محمد أحمد خبازي
يشكل العزوف عن الزواج في محافظة حماة- وربما في غيرها من المحافظات- ظاهرة اجتماعية واقتصادية خطيرة، لتنامي العنوسة ومشكلاتها، وتضاؤل الفئة الشابة المنتجة في المجتمع، وخصوصاً مع اختيار الشباب الهجرة كحل لأزماتهم المادية، في ظل غياب حلول أو سياسات حكومية تمكن الشباب من تكاليف وأسباب الزواج وتكوين أسر كسائر خلق الله.
وبيَّنَ العديد من الشباب العازفين عن الزواج ممن التقتهم «الوطن»، أنه من الصعب جداً التفكير-مجرد التفكير، بالزواج في مثل هذه الظروف، التي تغوَّل فيها الغلاء الفاحش الذي طال كل شيء، ومنها مستلزمات الزواج، بدءاً من «المحبس» أي خاتم الذهب، وصولاً إلى الأثاث المنزلي، هذا إذا كان المنزل متوافراً.
وأوضح منذر وعمره نحو 45 عاماً، أنه يعمل عملاً حراً، وبالكاد يستطيع تأمين قوت يومه، ولا يفكر بالزواج مطلقاً كغيره من الشباب، ليس لأنه غير قادر على تحمل المسؤولية، وإنما لأنه لا يستطيع تأمين تكاليفه ومستلزماته مهما قتَّر على نفسه، أو رشَّد نفقاته.
وكشف رئيف وهو موظف وعمره 38 عاماً أنه ترك خطيبته بعد ستة أعوام من الخطبة، لأنه لم يستطع تأمين الحد الأدنى من مستلزمات الزواج، ولم يكن بمقدوره استئجار منزل ولو بـ«المشاعات» أي أحياء المخالفات.
وبيَّنت شابات لـ«الوطن»، أن الزواج أمسى شاقاً وعسيراً في ظروفنا الراهنة، بسبب الوضع الاقتصادي المعروف، وأوضحن أنهن يفضلن الارتباط بشبان مغتربين في دول الخليج العربي أو أوروبا، فذلك أسهل بكثير من الارتباط بشبان يقيمون بالبلد!
وأكدن أن حالات كثيرة من الزواج بمغتربين، تمت بعد التعارف عبر الفيسبوك، وإجراءات لم الشمل حتى بعد استغراقها فترة طويلة.
وأكدت شابات أخريات أنهن قد يستغنين عن خاتم الذهب أو الفضة، وعن الثياب وغيرها، ولكن لا يمكنهن الاستغناء عن السكن في منزل مستقل ولو كان غرفة ومنتفعاتها وهذا صعب تأمينه على الشباب في هذه الظروف.
وبالطبع لا يعني ذلك انعدام الزواج بحماة – والكلام للمحرر – فهو موجود بالتأكيد ولكن للموسرين، وللذين لديهم من يساندهم ويساعدهم مادياً ومعنوياً.
فقد بيَّنَ مدير الشؤون المدنية بحماة فراس صيوم لـ«الوطن»، أن عدد واقعات الزواج التي تم تسجيلها بالمديرية بلغ نحو 15105 منذ بداية العام الجاري وحتى نهاية الشهر الماضي.
ومن جانبه، بيَّنَ الأكاديمي الاقتصادي الدكتور إبراهيم قوشجي لـ«الوطن»، في تحليله لهذه الظاهرة، أن الكثيرين يعتقدون عزوف الشباب عن الزواج ظاهرة اجتماعية سلبية، ولكن في الحقيقة إنها مشكلة اقتصادية كارثية، تبدأ من انخفاض النمو السكاني الذي ينعكس بعد عقود من الزمن بانخفاض القوى العاملة من جهة وانخفاض الطلب على السلع والخدمات من جهة أخرى، وتتحول الفئة العمرية في المجتمع من فئة فتية تستهلك وتنتج إلى فئة هرمة لا تستهلك، لذلك ينخفض الطلب على السلع والخدمات فيصاب الاقتصاد الوطني بالكسل والركود.
وأوضح أن الزواج يعني ارتفاع الطلب على السكن والأثاث المنزلي والكهربائيات ومستلزمات الأطفال والطبابة والغذاء وغير ذلك من متطلبات الحياة، وهذا يدفع عجلة الإنتاج إلى المزيد من النشاط والإنتاج، فالزواج يزيد من الإنفاق الاستهلاكي للسلع الاستهلاكية والمعمرة، ما يؤدي إلى زيادة الاستثمار فالإنتاج وارتفاع مستوى التوظيف.
ولفت إلى أن العزوف عن الزواج يؤثر سلبياً في الاقتصاد بتناقص اليد العاملة والفكر المبدع وكذلك المستهلك أيضاً، وهذا ما يبرر استقبال المهاجرين في الدول الأوروبية ضمن القارة العجوز.
وقال: وبالعودة إلى الأسباب الاقتصادية لهذه الظاهرة هي ارتفاع تكاليف الزواج ومتطلبات الأسرة مقارنة بالدخل المنخفض وعدم الاستقرار الوظيفي، وانتشار البطالة والفقر بين الشباب، وانخفاض مستوى الدخل، هذا يجعل الشباب غير قادر على تحمل نفقات الحياة الزوجية، وتكوين أسرة، وإنجاب الأطفال، وهذا قد يقلل من ثقة الشاب بنفسه، ويجعله يخشى من الالتزام.
وأضاف: ومن السلبيات الاجتماعية المنتشرة في بلادنا غلاء المهور وارتفاع أسعار المنازل إيجاراً وتمليكاً ومتطلبات الزواج والمعيشة، وهو ما تسبب في انخفاض الزواج الذي ينعكس على العوامل الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمعات، مثل زيادة البطالة وزيادة الضغوط والتوترات والصراعات الاجتماعية.
وأشار قوشجي إلى أنه يمكن تفادي ترسيخ هذه الظاهرة من خلال إيجاد حلول مباشرة (علاج عاجل) ومنها حلول على المدى الطويل، فعلى المدى القصير ينبغي محاربة غلاء المهور وتكاليف الزواج الباهظة والاكتفاء بالمعقول، فالمهور المرتفعة تشكل عبئاً كبيراً على الشباب وتؤدي إلى تأخير الزواج أو العزوف عنه.
وثمة حلول طبقت في بعض الدول وأدعو لتعميمها، مثل إنشاء صناديق الزواج، ومهمة هذه الصناديق دعم الشباب المقبلين على زواج مالياً. وكذلك إقامة حفلات الزواج الجماعي ما يخفض المصاريف على الشباب المقبل على الزواج، وترعاها جهات اقتصادية ومجتمعية، كما يجب العمل على زيادة الرواتب والأجور لأصحاب الأسر والمتزوجين، وتأمين استقرار وظيفي لهم.
وأما على المدى الطويل فلا بد من خلق فرص عمل للشباب والحد من البطالة ومعالجة انخفاض الأجور، وتشجيع الجمعيات السكنية في توفير السكن من خلال مدن سكن جديدة وتقديم التسهيلات الحكومية لانخفاض تكلفة البناء وضبط أسعار مبيع العقارات وكذلك الإيجارات، وتوفير مناخ استثماري لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية ودعم المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر بشكل مباشر، ونشر ثقافة الوفرة في متطلبات الزواج وتخفيف الفوارق الاجتماعية، وإعادة توزيع الدخل القومي لتخفيف الفوارق بين الطبقات الاجتماعية، وتخفيض الفوارق بين عوائد عناصر الإنتاج (الريع والرواتب والأجور والأرباح) ليستطيع المجتمع أن يحقق توازناً بين جميع فئاته العاملة فيه، وهنا يتحقق استقرار في حياة الأسرة وانتهاء ظاهرة العزوف عن الزواج.
سيرياهوم نيوز1-الوطن