من زهير أندراوس:
ما زالت تبعات قرار محكمة الجنايات الدوليّة بإصدارها قراريْ الاعتقال ضدّ نتنياهو وغالانت، تُلقي بتداعياتها السلبيّة على كيان الاحتلال، وكشفت مصادر إسرائيليّة رسميّة أنّ نتنياهو أجرى مكالمةً هاتفيّةً صعبةً مع الرئيس الفرنسي ماكرون، اتسّمت بالصراخ بين الاثنين لإعلان باريس أنّها بصدد تنفيذ أوامر المحكمة واعتقال نتنياهو.
ولكن بعد المحادثة المذكورة أزالت إسرائيل (الفيتو) التي كانت وضعته حول مشاركة فرنسا باتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان/ حزب الله، فيما رفض وزير الخارجيّة الفرنسيّ الردّ على سؤالٍ فيما إذا كانت السلطات ستعتقل نتنياهو في باريس إذا وصل، واعتبر وزير الداخليّة الفرنسيّ أنّ هناك العديد من الأشخاص يتمتّعون بحصانةٍ، ولن يتّم اعتقالهم، في إشارةٍ واضحةٍ لرئيس الوزراء الإسرائيليّ.
إلى ذلك، كشفت وسائل إعلام عبرية، النقاب عن مخاوف إسرائيلية من إصدار المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي أوامر سرية بحق ضباط وجنود في جيش الاحتلال الإسرائيلي بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة.
وتأتي هذه المخاوف بعد إعلان الجنائية الدولية إصدار مذكرتي اعتقال دوليتين بحقّ رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير حربه السابق يوآف غالانت، بتهم تشمل استخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب والجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في القتل والاضطهاد.
وفي حين أعربت دول عربية وغربية عن ضرورة احترام قرار الجنائية الدولية الذي يأتي على وقع استمرار العدوان على قطاع غزة، رفض الاحتلال الإسرائيلي بشدّةٍ هذا القرار واعتبره معاديًا للسامية.
في السياق نفسه، كشف محامٍ إسرائيليٍّ تبعات وتداعيات مذكرة اعتقال نتنياهو على إسرائيل ذاتها.
وحذّر المحامي يوفال ساسون، الذي عمل في القسم الدوليّ في النيابة العامة، ويمثل الآن شركات هايتيك وصناعات أمنية في العالم، من أنّ هناك بعض الدول تستعد لفحص فرض عقوبات على إسرائيل.
ولخص ساسون في تقرير نشرته صحيفة (هآرتس) العبرية المخاوف من تداعيات مذكرة الاعتقال وعلى رأسها ما يتعلق بتوسيع سريان مذكرات الاعتقال لتصل إلى إسرائيليين آخرين، سواءً في المستوى السياسي أوْ في المستوى الأمني.
وقال ساسون إنّ أيّ “مواطن غزي لديه جنسية مزدوجة يمكنه الآن تقديم شكوى في بلده، وبقوة أوامر الاعتقال في لاهاي، وأنْ يدعي ارتكاب جرائم حرب من قبل قائد فرقة أو طيار أو جندي نشر فيلم فيديو في التيك توك”، طبقًا لأقواله.
ومضى القانونيّ الإسرائيليّ قائلاً إنّ “هذا الواقع الذي وصفته يؤثر على الفور على الشركات الإسرائيلية التي تعمل في الخارج، والتي يعمل فيها موظفون خدموا في الاحتياط. وعلى سبيل المثال فإنّ الشركات التي يقدم فيها المهندسون خدمات لزبائن في الخارج، وعليهم السفر إلى أوروبا. فلن أستغرب إذا كانت هناك شركات ستسأل نفسها في هذه الأثناء إلى أين لا يجب سفر أولئك الموظفين. إدارة مخاطر معقولة يجب أن تتطرق إلى ذلك”، وفق ما أكّده ساسون.
ولفت إلى أنّ الخوف الثاني يتعلق بتداعيات واسعة على الصعيد السياسيّ- الأمنيّ، وعلى رأسها الخوف من حظر السلاح أوْ إلغاء صفقات تصدير.
“قائمة سوداء أصبحت موجودة الآن”، قال ساسون، وأضاف: “يوجد مستثمرون يقاطعون الآن الصناعات الإسرائيلية. وحركة المقاطعة (بي.دي.اس) حصلت هنا على حقنة تشجيعٍ مهمةٍ جدًا، ويجب الاستعداد لأنْ تبدأ بعض الدول في القريب في فحص فرض عقوبات على إسرائيل”.
علاوة على ما جاء أعلاه، أوضح تقرير الصحيفة العبريّة أنّ المخاوف التي حذر منها ساسون حقيقية، وأنّه لا ينفع معها “الصراخ بأنّ هذا لا سامية، فهذا لن يلغي في أي يوم أي قرار لا سامي”.
في السياق نفسه، شدد الخبير الإسرائيليّ رون بن يشاي في مقال نشرته صحيفة (يديعوت أحرونوت (العبرية، على ضرورة تغيير سلوك جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي بعد أوامر الاعتقال الصادرة من الجنائية الدولية.
وقال بن يشاي إنّ “قرار المحكمة الجنائية الدولية بشأن أوامر الاعتقال ضد نتنياهو وغالانت قد أزال الحواجز القانونية والنفسية التي كانت تؤدي إلى رفض طلبات الاعتقال ضد الضباط الكبار من إسرائيل في السابق”.
وأضاف أنّه “من الضروري أنْ نكون على دراية بسرعة بالوضع الجديد وأنْ نستخلص الاستنتاجات المطلوبة”، داعيًا جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى “تغيير سياسته بشكلٍ جذريٍّ في ما يتعلق بنشر ظهور الضباط الكبار، خاصة من الوحدات القتالية”.
وشدد الخبير الإسرائيليّ، صاحب العلاقات الوطيدة مع المؤسسة الأمنيّة والاستخباراتيّة في تل أبيب، على أنّ “الضرورة لتغيير السلوك تنبع من حقيقة أنّ إصدار الأوامر ضد السياسيين الإسرائيليين في أعلى المستويات يشكل سابقة سيكون لها تأثير مزدوج: محاولات لاعتقال ضباط كبار، مقاتلين إسرائيليين وأي شخص ينتمي بشكل مباشر أوْ غير مباشر إلى أذرع الأمن الإسرائيلية في الخارج”.
كما دعا بن يشاي كلاً من جنود الاحتلال الإسرائيلي وقادته السياسيين إلى “التوقف تمامًا عن نشر الصور، والمنشورات، وحتى التصريحات السياسية التي تحمل طابعًا حربيًا في وسائل التواصل الاجتماعي”.
واختتم: “قواعد البيانات في العالم مليئة بعناوين وصور الضباط والمقاتلين من جميع الرتب، التي يمكن للمنظمات والأفراد المؤيدين للفلسطينيين وأعضاء اليسار استخدامها لاستخراج أسماء الأشخاص، الذين سيضعونهم هدفًا للدعاوى القضائية بزعم المشاركة في جرائم حرب”، على حدّ تعبيره.
وفي الختام وجب التذكير بأنّ مستشار ترامب للأمن القوميّ، الذي سيُباشر عمله في العشرين من كانون الثاني (يناير) القادم هدّدّ محكمة الجنايات الدوليّة وقال في تصريحٍ صحافيٍّ انتظروا ردّ فعلنا القويّ، على حدّ تعبيره.
أخبار سورية الوطن ١_رأي اليوم