محسن سلامة
زاد عددهن لعدة اسباب اهمها:
1 _ لحرارة عاطفة المرأة ، وحضور دمعتها ، 2 _ كثرة الحروب التي أخذت خيرة الشباب في الجاهليّة منهم الأخ والأب والزوج ممّا جعل المرأة ثكلى بأغلى الناس و أعزّ الأقرباء ،
3 _ البكاء عادة العرب في الجاهليّة لتستقرّ روح الميّت في قبره وربّما تمّ استئجار الباكيات لهذا الغرض ،
4 _ الرثاء يستنهض الهمم عند الرجال في الحرب ، حركة الأنوثة تستدعي حركة الرجولة وتستفزّ الفارس فيندفع إلى ساحات الوغى أكثر شجاعة وبطولة ،
5 _ ارتفع الرثاء فوق المصلحة و أكّد إنسانيّة الإنسان و إنسانيّة الرثاء
ومن أهمّ الشاعرات الخنساء تماضر بنت عمرو بن الشريد ، ولدت عام 575 م ، والخنساء لقب قد يعني انخفاض قصبة الأنف مع ارتفاع قليل في طرفه ، فالرجل أخنس والمرأة خنساء ، وقد يكون معنى خنساء البقرة الوحشيّة
أبوها عمرو و أخواها معاوية وصخر من سادات العرب
نشأت في بيئة شاعريّة ، وكانت شخصيّتها قويّة تتيح لها البتّ بأمر زواجها ، فقد خطبها دريد بن الصِّمَّة أحد فرسان العرب وشعرائها ، فرفضته لأنّه بلغ من العمر عتيّا ، فقال :
أخناسُ قد هامَ الفؤادُ بكم وأصابه تبلٌ من الحبِّ
وقال :
وقالتْ إنّني شيخٌ كبيرٌ وما نَبَّأتُها أنّي ابنُ أمسِ
تزوّجت واحداً من بني عمّها سليم ، اسمه مرداس ، ورزقت منه ثلاثة بنين وبنتاً ، و كانت قد رزقت ابناً من زوجها الأوّل
وظلّت تقول البيتين والثلاثة إلى أن قُتِلَ أخوها صخر وكان من أجمل فرسان العرب ،
سمع صخر بنبأ مقتل أخيه ، فاستعدّ للأخذ بثأره ، فأُصيب صخر بطعنة في جنبه ، ألزمته الفراش حتّى قالت زوجته : لاهو حيٌّ فيُرجى ولا هو ميت فيُنعى ،
فطفقت أخته الخنساء ترثيه ملتاعة الفؤاد ، جزعت عليه جزعاً شديداً وبكته بكاء مرّاً ،
فصخر كان الأخ السند والحامي ، شاطرها وزوجها أمواله مراراً ، فقدت بفقده أملها بحياة كريمة ، فعاشت بعده ثلاثين عاماً تبكيه وترثيه ، وقرّرت ألّا تنزع ثوب الحداد ، سُئلت عن قبره ، فقالت :
أجارتنا لستُ الغداة بظاعن ولكن مقيم ما أقام عسيب
فقبره ثابت أبد الدهر كثبات جبل عسيب
. قالت وهي تسير خلف جنازته ملتاعة حزينة :
وقائلةٍ والنعشّ قد فات خطوها لتدركه يا لهف نفسي على صخرِ
ألا ثَكُلَتْ أمُّ الذين غدوا به إلى القبر ماذا يحملون إلى القبر
فجيعة الأخ محنة قاسية على الأخت ، فكيف إذا كانت شاعرة مرهفة الحسّ ، فكأنّ الدهر قد تعمّد أن يفجعها بهذا المصاب الجلل :
تبكي خُناسٌ على صخرٍ و حُقَّ لها إذْ رابها الدهرُ إنّ الدهرَ ضرّارُ
وإنّ صخراً لوالينا و سيّدُنا وإنّ صخراً إذا نشتو لنحّار
و إنّ صخراً لتأتمّ الهداة به كأنّه علم في رأسه نار
حمّال ألويةٍ هبّاط أوديةٍ شهّاد أنديةٍ للجيش جرّارُ
فصخر السند وسيّد. القبيلة وكريم ، وشجاع وحامل لواء النصر وقائد الجيوش يهتدي الناس برأيه في النوادي كما تهتدي القوافل بالنار في رؤوس الجبال
لمّا جاء الإسلام وفدت مع قومها على النبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم ، وأسلمت ، وكان الرسول يُعجب بما تقول من شعر ، ولطالما كان يناديها : هيه يا خُناس ، ويومئ بيديه الشريفتين ، فتقرأ له بحرقة فقد أخيها صخر :
يذكّرني طلوعُ الشمسِ صخراً وأذكره لكلّ غروب شمسِ
ولولا كثرةُ الباكين حولي على إخوانهم لقتلتُ نفسي
استُشهِدَ أولادها الأربعة في معركة القادسيّة ، وكانت قد أوصتهم بالجهاد حتّى الموت ، يُقال أنّها حضرت هذه المعركة سنة 638 م ، ولمّا بلغها خبر استشهادهم ، قالت : الحمد لله الذي شرّفني باستشهادهم ، وأرجو أن يجمعني بهم في مستقرّ رحمته
قال الشاعر بشّار : لم تقل امرأة الشعر إلّا ظهر فيه الضعف إلّا الخنساء فقد غلبت الفحول من الشعراء
قال لها النابغة في سوق عكاظ أنت أشعر مَنْ في السوق بل أشعر الإنس والجنّ ، عندما أنشدته :
وإنّ صخراً لتأتمُّ الهداةُ به كأنّه علمٌ في رأسه نارُ
وقد فضّلها الشاعر جرير لقولها :
إنّ الزمانَ وما يفنى له عجب أبقى لنا ذنباً واستُؤصِل الرأسُ
امتاز شعرها بالفصاحة والرّقة في الألفاظ ومتانة السبك ، له رنين في السمع ، وهزّة في القلب ، و وقع في النفس لأنّه صادر عن فؤاد ملتاع محزون.
(سيرياهوم نيوز ١-صفحة الكاتب)