باسل علي الخطيب
كنت قد خضت نقاشاً مع بعض الأصدقاء عندما بدأ الكيان الصهيوني عدوانه على غزة، قلت فيه أنه ولو انتشر الجيش الصهيوني على كامل مساحة قطاع غزة فهو لن يستطيع هزيمة المقاومة، ولن يستطيع منعها من إطلاق الصواريخ على المستعمرات الصهيونية… وقلت أن كل خطوة يخطوها الصهاينة في هذه الحرب هي انتحار، واي خطوة تراجع ستكون بمثابة إقرار بالهزيمة…
فحوى هذا النقاش كنت قد نشرته في أحد مقالاتي، وقلت ايضاً أن هذه الحرب لن تنتهي ٱلا بحالة واحدة، اغتيال بعض قيادات المقاومة…
الكيان ومع كل يوم من هذه الحرب كان يكتشف عجزه عن تحقيق هدفه الأساسي ألا وهو سحق المقاومة، فكان ينحو نحو القتل والتدمير وارتكاب المجازر بحق المدنيين، الجيش الصهيوني وقد أسقط في يده أنهم وقد استعملوا كل فائض القوة الذي لديهم على مساحة صغيرة وفشلوا في هزيمة المقاومة، أضف ٱلى الخسائر الكبيرة التي منيوا بها، سواء على مستوى الأفراد أو العتاد أو على مستوى الاقتصاد، والأهم على مستوى الحالة النفسية والمعنوية، وجدوا أنفسهم أمام حائط مسدود وقد نفذ بنك الأهداف، أدركوا جميعاً، الجيش والأجهزة الأمنية والمستوى السياسي أنهم في مأزق وجودي بكل مافي الكلمة من معنى، فالهزيمة الأولى للكيان هي الأخيرة، وانطلاقاً من هذه الحقيقة لايستطيعون أن ينهوا الحرب دون نصر ما حتى ولو كان اعلامياً أو صورياً… فالشجرة التي تسلقوها كانت مرتفعة جداً، وهي بدأت تهتز بهم يميناً وشمالاً، وليس هناك من إنجاز يحفظ ماتبقى من ماء وجههم سوى أن يقتلوا بعض قيادات المقاومة المهمين، حتى يكون هذا (النصر الصوري)، هو السلّم الذي ينزلون به عن الشجرة، وليقنعوا جمهورها أنهم حققوا شيئاً ما….
الشهيد صالح العاروري ليس شخصية عادية في المقاومة الفلسطينية، هو نائب رئيس المكتب السياسي، هو مسؤول المقاومة في الضفة، هو أحد مؤسسي كتائب القسام، وقد يكون الشخصية الأساسية للمقاومة خارج فلسطين…
دعونا نطرح السؤال التالي، من قدم للصهاينة ذاك السلم لينزلوا بواسطته عن تلك الشجرة؟… قد نستنتج الجواب عندما نعرف أن الشهيد العاروري كان في قطر قبل عدة ايام، المسيرة الصهيونية أصابت تحديداً الشقة التي فيها الشهيد ورفاقه….وفهمكم كافٍ!
اعيد تكرار ماقلته سابقاً، ليس هناك من عدو اخطر على حماس من بعض حماس نفسها، هناك جناح في حماس يتبع الأيديولوجية الإخوانية ليس تنظيمياً فحسب، إنما عقائدياً، تقوم العقيدة الإخوانية على البراغماتية الانتهازية، على تقديم الايديولوجية على القضية، أياً كانت القضية، هذا الجناح هو نفسه من وقف في صف الإرهابيين في الحرب التي شنت على سورية، المقاومة بالنسبة لهؤلاء ليست غايتها تحرير فلسطين، إنما وسيلة مرحلية غايتها تعويم العقيدة الإخونحية وتحقيق مكاسب سياسية وشعبية لتنظيم الإخوان على مستوى كل البلاد العربية والإسلامية…
انا اتهم هذا الجناح بدم الشهيد العاروري، دم الشهيد على كفي هنية ومشعل، لايستوي الأمر عندي أنك تدعي مقاومة الصهيونية وتقيم في قطر، والدوحة هي أحد ركائز الحركة الصهيونية في العالم، لايستوي ذلك وانت كنت خادماً عند قدمي القرضاوي، والذي أفتى يوماً بقتل نصف الشعب السوري، وهو من أفتى للناتو بضرب الدول العربية، – هل تذكرون تلك الصورة لهنية وهو يقص اظافر يدي القرضاوي؟ – …. لايستوي الأمر وانت ترفع علم العورة السورية، وقد فعلها هنية ومشعل، وتحت لواء تلك الخرقة شن الإرهابيون هجماتهم على الجيش العربي السوري….
نعم، قطر وبعض حماس هم من قدموا ذاك السلم للصهاينة، أن يحققوا إنجازاً نوعياً..يستطيعون تقديمه لجمهورهم على أنه انتصار حتى يستطيعوا ايقاف الحرب، لانه دون ذلك الانتحار أو الهزيمة….
قد يسأل سائل، ولكن ماذا كان يفعل الشهيد في قطر؟ حسناً، الجناح المقاوم في حماس لن يسمح للجناح الإخواني أن يستفرد بموضوع المفاوضات مع الصهاينة عبر قطر، هو لايأمن جانبهم أنهم سيتاجرون بمعاناة الشعب الفلسطيني، و وسيساومون على المقاومة، صالح العاروري كان ضابط ايقاع التفاوض، كان ممثل السنوار والضيف في العملية التفاوضية، ولكن قد يطرح سؤال آخر، ولكن ماحاجة المقاومة لهذا الجناح الاخواني، جناح هنية ومشعل؟!!…
هؤلاء يمثلون حيثية معينة لاتستطيع أن تخرج عنها أو منها حماس، تحتاجها المقاومة في عدة جوانب، أحد هذه الجوانب موضوع التمويل على سبيل المثال، عدا ذلك لايوجد في السياسة حدود واضحة، ليس هناك اللونين الأبيض أو الاسود، اللون الطاغي هو اللون الرمادي ومشتقاته…
ولكن، ماذا بعد اغتيال الشيخ الشهيد؟…
حسناً، لن تكون هناك حرب كبرى، نعم هذه خسارة كبيرة لمحور المقاونة، وان يستشهد قادة في محور المقاومة هذه تنسب للمحور كفضل…
أعتقد أن المقاومة في لبنان سترد بعملية جراحية مؤثرة ايفاءً لوعد أمينها العام، ولكن من دون أن يؤدي ذلك إلى تدحرج الوضع إلى حرب شاملة، فتوسيع نطاق الحرب من مصلحة الكيان، وهو أحد الخيارات المطروحة ومازالت للهروب من المازق الوجودي الذي يعيشه الكيان، فتوسيع نطاق الحرب قد يؤدي إلى سيناريوهات أو تطورات غير متوقعة…..
سيحصل تصعيد كبير نسبياً على الجبهة اللبنانية وفي غزة، وسيستمر لأيام، ستكون غاية المقاومة من الرد المؤثر والموجع أن يتم ايقاف سلسلة الاغتيالات، لأن الاغتيالات هي الخيار الأرخص عند الصهاينة من توسيع الحرب لمراكمة بعض الانجازات…
ولكن يجب أن أشير إلى نقطة مهمة هنا، نحن أمام عصيبة، الرد ومايتبعه من ردود متتابعة، ليس عملية قطع لقطعة زبدة بسكين حادة لاينتج عنها نتوءات أو هوامش أو اخطاء، قد تتدحرج الأمور إلى حرب كبرى، لذا قلت نحن أمام أيام عصيبة ومعقدة….
إذاً، سيحصل تصعيد كبير كما قلت، سينتهي باعلان الكيان الصهيوني موافقته على وقف إطلاق نار شامل وليس مجرد هدنة، أي القبول بشكل غير مباشر بشروط المقاومة الفلسطينية، والتي ملخصها الكل مقابل الكل، ولكن سيقبل الكيان بهذا الأمر وهو في جعبته هذا الاغتيال على أنه انتصار ما، وبالتالي سيكون الأمر مقبولا من جمهوره، وسيعمل الاعلام الأعرابي كل جهده لتكبير حجم وتأثير هذه العملية واعطائها ابعاد وتداعيات ليست موجودة فيها لخدمة الصهاينة أنهم حققوا نصراً كبيراً….
على فكرة هذه وحسب تصوري هي الخطوة الأولى ضمن خطة على عدة مراحل، قلت إن هناك جناحين في حماس، الصدام سيكون حتمياً بينهما، حتى ولو لن يظهر الى العلن، وقد صار قريباً، قد ظهرت بوادره في مفاوضات القاهرة الأخيرة، سيعمل جناح هنية – مشعل، مع جناح محمد دحلان ضمن السلطة الفلسطينية على تصفية جناح السنوار – الضيف ضمن حماس، وسيتم لأجل ذلك تسخير إمكانات مادية واعلامية اعرابية و مخابراتية صهيونية وأمريكية وغربية كبيرة…
في ذات السياق العين على لبنان ، لاتوجد قوة عسكرية على وجه هذه الأرض قادرة على هزيمة المقاومة اللبنانية، ليس هناك من سبيل لذلك إلا إغراق هذه المقاومة في أتون نزاع داخلي لبناني ، والعدة حاهزة، سواء من خلال بعض التنظيمات والأحزاب اللبنانية المناهضة لهذه المقاومة، والتي لديها بعض فائض القوة والكثير من فائض العنصرية والحقد والتي تتحرق شوقاً لاستعمالهم ضد المقاومة، أضف إلى أنه سيصار إلى استعمال بعض النازحين السوريين كخزان بشري عسكري في هذا الصراع، لذا أتوقع ظهور داعش أو شبيهاتها مرة أخرى، ولكن هذه المرة في لبنان….
قد يكون من أعظم انجازات عملية طوفان الأقصى أنها وبضربة واحدة قوضت كل محاولات التفرقة الطائفية وحرف الصراع مع الصهاينة إلى صراع طائفي، أن هذه العملية المباركة قد أعادت التذكير أين هو العدو الحقيقي لهذه الامة، وهذا أمر قولاً واحداً لايناسب الدوائر الصهيونية والغربية والاعرابية، والتي استثمرت كثيراً في الخلافات الطائفية، لذا سيسعون إلى تقويض ذاك الانجاز الأكبر اعلاه لعملية طوفان الأقصى….
بعيد اغتيال رفيق الحريري عام 2005، عرف كل من وليد جنبلاط وسمير وجعحع وسعد الحريري وبقية ذاك الرهط، عرفوا كيف يتسلقون دمه لتحقيق مكاسب شخصية وسياسية لهم، وانفاذاً لأجندة وضعها الصهاينة والامريكان (قتلة الحريري) في المنطقة ضد سورية والمقاومة… سيحاول هنية ومشعل وبقية فريقهم تسلق دم الشهيد صالح العاروري، وستسمعون خطبة عصماء من أحدهما في رثاء الشهيد، و تيقنوا أن كل كلمة منها ليست إلا نفاقاً في سياق أجندة موجهة ضد جناح السنوار- الضيف…
اتمنى من يحيى السنوار ومحمد الضيف وأبو عبيدة أن يدركوا هذه الحقيقة…..
(سيرياهوم نيوز ٣)