ثناء عليان:
عند الحديث عن البطالة التي تعاني منها نسبة كبيرة من أبناء محافظة طرطوس منذ سنوات، والتي تفاقمت كثيراً في الآونة الأخيرة، لابد من الإشارة إلى معوقات الزراعة في هذه المحافظة لكونها القطاع الاقتصادي الأول في استيعاب القوى العاملة من أبنائها، ونظراً للضغوط التي تعرض لها هذا القطاع خلال السنوات الأخيرة والتي زادت من تكاليف الإنتاج الزراعي، تراجعت عائداته لدرجة لم تعد تكفي لتأمين الحدّ الأدنى من متطلبات المعيشة.
الملاذ الأخير
وباعتبار طرطوس من المحافظات ذات الكثافة السكانية المرتفعة، فإن حصة الفرد فيها من المساحة القابلة للزراعة قليلة نسبياً، و أغلب مساحتها جبال شديدة الانحدار، الأمر الذي يزيد من تكاليف استصلاحها زراعياً وخاصة مع الحرمان الذي تعانيه المناطق الجبلية فيها من مشاريع الري، ما دعا كل من يمتلك المؤهلات المطلوبة للبحث عن وظيفة في إحدى المؤسسات الحكومية لتأمين دخل مساند لما تقدمه الزراعة للوصول إلى حدّ الكفاف من المعيشة، لذلك فعلى الرغم من الرواتب الضعيفة جداً في الوظائف الحكومية إلا أنها الملاذ الأخير للشبان الباحثين عن العمل، وخاصة مع ندرة المشاريع الصناعية للقطاع الخاص في المحافظة، والتي يعتمد عليها بشكل أساسي لاستيعاب القوى العاملة في بقية المحافظات.
بعض قطاعات الإنتاج كانت في السنوات الماضية الملاذ لنسبة لا بأس بها من القوى العاملة، ولاسيما قطاع الدواجن، لكنه مُني بضربات قاصمة و خسائر أدت لإفلاس أصحاب المداجن ومستثمريها وتوقف عدد كبير منها عن الإنتاج لينضم العاملون فيها إلى طوابير العاطلين عن العمل.
يبحثون عن عمل
عدد لابأس به من العاطلين عن العمل التقتهم «تشرين» تجمع أغلبهم حيازة الشهادات الجامعية، ما يجعل الكثيرين منهم يأنفون العمل عند الآخرين في الزراعة، في ظل غياب المشاريع الاقتصادية التي يمكن أن تؤمن لهم فرص عمل ولو بغير اختصاصهم، ولكن على الأقل بما يحفظ لهم اعتدادهم بتحصيلهم الجامعي، حيث اكتفى قسم كبير من هؤلاء بالتقدم لأي مسابقة في القطاع العام رغم سلسلة من المحاولات الفاشلة، واستطاع قسم آخر تأمين الحد الأدنى من مصروفه اليومي بزراعة المساحات المتاحة من أراضي عائلاتهم بالتبغ، لكن بعد موجات الغلاء لم تعد إيراداته تؤمن الحدّ الأدنى من متطلبات المعيشة، علماً أن مشكلة البطالة لدى الإناث تمثل النسبة الأكبر، نظراً لعدم قدرة الفتيات على القيام بالأعمال التي تتطلب جهداً عضلياً، وطبعاً كما هي الحال لدى الشبان فنسبة البطالة أيضاً عند الفتيات تتناسب طرداً مع ارتفاع التحصيل العلمي لكل حالة.
خسائر متكررة
بسام محمد يحمل إجازة في التاريخ متزوج وأب لثلاثة أولاد يقول: لدي ثلاثة دونمات ونصف، مزروعة بالزيتون وبعض أشجار اللوز، تؤمن لي ولعائلتي حاجتنا من مؤونة الزيت والزيتون، ولكن لا يمكنني الاعتماد عليها لتأمين بقية حاجات الأسرة من الخضراوات لعدم توافر المياه اللازمة للزراعة، وقد “ضمنت” منذ سنوات عدداً من البيوت البلاستيكية في السهل الساحلي شمال بانياس، و كانت سابقاً كافية لتسديد تكاليف الضمان والبذار والأسمدة والمبيدات، وتأمين مستوى معيشي جيد لنا، ولكنني أقلعت عن فكرة الضمان منذ سنتين إثر خسائر متكررة مُنيت بها لأسباب، منها موجات الصقيع وأحياناً العواصف البحرية (التنين البحري)، و غلاء مستلزمات الزراعة المحمية، وتوِّج كل ذلك بتوقف التصدير في كثير من الأوقات، حيث كنا نعوِّل كثيراً على فتح باب التصدير لتعويض التكاليف المرتفعة للزراعة المحمية، لذلك تقدمت سابقاً لعدد من مسابقات الوظائف الحكومية آملاً في الحصول على دخل ثابت يؤمن لعائلتي حدّاً أدنى من الكفاف، إلى جانب عملي في الزراعة الذي قد يتوقف لأسباب عارضة كثيرة ومنها ربما الأسباب الصحية.
العمالة الوافدة
كان لمحافظة طرطوس دور مهم باستقبال الوافدين من المحافظات التي ضربها الإرهاب خلال سنوات الحرب، الأمر الذي أضاف إلى موكب البطالة فيها طابوراً آخر من القوى العاملة الباحثة عن العمل، وللأمانة فقد أسس بعضهم عمله الخاص، في حين تم استيعاب قسم آخر في الأعمال الزراعية المحمية في السهل الساحلي مقابل الحصول على نسبة متفق عليها من ريع المحصول، وبشكل عام شكّل العمل في الزراعة المحمية ملاذاً لهذه الأسر المنكوبة، وخاصة أن صاحب الأرض يضمن تأمين منزل إقامة الأسرة بالقرب من مكان العمل، ما ساعد بمشاركة جميع أفراد الأسرة بالعمل.
محمد وعزام وعادل أولاد عم وافدون إلى المحافظة أكدوا أن عملهم مرتبط بمواسم معينة، كموسم السياحة وبعض المواسم الزراعية، والآن يعملون بالأجرة في جني محصول الزيتون، و هذا العمل يؤمن لهم دخلاً مقبولاً ولكنه ليس دائماً، إذ ينتهي بعد حوالي شهرين، مع انتهاء موسم الزيتون.
عوامل عرقلت الإنتاج
الدكتور ذو الفقار عبود أستاذ الاقتصاد والعلاقات الدولية في جامعة طرطوس بيّن أن معدل البطالة ارتفع بشكل كبير خلال السنوات الماضية بسبب الحرب التي ضربت مختلف القطاعات الاقتصادية في سورية، إضافة إلى حركات النزوح الداخلية، أو اللجوء إلى دول الجوار، والتغيرات الديموغرافية التي تبعتها، الأمر الذي خلق بمجمله صورة قاتمة لمستقبل جيل كامل ينتظر فرصة للعمل، وبالإضافة إلى الأضرار الكبيرة التي لحقت بالمعامل والمصانع برزت عوامل أخرى عرقلت الإنتاج وأدت لارتفاع معدل البطالة، من بينها ارتفاع تكاليف الإنتاج في ظل تراجع قيمة الليرة السورية، وعدم توافر الطاقة، أو ارتفاع تكاليفها، وعدم توافر أسواق للتصريف، إضافة إلى النقص الشديد في اليد العاملة الخبيرة، مضيفاً: عندما نتحدث عن البطالة في طرطوس لابد من الإشارة إلى أن نسبة البطالة في سورية عموماً حسب بعض التقديرات تتجاوز 50 بالمئة من قوة العمل، الأمر الذي قد يوضح مشكلة أعمق من أرقام ونسب ومعدلات.
سوق العمل ومشكلاته
ومن أبرز المشكلات التي تواجه سوق العمل –بحسب عبود- ضعف التنسيق بين مؤسسات وبرامج سوق العمل، وعدم وجود استراتيجية أو سياسة لتنظيم سوق العمل بمكوناته كلها، والاعتقاد السائد بأن القطاع العام هو أفضل مكان للعمل من القطاع الخاص، وتحديداً للخريجين الأكاديميين والنساء، كما يعاني سوق العمل من مشكلات عديدة تراكمية، زادت حدتها مع اندلاع الحرب، لذلك قفزت معدلات البطالة بشكل كبير جداً إلى مستويات لم يلحظها الاقتصاد السوري من قبل.
وأشار عبود إلى أن قسماً كبيراً من خريجي الجامعات والمعاهد في سورية عموماً وفي طرطوس خصوصاً يعانون من عدم وجود فرص للعمل بعيداً عن القطاع العام، الذي ينظر إليه، رغم تدني مستويات الأجور فيه، كمصدر أمان، ما خلق ضغوطاً مضاعفة على الحكومة، وزاد من ترهّل تلك المؤسسات التي تستوعب بشكل مستمر موظفين جدداً ، لا تحتاج إليهم في كثير من الأوقات، وهو ما يطلق عليه البطالة المقنعة، والتي تظهر تراجعاً في معدلات البطالة، دون أية زيادة في الإنتاجية، وفي بعض الأوقات تراجعها حتى.
فرص مؤقتة
وبرأي عبود فإن الحرب تسببت باعتياد قسم من القوى العاملة بالاعتماد على المساعدات للعيش وعدم البحث عن فرص للعمل، رغم توافر بعضها، سواء الوظائف، أو حتى إقامة المشاريع الخاصة عن طريق الحصول على قروض ميسرة في بعض الأحيان ، لينضم قسم كبير من هؤلاء إلى قائمة منتظري فرص العمل في سورية.
شهادات قيد العمل
رئيس دائرة التشغيل في الشؤون الاجتماعية والعمل بطرطوس المهندس تمام سليمان بين أن عدد المسجلين للحصول على عمل لدى المديرية من بداية العام 2018 وحتى تاريخه 40826 من جميع الفئات، وهذا الرقم متغير لأن هناك عدداً منهم قد يكون حصل على وظيفة في القطاع العام أو الخاص، لافتاً إلى أن دور المديرية يكمن فقط في منح طالبي العمل شهادة قيد عمل إذا كان مسجلاً على القيود لديها وفي حال كونه غير مسجل يستطيع التسجيل مباشرة والحصول على شهادة قيد العمل، أما عن تأمين فرص عمل للشباب فأكد أن المديرية غير معنية بتأمين تلك الفرص للمسجلين في القيود لديها وإنما يقع الأمر على عاتق القطاع العام والخاص حسب حاجة كل من القطاعين للتوظيف.
سيرياهوم نيوز 6 – تشرين