د. ادريس هاني
فاض كأس الإجرام في سوريا، وانفضحت كلّ السرديات التي لعبت فيها الصورة دورا فارقا، وهي الصورة نفسها التي باتت تصنع خطابها النقيض، أي تبرير الجرائم وإخفائها. هل كان ذلك مفاجئا حين تمّ تسليم سوريا لمن لا عهد لهم بمشروع الدولة والعيش المشترك؟
كان فن إدارة التوحش يقتضي تدريبا فائقا على المسرح، أتقنه خريج بوكا الذي اختفى قبل سنوات بالعراق ليظهر في تنويعة جديدة هي النصرة. ليس جديدا كلّ هذا العنف الدّموي، ولا حتى الغطاء الذي تؤمّنه لعبة الأمم في سوريا، لكن المفارقة هي انقلاب الصورة والإعلام المنخرط في مشروع تطهير عنصري في سوريا.
ولمّا بات الإرهاب أوضح من أن تلتفّ عليه لعبة الصورة، بدأ الحديث عن منجزات هي بمثابة مُلهيات لما يجري من جرائم في حقّ الإنسانية ضد شعب أعزل. الملهية الأولى تتعلق بمصالحة لم تكن في الحسبان، الأولى مع قسد والثانية مع الدروز. لقد شكّل الساحل عقدة مزمنة للقاعدة والإخوان في سوريا، لأنّهم حسبوا النزاع قبليا وطائفيا، وهم لهذه النزعة اختيروا لهذا الدور الوظيفي. كان أبناء الساحل أقل فرصا من غيرهم، وتدل قراهم على ما هم عليه من مستوى اجتماعي، لكن غريزة الثّأر التي فاقت كل الثقافات، ويحملها سرب من التكفيريين المتواطئين مع تيارات حاقدة جاهلة بالدين والسياسة معا، هي المراهن عليها في تخريب سوريا.
تفوق المسألة في الساحل كل ما يبدو من مقاربات تتعلق بالثأر، فهي مؤامرة لتهجير علوية الساحل، ليكون التقسيم مناسبا لصناع اللعبة. يدركون أن أهل الساحل حتى مع فرض التقسيم سيكونون أفضل حال من الإرهابيين، لأنهم يملكون ممرا مائيا. تكمن الخطورة في أنّه مع التقسيم سيتسلط على الدولة السنية المفترضة القاعدة، وهو أمر يتهدد الاعتدال السني على المدى المتوسط والبعيد. ومن ناحية أخرى، تسعى الهيئة للهيمة على تفاصيل الدولة السورية والتغلغل في عمقها، وهم في كل هذا غير عابئين بالاحتلال الذي يجرف الوحدة السورية.
لا شيء يشبه حمام الدم الذي قامت به الجماعات الحاكمة لبلد كافح ضد الإرهاب وأمّن منذ عشرات السنين شكلا من العيش المشترك، ستذكره الأجيال بعد سنوات كعصر ذهبي لسوريا. لم تنفع سردية صيدناية والمسرحيات المؤلفة مقارنة مع المذابح التي أقامها ما سمته قنوات خصوم سوريا بالفاتحين والثوار. إن كان ثمة من رسالة لهذه المجازر، فهي دحض كل أساليب قلب الحقائق، لأن ما كانت تخشاه سوريا هو ما نشهده اليوم، وما تخفيه قنوات موصولة بمشاريع خاصة، اعتمدت نمط التهويل والتهوين، تهويل ما سمته بجرائم النظام السابق وتهوين مذابح المجموعات المسلحة.
لم يكن الأمر مفاجئا لنا، لأننا اعتبرنا في ضوء الرؤية الواقعية لطبيعة التناقضات الموجودة سوريا وإقليميا ودوليا بأنّ أي خيار قادم لن يكون سوى خيار القاعدة. وهذا لمسناه منذ أخفت وسائل الإعلام تدفق الإرهاب داخل سوريا، وبأنّ البديل الذي يملك شروط التمكين هم هؤلاء المسلحين. لا أحد أخذ الأمر بجدّ. وسوف تنبئ الأيام من يناقش بالمستحيل، أنّ سوريا الموحدة، سوريا المتعايشة، سوريا التي حمت وحدتها وسيادتها وعيشها المشترك انتهت لصالح مشروع الفوضى. الذين عيروا النظام السابق بأنه لم يطلق رصاصة في الجولان، فليظهروا عنترياتهم وبواردهم في الجولان؟ لا زالت قراءتنا للمشهد لا تخطئ الميزان. ستتبخر كل القراءات الكيدية التي تحمل كل تمنيّات الجماعات الوظيفية غير المعنية بالأبعاد الحقيقية والمبدئية للتحرر الوطني. لا زالت المعادلة عصية على التحليل.
الإرهاب الجبان الذي لا يملك رفع عقيرته أمام الاحتلال، يأتمر بأوامر خارجية لا عهد للشعب بها، والذي يستأسد على شعب أعزل دون اكتراث، لأنّه يدرك أنّه تطرف محميّ، وأنّه جاء من دون قتال ومن دون استفتاء. لقد عجّلت الأحداث الأخيرة بسقوط أقنعة إدارة التّوحّش، وأنّ المؤامرة على سوريا استطاعت بعد 13 عاما من الصمود أن تحقق أهدافها، وفي مقدمتها احتلال سوريا، ونزع سلاحها وإخراجها من المعادلة، وقيام شرق أوسط جديد بشروطه الإمبريالية.
حتى متى ستحاول هذه القنوات المتواطئة إخفاء هذه الجرائم؟ وأين هي الرسالة الإنسانية التي تذرعت بها تلك الجماعات والتنظيمات الوظيفية في عمليات التشنيع الكبرى على العهد القديم، الذي سيدرك العالم أنّه أمّن أفضل وضع عرفته سوريا بكل تناقضاتها الداخلية. كل الشعارات التي رفعتها الجماعات الوظيفية في عشرية العدوان على سوريا انقلبت رأسا على عقب. لا أحد اليوم يستطيع أن يدين احتلال سوريا، الحصار في سوريا، القتل والبطش والاستبداد والبراميل المتفجرة في سوريا، ليتضح أن الغرض منذ البداية كان هو حيازة السلطة ولو على جثّة شعب أعزل. أين البكّائين على الشعب السوري من المنخرطين في التآمر على سوريا، التي فكّكوها تحت طائلة الأطماع الدولية والإقليمية؟من يا ترى يقتل شعبه اليوم؟ حبل الكذب قصير.
اخبار سورية الوطن 2_راي اليوم