يبدو أن إسرائيل قد أفاقت أخيرًا من مرحلة “الأحلام الوردية” التي كانت تضعها على جانبي طريق علاقتها مع الدول العربية، خاصة بعد فترة توهج وتقرب غير مسبوقة، دفعت الإعلام العبري لتسميتها بـفترة “العصري الذهبي للتطبيع”.
وبعد فترة حماس وشجاعة من بعض الدول العربية التي أعلنت سرًا وعلانية تقربها من إسرائيل وفتح باب التطبيع على مصراعيه مع “تل أبيب”، بدأ هذا الحماس يخفت تدريجيًا، حتى أصبح الحديث عن العلاقات والتطبيع في ظل الظروف الحالية، شي مُعقد ومثير للأزمات ويفتح باب الانتقادات.
إسرائيل اليوم تعيش على واقع صدمة كبيرة، فكافة الوعود الجميلة والوردية التي كان يرسمها بنيامين نتنياهو، خلال حملته الانتخابية والتي توجت فعليًا بنجاحه وعودته لكرسي رئاسة الوزراء، لم تجد أي مكان على أرض الواقع، بل ما جرى عكس ذلك تمامًا فأصبحت إسرائيل تتلقى الانتقادات والهجوم من القريب قبل البعيد.
فعلاقات إسرائيل مع الكثير من الدول العربية والأوروبية وحتى الحليف “الأبدي والأزلي” الإدارة الأمريكية تضررت كثيرًا ودخلت في نفق مظلم، بفعل ما تقترفه هذه الحكومة المتطرفة من جرائهم وقتل وتدمير ونهب واستيطانية وسرقة أراضي واعتداءات تجاوزت كل خطوط الحمراء، أجبرت الكثير على عدم إتباع لغة الصمت وتوجيه الانتقادات إما بالقول أو الفعل.
-
الصفعة الكبيرة
ولعل آخر فصول هذا التوتر المشحون ما تم نشره عن تدهور العلاقات بين الإمارات وإسرائيل، وقرار الأولى بتجميد بعض المشاريع الحساسة والهامة مع دولة الاحتلال، رغم إسراع مكتب نتنياهو إلى نفي ذلك جملة وتفصيلا، لكن يبدو الواقع أصعب من ذلك بكثير.
وقال القناة 12 العبرية، إن الإمارات أعلنت مساء الأحد عزمها وقف شراء أنظمة دفاعية من إسرائيل، ويأتي القرار في أعقاب تصرفات وتصريحات الوزيرين بن غفير وسموتريتش، مشيرًة إلى أن الأنظمة التي تشتريها الإمارات تعتبر مهمة ، ومعظمها حساس ويحظر نشره.
وبحسب مصادر إسرائيلية ، فإن خلفية القرار هي تصرفات الحكومة في الشهر والنصف الماضيين ، من بين أمور أخرى ، اقتحام بن غفير إلى الحرم القدسي ، والاضطرابات في حوارة ، وتصريح الوزير سموتريتش حول هذا الموضوع.
وتقول صحيفة “إسرائيل هيوم” العبرية، إن الإمارات وإسرائيل لم تحققا ما أرادتاه بعد من اتفاقيات التطبيع التي تم توقيعها قبل عامين برعاية واشنطن.
فمنذ توقيع اتفاقات التطبيع، شهدت علاقات أبو ظبي وتل أبيب موجة “تسونامي” من الاستثمار التجاري والاقتصادي، وفق صحيفة “إسرائيل هيوم” العبرية.
ورأى الكتاب في الصحيفة العبرية، “آريئيل كهانا”، أن “علاقات تل أبيب وأبو ظبي اليوم تبدو مثل زوجين، اكتشفا بعد عامين الفجوة بين الرمانسية والحياة الزوجية”.
هذا التوتر بين الإمارات وإسرائيل وجد طريقه للإعلام ونشرته الصحف العبرية، لكن هناك الكثير من الخلافات عطلت قطار التطبيع العربي مع إسرائيل، والكثير من الدول العربية قررت التراجع للوراء خطوتين قبل مد يدها لتل أبيب.
استطلاع للرأي العام أجراه “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى”، قبل أشهر، أظهر تراجعًا ملحوظًا في نسبة مؤيدي اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل في كل من السعودية والبحرين والإمارات في العام الماضي؛ لتصبح “أقلية”.
ولاقت نتائج الاستطلاع تفاعلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، وقال مغردون إن هذه النتائج تُعبّر عن مواقف الشعوب العربية الحقيقية من التطبيع مع إسرائيل.
ووفقًا للمسح الذي أجراه المعهد الأميركي الذي أسسته لجنة العلاقات الأميركية الإسرائيلية المعروفة اختصارًا بـ”آيباك” عام 1985، في مارس/آذار الماضي، فإن أكثر من ثلثي المواطنين في البحرين والسعودية والإمارات ينظرون إلى “اتفاقيات أبراهام” نظرة غير إيجابية بعد أقل من عامين على توقيعها.
وحسب الاستطلاع، تراوح نسبة الذين ينظرون إلى اتفاقات التطبيع بشكل إيجابي بين 19% و25% في السعودية والبحرين والإمارات.
وضمن نتائج استطلاع الرأي، فقد أيّد اتفاقيات التطبيع في البحرين 25% وعارضها 71%، في حين أيدها 20% مقابل 76% من المعارضين في الإمارات، وفي السعودية أيدها 19% وعارضها 75%.
-
هل فهمت الدول العربية خطأها
السفير الأميركي السابق في إسرائيل دانيال شابيرو، يقول في جلسة استماع أمام الكونغرس، إنّ اتفاقيات التطبيع مع “إسرائيل” تواجه تحديات جديدة، ووفق موقع “atlantic council”، يضيف شابيرو ” أبرز التحديات تتمثل في الدعم المنخفض نسبياً للتطبيع وتراجع شعبيتها حتى في الإمارات والبحرين.
وأرجع شابيرو السبب إلى “تصاعد التوترات الإسرائيلية الفلسطينية”، ودعوات بعض المسؤولين الإسرائيليين إلى اتخاذ خطوات قد ترقى إلى الضم الفعلي للضفة الغربية أو تحدي الوضع الراهن في الأماكن المقدسة في القدس، ما أثر في شعبية اتفاقيات التطبيع.
ولفت إلى أنّ دولة حساسة لها علاقات طبيعية كاملة مع إسرائيل مثل الأردن لم تنضم بعد إلى مجموعة الدول المطبعة، محذرًا من تداول الرواية التي تقول إنّ الدول العربية مستعدة للتطبيع غدًا مع إسرائيل.
وجانب أخر شكل انتكاسه لمشروع التطبيع الإسرائيلي الكبير، الاتفاق المفاجئ الذي عقد بين إيران والسعودية حول عودة العلاقات بوساطة صينية، فأجمع محللون وخبراء سياسيون، أن عودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران سيكون له انعكاسات إيجابية وقوية على المنطقة والإقليم بشكل عام والقضية الفلسطينية بشكل خاص.
وقد لاقت هذه الخطوة ترحيب عربي ودولي وفلسطيني، إذ اعتبرتها حركة (حماس) خطوة مهمة تصب في صالح القضية الفلسطينية ودعم صمود الشعب في مواجهة الاحتلال وعدوانه المتواصل، وضربة للتطبيع.
ورأى المحلل السياسي، طلال عوكل، أن: “ما حدث مهم جدًا، ويؤشر إلى تحولات ليست في الإقليم إنما على المجتمع الدولي، بمعنى أن المنطقة سواء إيران أو السعودية لم يعودوا محكومين للسياسة الأميركية والمصالح الأمريكية الإسرائيلية”.
وقال إن الاتفاق: “سيقطع الطريق على موضوع إسرائيل والتطبيع مع السعودية أو حتى مع غيرها من الدول العربية، حيث قيل أن هناك جهد أميركي وإسرائيلي لدفع أربع دول عربية إفريقية لتطبيع علاقاتها بإسرائيل، على الأرجح أن بعض هذه الدول على الأقل سيتردد في أن يفعل ذلك بعد هذا الإعلان”.
وأصاف: “ثانياً هذا مفتاح لحل بعض القضايا والأزمات في المنطقة كموضوع اليمن وسوريا ولبنان بالإضافة إلى أنه يقطع الطريق أمام إسرائيل التي تحاول أن تبني حلفاً عسكرياً أمنياً ضد إيران، لذلك نحن أمام تطور مهم والفلسطينيون هم أصحاب مصلحة في معالجة الأزمات العربية والإقليمية لأنه هذا سيوحد المسلمين خلف القضية الفلسطينية”.
وأمام هذا التطور، يبقى السؤال المطروح، هل انتهى عصر التطبيع؟، وفهمت الدول العربية خطأها؟ أم هناك تفاصيل ستقلب الطاولة
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم