباحثين الإحصائيين لا يعترفون بأنهم يعملوا ما لم يكونوا موظفين في الدولة، والباحث الإحصائي يجد نفسه ملزماً بتسجيلهم ضمن فئة العاطلين عن العمل تقيداً بأقوالهم المخالفة للحقيقة، علماً أن كثيرون منهم يعملون عملاً خاصاً لحسابهم أو مع أسرهم أو بأجر لدى الغير، ما يظهر نسبة بطالة تزيد عن الواقع الفعلي، كما أن نسبة غير قليلة من المسجلين في مكاتب التشغيل ليسوا عاطلين عن العمل بل يعملون عملا متقطعا – وبعضهم عملا متواصلا – ولكنهم سجلوا لغاية الحصول على وظيفة في الدولة، وهذا هو حال معظم المتقدمين إلى المسابقات، وأيضاً فإن أغلب طالبي جوازات السفر يعملون، ولكن طموحهم المشروع بتحقيق دخل أفضل دفعهم للسفر إلى الخارج، وأيضاً يوجد عاطلين عن العمل ولكنهم لم يسجلوا في مكاتب التشغيل لعدم أملهم بها وكذلك لم يتقدموا للمسابقات، فواقع الحال يؤكد لا أرقام ولا نسب حقيقية عن البطالة.
إلى جانب هذا الكم الكبير من طالبي العمل الشاكين من البطالة، يلاحظ شكوى بعض محتاجي العمال من عدم وجود عمال، فأنا أعرف منشأة قطاع عام هامة جداً تحتاج عمال عاديين من الفئتين الرابعة والخامسة، وبأجر متميز وتضمن تأمين واسطة نقل لعمالها من وإلى المنشأة أثناء المناوبات الليلية، ولكن طالبي العمل أقل من الحاجة بحجة أن العمل صعب، وأيضاً بعض أصحاب منشآت القطاع الخاص يشكون من عدم وجود العمال الذين يطلبونهم، فقد رأيت – وغيري رأى – أكثر من مرة إعلان على باب منشأة بخصوص طلب عامل أو عاملة، ولو كانت البطالة بالحجم الكبير المثار لما شكت منشأة قطاع عما من قلة عدد المتقدمين لعملها، ولكان باستطاعة صاحب إعلان المنشأة الخاصة تأمين العامل الذي يرغبه من قرابته أو جيرانه أو معارفه ضمن قطاع سكنه دون هذا الإعلان، والظاهرة الأبرز شكوى بعض الأسر الذين يحتاجون عاملات في البيوت من عدم وجود راغبات سوريات ما تسبب في استقدام عاملات من الخارج، فمنذ أكثر من عام امتلآت شوارع المدن والريف بلافتات – لشركة خاصة مرخصة – تعلن عن طلب عاملات منزلية بأجر / 300 / ألف بالشهر مع إقامة وطعام أي ما يعادل ثلاثة أمثال راتب مهندس، وإجازة كل شهر، وللعاملة حق اختيار المحافظة حال توفر الشاغر، ولكن عدم وجود راغبات دفع لوجود شركة جديدة – ربما هي نفس الشركة السابقة تعلن عبر لا فتات إعلانية كبيرة في شوارع المدن – رأيتها قبل أيام – تعلن عن استعدادها لتقديم عاملات خدمة منزلية أجانب، والمسابقة الأخيرة تظهر نسبة إناث عالية بين المتقدمين.
البطالة الحقيقية والمخيفة هي التي تنشأ عن خسارة فرصة العمل لعامل يمارس عمله، بسبب ندرة أو غلاء مستلزمات الإنتاج مثال مربي الثروة الحيوانية والدواجن، أو عدم تمكينه من التصنيع نتيجة عدم وجود طاقة كهربائية، أو صعوبة تصريف منتجه بسبب ارتفاع أسعاره الكبيرة، مثل الحداد الإفرنجي ونجار المنجور والأثاث الخشبي ومنجور وأثاث الألمنيوم، وصناعة الحلويات، ما تسبب في عدم قدرته على متابعة العمل، وتوقف عمل عشرات آلاف العاملين في البناء / بناء – طيان – تمديدات صحية وكهربائية / بسبب قلة ورش البناء نتيجة الارتفاع الكبير في تكاليف مواد البناء، ومؤخراً توقف آلاف العاملين في الكشكات التي كانت على الأرصفة وفي الساحات، بسبب قرار إزالتها، ولا يغيب عن البال البطالة المتتالية لعشرات آلاف الخريجين من المعاهد والكليات الجامعية سنوياً.
الحاجة ماسة للبحث عن مسببات البطالة ومعالجتها، من خلال تحقيق تزاوج تام بين بطالة الموارد ومطارح العمل مع بطالة العاملين، فالعامل السوري – في كافة مستوياته – مشهود بمهارته عربياً ودولياً، فليتم العمل لاستثمار هذه المهارة محلياً.
عبد اللطيف عباس شعبان / عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية
(سيرياهوم نيوز 3-صحيقة البعث 27-7-2022)