على الرغم أنه قضى على 6000 دجاجة، إثر انهيار مدجنة بسبب العاصفة المطرية التي ضربت قرية سجوة في ريف الحسكة، أشاع “الوسم” جواً من التفاؤل بموسم مطري غزير يؤدي إلى إنتاج زراعي وفير من محاصيل الحبوب الشتوية، وخاصة محصولي القمح والشعير. ولاسيما أنه جاء في موعدهالمحدد موسم سهيل، أي بعد منتصف شهر أيلول وما بعد.
فقد جرت العادة – حسب مدير الزراعة المهندس علي خلّوف الجاسم – أن يراقب سكان المحافظة – وخاصة الفلاحين والمزارعين منهم – الظروف الجوية في أواخر أيلول وبداية تشرين الأول، فإذا شهدت هذه الفترة هطل أمطار حتى ولو كانت خفيفة فهذا يعني أن المحافظة مقبلة – على الأغلب – على شتاء مطير .
بين “الوسم والتربيص”
وبيّن الجاسم أن الأمطار المبكرة يطلق فلاحو المنطقة الشمالية الشرقية عموماً، ومنهم بطبيعة الحال سكان محافظة الحسكة، عليها اسم “الوسم”.
الجاسم: «الوسم» يؤدي إلى ظهور النباتات الغريبة ما يسهل التخلص منها
مشيراً إلى فوائدها الجَمّة علاوة على كونها مبشرة بموسم مطري وإنتاجي جيد. فهي تؤدي إلى ظهور الأعشاب والنباتات الغريبة التي تقضي عليها أول عملية فلاحة للأرض قبل أن تستمر بالنمو وتشارك النباتات الأصلية للقمح أو الشعير غذاءها، ما يؤدي إلى ضعفها وتدني مردودها.
أما إذا لم تهطل أي أمطار مبكرة قبل موعد الزراعة -يشرح الجاسم- فإن الواقع الزراعي سيكون أمام حالتين اثنتين، الحالة الأولى تخصّ أصحاب الأراضي المروية، الذين يتوجب عليهم فتح المياه على حقولهم، وريّها ريّة أولى تمهيدية تسمى “التربيص” من أجل دفع الأعشاب والنباتات الغريبة للنمو والظهور فوق الأرض، تمهيداً للتخلص منها بالفلاحة الميكانيكية.
والحالة الثانية تخص أصحاب الأراضي البعلية، الذين عليهم انتظار أول “زخّة” مطر قبل فلاحة الأرض، وكلما طال الانتظار، تأخرت زراعة المحصول، وهو ما يسميه الفنيون “الزراعات المتأخرة” التي تكون عادة ذات إنتاج أقل من الزراعات المبكرة.
جيدة رغم قلتها
وأكد الجاسم أن الأمطار التي هطلت خلال الفترة الماضية على أنحاء متفرقة من المحافظة، كانت قليلة لا تتعدى حدود “الأثر” في بعض المناطق بلغة النشرات المطرية، لكنه عَدّ هذه الأمطار – على قلتها – جيدة على أمل حلول موسم مطير في الشتاء القادم. شبيه بسابقه الشتاء الماضي، الذي جاء مطيراً ومنتجاً رفع الوضع المعيشي للسكان والواقع الاقتصادي للمحافظة عموماً، وذلك بعد موسمين متتاليين من الجفاف أو “المَحَل” بلغة سكان المنطقة، الأمر الذي انعكس سلباً على الوضع الاقتصادي في المحافظة، وتالياً على الوضع المعيشي للسكان.
مبيناً أن أمطار الوسم هطلت على 3 مناطق شمال المحافظة. كانت أعلاها في منطقة القامشلي 5.3 مم تليها في منطقة الدرباسية 5 مم ومن ثم في منطقة هيمو 4.6 مم.
أما على المناطق الواقعة وسط المحافظة شمال الحسكة، فهطلت أمطار الوسم على منطقتين. منطقة بئر الحلو الوردية (تل براك) 6 مم ومنطقة تل بيدر 2 مم.
وفي المناطق الواقعة جنوب المحافظة، هطلت أمطار الوسم على منطقة واحدة فقط هي منطقة أم مدفع وبلغت 3 مم.
ويلفت الجاسم إلى ملاحظة في غاية الأهمية. وهي أن الموسم الماضي لم يشهد هطل أي كمية من الأمطار، خلال نفس الفترة المقابلة لها في الموسم الحالي. وذلك لأن مناطق المحافظة استقبلت آنذاك أمطار الوسم بعد هذه الفترة. ما يعني أن أمطار الوسم في الموسم الحالي كانت مبكرة، واختارت منطقة أو أكثر من جميع مناطق الاستقرار الزراعي الخمس في المحافظة وهطلت عليها. وهذا التبكير في الهطل والتوزيع على كافة المناطق يعد أمراً محموداً.
الاستعداد للزراعة
وتابع الجاسم أن فلاحي المحافظة بدؤوا خلال هذه الفترة بالاستعداد لزراعة المحاصيل الشتوية وخاصة القمح والشعير، وذلك بتأمين البذار، وتهيئة الأراضي المخصصة للزراعة، مشيراً إلى أن فلاحة الأراضي الزراعية وتعريضها لأشعة الشمس بهدف القضاء على الفطريات والحشرات وكل ما هو ضار الموجودة في التربة مازالت في بداياتها، وهذه المرحلة تسبق مرحلة نثر البذور والزراعة التي تبدأ مطلع تشرين الثاني القادم وتستمر حتى كانون الأول، مع بقاء بعض المساحات إلى ما بعد ذلك من دون زراعة. علماً أن فلاحي المحافظة لجؤوا في السنوات الأخيرة إلى ترك كميات كافية من البذار اللازمة لزراعة محصولي القمح والشعير من إنتاج حقولهم، من دون أن ينسوا غربلة وتعقيم تلك الكميات في منازلهم، وذلك لعدم توافر كميات كافية من البذار المغربلة والمعقمة لدى فرع مؤسسة إكثار البذار في المحافظة نتيجة الظروف السائدة فيها.
وأوضح الجاسم أن الخطة الزراعية للموسم الحالي 2025/2024 في محافظة الحسكة هي خطة واعدة تتضمن زراعة ما يزيد على 816 ألف هكتار بمحصولي القمح والشعير. منها 431692 هكتار قمح بعل و91310 هكتارات من القمح المروي، و331177 هكتار شعير بعل، و21930 هكتاراً من الشعير المروي، إضافة إلى 66779 هكتار بقوليات غذائية بعل و11660 هكتاراً من البقوليات الغذائية المروية.
مطر مبروك
فلاحٌ سبعيني من ريف الحسكة الشرقي يدعى حسين عبد الله العليان (أبو علي) ذكر لـ”تشرين” من واقع خبرته أن السُحُبَ تنقسم بوجه عام إلى ثلاثة أقسام حسب موقعها في السماء، سحب عالية ومتوسطة ومنخفضة.
الفلاح حسين: «الوسم» يَسِمُ الأرضَ بإنباته وهو مطر مبروك حتى إذا كان شحيحاً
مؤكداً أن السحب العالية والمتوسطة هي سحب عابرة. أما المنخفضة فهي ماطرة. وأفضلها “السحاب الوسمي”. حركتها بطيئة وسحبها منفرشة وسريعة الإنبات، تنبتُ كل شئ وواقعها أفضل من المتوقع.
والمطر الذي يضع له – العم ابو علي – علامة هو “مطر الوسم”. ويشرح لنا أنه سمي بهذا الإسم لأنه يَسِمُ الأرضَ بإنباته.
ويُبيّن أن “مطر الوسم” مطر مبروك حتى إذا كان شحيحاً.
ثم ينشد قصيدة من فلكلور وتراث الجزيرة السورية يتمنى فيها أن يكون لديه قطعة أرض مزروعة ويهطل عليها مطر الوسم بكثرة. يقول فيها:
ودي بسجةٍ في فجوج الخرايم
وسط الربيع مع النفل والخزامة
في أرضٍ من الوسمِ عليها قدايم
في سدرها تسمع هديل الحمامة
“الثروي” أول الوسم
وكان واضحاً أن هذه القصيدة الريفية الجميلة عن الوسم جعلت العم أبو علي ينتشي، لما لهذا المطر من أهمية. بدليل أنه طلب فنجاناً ثانياً من القهوة المرة.
وبعد أن هز الفنجان وسلمه للساقي، التفت إلينا وتابع حديثه الجميل عن “مطر الوسم”، مبيناً أن أوله يسمى “الثروي” نسبة إلى الثريا في السماء. والتي أطلق عليها العرب هذا الإسم لعلو مكانها وثراء نجومها في عنقود نجمي يحتوي على 250 نجمة، لا يُرى منها بالعين المجردة سوى 7 نجوم.
ويضيف أن أمطار الوسم تهطل في موسم سهيل من السنة، أي بعد منتصف شهر أيلول وما بعد. ويطلق عليها العامة في بعض الدول العربية وخاصة دول الخليج بأمطار الهريف. ويقولون أن أمطار الوسم تهطل بين الخريف والصيف. أو هي الحد الفاصل بين الفصلين. أو هي التي تقرع جرس بدء فصل الخريف.
مشيراً إلى أن أمطار الصيف عند العرب هي أمطار الربيع، وأمطار الخريف هي أمطار الوسم، وهي المحببة لدى الناس لأنها تَسِمُ الأرضَ بالنباتات الخضراء. ولأنها تبشرهم بموسم مطري غزير وإنتاج زراعي وفير.
سيرياهوم نيوز 2_تشرين