الجزائر ـ باريس ـ الاناضول ـ رويترز: أفادت مصادر مطلعة بأن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قرر إغلاق المجال الجوي الجزائري أمام جميع الطائرات العسكرية الفرنسية المتجهة إلى منطقة الساحل في إطار عملية “برخان”، واكد الجيش الجزائري حظر الطائرات العسكرية الفرنسية التحليق في أجواء الجزائر.
وأوضحت المصادر ان عبور الطائرات العسكرية الفرنسية إلى منطقة الساحل عبر الأجواء الجزائرية “امتياز ممنوح لفرنسا منذ فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وظل ساري المفعول لمدة 4 سنوات”.
وأضافت أن “هذا القرار سيؤثر بشدة على العمليات العسكرية الفرنسية ويصحح خطأ استراتيجيا للرئيس السابق”، كما سيؤدي إلى “تباطؤ التعاون العسكري الفرنسي الجزائري في الأسابيع القليلة المقبلة”.
وقال الجيش الفرنسي اليوم الأحد إن الجزائر أغلقت مجالها الجوي أمام الطائرات العسكرية الفرنسية، في تصعيد لأكبر خلاف بين البلدين منذ سنوات.
وقال متحدث باسم القوات المسلحة الفرنسية إن الجزائر أغلقت مجالها الجوي أمام رحلتين لكن ذلك “لن يكون له عواقب كبيرة” على العمليات في منطقة الساحل جنوبي الجزائر.
ولم يتسن الحصول على تعليق من الحكومة والجيش الجزائريين على إغلاق المجال الجوي.
واستدعت الجزائر أمس السبت سفيرها في باريس بعد أن نقلت صحيفة لو موند عن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قوله إن “النظام السياسي العسكري” الجزائري أعاد كتابة تاريخ الاستعمار الفرنسي للجزائر على أساس “كراهية فرنسا”.
ولم تحدد حكومة الجزائر تعليق ماكرون الذي أدى إلى استدعاء سفيرها، لكنها اتهمته بالتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد.
كما نُقل عن ماكرون تشكيكه في وجود أمة جزائرية قبل الحكم الاستعماري الفرنسي. وحصلت الجزائر على استقلالها عن فرنسا عام 1962 بعد صراع عسكري دام.
وقال مصدر في الحكومة الجزائرية إن التعليق على وجود الجزائر كأمة أثار الغضب على نحو خاص.
ومعظم النخبة الحاكمة في الجزائر منذ الاستقلال من قدامى المحاربين في حرب التحرير من فرنسا.
وقال وزير جزائري سابق “نتفهم أن ماكرون يخوض حملة انتخابية وأنه يريد الحصول على دعم اليمين المتطرف بكل الوسائل مثل إهانة تاريخ الجزائر… هذا غير مقبول بالنسبة لنا”. وتجري فرنسا انتخابات رئاسية في أبريل نيسان المقبل.
ويتوج هذا الخلاف توترا بعد أن قالت فرنسا الأسبوع الماضي إنها ستخفض عدد التأشيرات المتاحة لمواطني بلدان المغرب العربي، وهو الأمر الذي دفع الجزائر إلى الاحتجاج رسميا.
وتنشر فرنسا نحو خمسة آلاف جندي في منطقة الساحل جنوبي الجزائر، وتقاتل بشكل رئيسي إلى جانب جيوش المنطقة ضد جماعات إسلامية متشددة في مالي والنيجر.
جاء ذلك في بيان للرئاسة الجزائرية، ردا على تصريحات لماكرون وصفت بـ”المسيئة” حول الفترة الاستعمارية للجزائر والوضع الداخلي في البلد الأخير.
وبحسب البيان، الذي نقله التلفزيون الرسمي، فإن تصريحات ماكرون “تمثل مساسا غير مقبول بذاكرة 5 ملايين و630 ألف شهيد ضحوا بأنفسهم عبر مقاومة شجاعة ضد الاستعمار الفرنسي” بين عامي 1830 و1962م.
وأضاف أن “جرائم فرنسا الاستعمارية، التي لا تعد ولا تحصى، هي إبادة ضد الشعب الجزائري، وهي غير معترف بها (من قبل فرنسا)، ولا يمكن أن تكون محل مناورات مسيئة”.
ولفت إلى أن التصريحات المنسوبة للرئيس الفرنسي “لم يتم تكذيبها رسميا”.
وأوضح أن الجزائر “ترفض رفضا قاطعا التدخل في شؤونها الداخلية كما ورد في هذه التصريحات، وأن الرئيس عبد المجيد تبون قرر الاستدعاء الفوري لسفير الجزائر بفرنسا محمد عنتر داود للتشاور”.
ومما جاء في تصريحات ماكرون اتهامه السلطات الجزائرية بأنها “تكن ضغينة لفرنسا”.
كما طعن في وجود أمة جزائرية قبل دخول الاستعمار الفرنسي إلى البلاد عام 1830م، وتساءل مستنكرا: “هل كان هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟”.
وادعى ماكرون أنه “كان هناك استعمار قبل الاستعمار الفرنسي” للجزائر، في إشارة لفترة التواجد العثماني بين عامي 1514 و1830م.
وقال مواصلا مزاعمه: “أنا مفتون برؤية قدرة تركيا على جعل الناس ينسون تماما الدور الذي لعبته في الجزائر، والهيمنة التي مارستها، وشرح أن الفرنسيين هم المستعمرون الوحيدون، وهو أمر يصدقه الجزائريون”.
ويتفق المؤرخون والمراجع في الجزائر على أن التواجد العثماني في البلاد كان عبارة عن حماية طلبها السكان ضد الاحتلال الإيطالي والإسباني في عدة مدن ساحلية.
ووصفت صحيفة “الشروق” تصريحات ماكرون بـ”المستفزة”، قائلة إنها “تعيد العلاقات الجزائرية الفرنسية إلى مربع البداية”، وتكشف “مدى هشاشة العلاقات الثنائية الموبوءة بالعديد من الملفات المسمومة”.
واعتبرت الصحيفة أنه “كان لافتا في كلام الرئيس الفرنسي أنه يبحث عن مناول (مقاول) من الباطن للوقوف أمام التقارب الجزائري التركي الذي بات يزحف على حساب الإرث الفرنسي المتهالك، وأن هذا المناول لا يمكن أن يقوم به إلا الجزائريون أنفسهم، وهو أمل يبقى في خانة الوهم؛ لأن الجزائر تميز جيدا بين الصديق والعدو، ولا تنتظر أي نصيحة من أحد”.
ومنذ فترة، تشهد العلاقات السياسية والدبلوماسية بين الجزائر وباريس توترا وفتورا رافقها نزيف اقتصادي لدى شركات فرنسية غادرت البلاد ولم تجدد السلطات الجزائرية عقودها.
وقبل أيام، استدعت الجزائر سفير باريس لديها للاحتجاج على قرار فرنسا تقليص التأشيرات الممنوحة لمواطنيها.
ونشرت صحيفة “لوموند” الفرنسية تصريحات للرئيس ماكرون قال فيها إن نظيره الجزائري عبد المجيد تبون “عالق داخل نظام صعب للغاية”.
كما أشار ماكرون في تصريحاته إلى الماضي التاريخي لفرنسا في الجزائر، لافتا إلى أنه يرغب في إعادة كتابة التاريخ الجزائري باللغتين العربية والأمازيغية: “لكشف تزييف الحقائق الذي قام به الأتراك الذين يعيدون كتابة التاريخ”.
كما شكك الرئيس الفرنسي في وجود “أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي”، مشددا على ضرورة التطرق لهذه المسألة من أجل تحقيق “المصالحة بين الشعوب”
(سيرياهوم نيوز-رأي اليوم3-10-2021)