بعد استشهاد رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” يحيى السنوار بأيام قليلة، بدأت عواصم عربية تنشط على غير عادتها بملف وقف إطلاق النار في قطاع غزة، بدعم وتوجيه مباشر من أمريكا ومباركة إسرائيلية “مفاجئة” لأي مبادرة تُطرح على الطاولة.
هذا التحرك الغامض والمتسارع، طرح معه الكثير من التساؤلات التي تبحث عن اجابات واضحة حول الأسباب والدوافع وكذلك النتائج التي ستصل لها، في ظل التمسك الإسرائيلي بعدم التخلي عن غزة، وفرض الحكم العسكري عليه بشكل كامل وتنفيذ مخطط التهجير الكبير لسكان شمال القطاع.
وشهدت الأيام الماضية في عواصم عربية من بينها القاهرة والدوحة، عدة جلسات سرية وعلنية بين وفود عربية وأمريكية وإسرائيلية وكذلك من حركة “حماس”، للتباحث في ملف واحد وهو “وقف إطلاق النار في غزة”، وذلك بالتزامن مع حديث إعلامي كبير عن وجود مبادرات “قوية” تطرح للمناقشة لكن حتى اللحظة تبقى في درج السرية حتى نضجها والاتفاق عليها.
هذه التطورات دفعت الكثير إلى التفاؤل بشأن ما يُطبخ لغزة، خلال الحرب وبعدها، فيما حذر آخرون من أن تكون تلك المبادرات والتحركات مجرد “فخاخ” تُنصب للفلسطينيين، سيكون لها ثمنًا باهظًا جدًا، خاصة في ظل الحالة المزرية التي يعيشها سكان غزة بفعل الحرب الدامية.
وشهدت العاصمة المصرية القاهرة حراكاً على صعيد إعادة إحياء مفاوضات وقف النار بغزة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، وذلك بالتوازي مع الحراك الذي شهدته العاصمة القطرية الدوحة، خلال الساعات الماضية.
وجاء الحراك بعد الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى المنطقة، وشارك، الخميس الماضي مسؤولون عسكريون مصريون، تقدمهم مدير المخابرات الحربية وأحد مساعدي وزير الدفاع، إلى جانب رئيس جهاز المخابرات العامة الجديد حسن محمود رشاد، في اجتماع مع رئيسي جهازي الموساد ديفيد برنيع والشاباك رونين بار في القاهرة، لبحث وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
يأتي ذلك في وقت كشف فيه مصدر أمني أن فريقاً أمنياً مصرياً وعسكرياً رفيع المستوى التقى رئيس الموساد ووفداً من الشاباك، وأضاف المصدر الأمني المسؤول أن اللقاء يأتي في إطار الجهود المصرية المكثفة لعودة المفاوضات والتوصل إلى وقف النار بغزة وتحقيق الاستقرار في المنطقة.
كما زار وفد قيادي من “حماس”، ترأسه رئيس وفد التفاوض في الحركة خليل الحية، الخميس الماضي، القاهرة في زيارة خاطفة بحثت أطروحات أميركية ومصرية بشأن وقف النار بغزة وصفقة تبادل الأسرى.
وبالتزامن مع ذلك أعلن وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أمس، أن بلاده ستستضيف جولة جديدة من المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وقال إن “وفداً أميركياً وآخر إسرائيلياً سيزوران الدوحة لبحث سبل إيجاد اختراق في مفاوضات وقف إطلاق النار بغزة”، مضيفًا “قطر تعمل مع مصر بشأن أي مبادرة يمكن أن تطرح بخصوص قطاع غزة”.
ومع تحرك قطر الأخير، وهي وسيط رئيسي، تتزايد الآمال في تحقيق اختراق يفضي إلى وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن في قطاع غزة، ويقول بهذا الصدد المحلل السياسي القطري، عبد الله الخاطر، إنه “لأول مرة نشعر أن هناك جدية” في التحركات لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان.
وأضاف ” أن لدى إسرائيل “قناعة بضرورة إيجاد حل، خاصة بعد التجربة في جنوب لبنان”. وفيما يتعلق بحماس، أشار الخاطر إلى “وجود درجة من الاطمئنان”.
وكان وزير الخارجية الأمريكي، قد أعلن في زيارته الأخيرة إلى المنطقة، أن المفاوضين سيجتمعون “في الأيام المقبلة” لبحث التوصل إلى هدنة في قطاع غزة، مجددا دعوته لإسرائيل وحماس للتوصل إلى اتفاق.
وأوضح بلينكن، في حديثه للصحفيين بعد محادثات في قطر، أن إسرائيل حققت أهدافها في غزة، وأصبحت أكثر أمانا بعد الهجوم الذي وقع في السابع من أكتوبر، وأعلن أن المفاوضين الأميركيين والإسرائيليين سيستأنفون المحادثات بشأن صفقة للإفراج عن الأسرى لدى حماس ووقف إطلاق النار في غزة خلال الأيام المقبلة من دون تحديد موعدا لذلك.
وقبل أيام أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن رئيس الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (الموساد) ديفيد برنياع سيتوجه الأحد إلى الدوحة لبحث استئناف المفاوضات بهدف الإفراج عن الرهائن المحتجزين في قطاع غزة.
كذلك التقى وفد أمني مصري رفيع المستوى بوفد من قيادات حركة حماس بالقاهرة “لاستعراض الأوضاع الجارية بغزة وسُبل تذليل العقبات التي تواجه التهدئة بالقطاع”، وفقا لما نقلته قناة “القاهرة الإخبارية” عن مصدر مسؤول.
وأفادت “القناة الـ12″ الإسرائيلية بأن مكتب نتنياهو أبلغ عائلات الأسرى في إسرائيل بأن هناك محاولات لـ”تحريك صفقة صغيرة”، تشمل إطلاق سراح 4 من الأسرى المحتجزين في غزة، كما أشارت إلى أن هناك تأييداً فلسطينياً وإسرائيلياً للخطة المصرية بالبدء بـ”صفقة صغيرة” تقوم على أساس إعلان هدنة يتوقف فيها إطلاق النار لمدة أسبوعين من وقف إطلاق النار.
وقالت مصادر سياسية في “تل أبيب” إن هناك بوادر إيجابية هذه المرة للحراك التفاوضي، مما يجعل اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية يتحرك بقلق.
وأعلن الوزيران المتطرّفان في حكومة نتنياهو، بن غفير وسموتريتش، في بيانين منفصلين، رفضهما لاستئناف المفاوضات، ومعارضتهما الشديدة، لتوجّه رئيس “الموساد” المرتقب للدوحة، وقال بن غفير في بيان، في وقت متأخر من مساء الخميس، إن “إرسال أعضاء الوفد المفاوض لم يتم بناء على رأي جميع أعضاء الكابينت”.
من جانبه، قال سموتريتش: “أنا آسَف جداً لقرار رئيس الحكومة بالموافقة على رحلة رئيس الموساد للمفاوضات مع قطر”. وشدّد سموتريتش على أنه “لن نعيد المختطفين إلا باستسلام حماس عبر استمرار الضغط العسكري، كما يفعل مقاتلونا حالياً في شمال غزة”.
وقالت مصادر إنه لا يوجد ضمان بأن تسفر المفاوضات عن شيء، لكن نتنياهو يتوقع وينتظر أن يأتي الرفض من “حماس”، وليس من طرفه.
من جانبه، قال مصدر قيادي في حركة حماس، في تصريحات إعلامية، إن “الحركة كانت ولا تزال تتعامل مع مقترحات وقف النار بغزة ومع جهود الوسطاء، سواء المصريين أو القطريين، بكل إيجابية”، مضيفاً: “لدينا خطوط حمراء أبلغنا بها كل الوسطاء على مدار الفترة الماضية، وهي تتعلق بالانسحاب الكامل من قطاع غزة وعودة كل النازحين إلى أماكن سكنهم من دون تفرقة بين الشمال والجنوب، وكذلك إدخال ما يلزم لشعبنا من إغاثة وإعادة إعمار”.
وقال المصدر، إنه “في نهاية المطاف، سيتم الوصول إلى صفقة لتبادل الأسرى، وفق مفاتيح يُتفّق عليها بيننا وبين الاحتلال عبر الوسطاء، لكننا في الحقيقة نرى أن الاحتلال لا يزال مصراً على تعنته وإجرامه بحق شعبنا، وكل حديث عن هدوء أو تهدئة مجرد فقاعات غير متوافقة مع ما يحدث على أرض الواقع من مجازر”.
وأكد القيادي الحمساوي أن “حديث الاحتلال عن اختلاف موقف حماس بعد استشهاد (رئيس حركة حماس) يحيى السنوار مجرد حديث أهوج لشخص لا يعرف كيف يُتخذ القرار في حماس، ولكن في العموم، فإن ثوابت حماس ومبادئها قبل السنوار كما بعده، نفس الطريق التي سار عليها أبناء شعبنا وقادته”.
وأمام هذا التطورات..
هل هناك تحرك جاد لوقف حرب غزة؟ أم ما يجري فخ جديد من نتنياهو؟ وهل هناك ضغوطات عربية حقيقة لوقف مجازر غزة؟
سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم