أطلقت كلية الحقوق بجامعة دمشق اليوم ورشة عمل، تحت عنوان “العدالة الانتقالية في سوريا: آفاق وتحديات”، وذلك في مركز رضا سعيد للمؤتمرات، بمشاركة وزيري التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور مروان الحلبي، والعدل الدكتور مظهر الويس، وقضاة ومحامين وباحثين مختصين بهدف تعزيز الفهم القانوني لهذا الموضوع.
ويناقش المشاركون على مدى يومين عدة محاور، تشمل تجارب الدول في مسار العدالة الانتقالية ودور المنظمات الدولية في تعزيز هذا المسار في سوريا وحقوق الضحايا ومواءمة الآليات الدولية مع المسار الوطني للعدالة الانتقالية للوصول إلى خارطة طريق لتطبيقها في سوريا.
وتركزت مداخلات المشاركين حول أهمية إحداث هيئة للعدالة الانتقالية ودراسة معاييرها والوقت الأنسب لها، وأن يكون هناك قانون خاص للتعويض، وعدم تكرار الأخطاء السابقة، ومعالجة الخطاب الجمعي، وموضوع الثواب والعقاب، والاستفادة من تجارب بعض الدول مثل كولومبيا، والتأكيد أن تحقيق العدالة الانتقالية يحتاج لجميع السوريين.
وبين الوزير الحلبي في كلمة له أن العدالة الانتقالية بما تحمله من قيم إنصاف ومصالحة، تمثل أحد الأعمدة الأساسية لبناء مستقبل مستقر لسوريا، قائم على سيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان، وتعزيز الوحدة الوطنية، مؤكداً أن الجامعة منبر للعلم ومساحة للحوار، وللإسهام الفاعل في معالجة قضايا الوطن ومواجهة تحدياته.
وأشار الوزير الحلبي إلى أن الورشة تشكل فرصة مهمة لبحث السبل الكفيلة بتحقيق عدالة انتقالية تعيد للضحايا حقوقهم، وترسخ ثقافة المساءلة والمصالحة، وتمهد للتعايش الوطني والتنمية المستدامة، لافتاً إلى التزام الوزارة بدعم البحوث والدراسات التي تتناول العدالة الانتقالية من جوانبها المختلفة القانونية، والاجتماعية والنفسية والسياسية، وتشجيع الأكاديميين على الإسهام في هذا الحقل المعرفي الحيوي الذي يرتبط بمستقبل البلاد واستقرارها.
بدوره لفت وزير العدل إلى أن سوريا الجديدة ترتكز اليوم على أسس راسخة من العدل والحق، مشيراً إلى أن العدالة الانتقالية ليست مجرد مفهوم قانوني، بل تجسيد لإرادتنا وإرادة الدولة السورية في تحقيق العدالة، وتضميد جراح الماضي الأليم، مؤكداً السعي إلى بناء مستقبل يتسع للجميع، ويعزز الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة على أساس المواطنة.
وأعرب الوزير الويس عن الانفتاح على كل الآراء البناءة التي تخدم هذا الإطار، لأن العدالة الانتقالية حق قانوني وواجب وطني وأخلاقي يتطلب تضافر جهود مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والمنظمات الإنسانية، مشيراً إلى التطلع لانطلاقة هذا المسار في أقرب فرصة، كما وعد بذلك فخامة الرئيس أحمد الشرع.
من جهته اعتبر رئيس جامعة دمشق الدكتور محمد أسامة الجبان أن تحقيق العدالة الانتقالية هو السبيل الوحيد الذي يضمن تحقيق العدالة والإنصاف للضحايا، ويفتح الطريق لتحقيق المصالحة الوطنية التي نصبو إليها جميعاً، لافتاً إلى أهمية الورشة في اجتراح حلول مناسبة، ووضع العدالة الانتقالية على المسار الصحيح، بما يرقى لمستوى تضحيات الشعب السوري.
عميد كلية الحقوق في جامعة دمشق الدكتور ياسر الحويش أوضح في تصريح لـ سانا أن الورشة تضم خبراء وأشخاصاً من دول قاموا بممارسات واقعية في إطار العدالة الانتقالية للاستفادة من تجاربهم وخبرتهم، لافتاً إلى أنه تم إعداد برنامج شامل حول هذا الموضوع.
وتناولت الجلسة الأولى التي أدارها الدكتور عماد الدين المحمد، تجارب دول في العدالة الانتقالية استعرض فيها السيد أشرف يوسف سليمان سفير جنوب إفريقيا المفوض فوق العادة في سوريا ولبنان تجربة بلاده في العدالة الانتقالية في ظل نظام الفصل العنصري، لافتاً إلى أن سوريا بحاجة إلى الاستقلالية وعدم الانحياز وحماية جميع الأشخاص وفق حقوق الانسان والتساوي أمام القانون وحصر السلاح بيد الدولة وإصدار عفو وتشكيل لجان للدستور والحقيقة والمصالحة لإنصاف الضحايا.
بدورها القائمة بأعمال السفارة النرويجية في سوريا هيلدي هارالدستاد استعرضت تجربة بلادها، وبينت أهمية إجراء حوار وتأسيس جلسات لتحقيق العدالة الانتقالية في سوريا، معربة عن استمرار دعم بلادها للحكومة والشعب السوري.
وقدمت نائبة رئيس قسم السلام والمصالحة في وزارة الخارجية النرويجية إيدن تفيت تجربة كولومبيا في العدالة الانتقالية، مبينةً أنها قضية جوهرية لسوريا التي يمكنها التعلّم من التجارب بما يتناسب مع خصوصيتها، والاستفادة من الأخطاء كونها ضماناً للاستقرار والمصالحة والسلام وتقلّص عمليات الانتقام.
وخلال عرض للدكتور رضوان زيادة كبير مستشاري منظمة Pro-Mediation أشار إلى أن العدالة الانتقالية في سوريا ترتكز على خمسة مبادئ، هي: كشف الحقيقة، وإصلاح المؤسسات وخاصة الأمنية والقضائية، والمساءلة والمحاسبة، والتعويضات أو رد الاعتبار أو جبر الضرر الفردي والجماعي، وتخليد وإحياء ذكرى الضحايا، كما استعرض تجربة دول تونس، المغرب، تشيلي، الأرجنتين، والبوسنة والهرسك في العدالة الانتقالية.
وتناولت الجلسة الثانية التي أدارها الدكتور محمود الصران، دور المنظمات الدولية في تعزيز مسار العدالة الانتقالية في سوريا، حيث تركزت مداخلة السيدة عسير المضاعين نائبة رئيس بعثة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين على العلاقة بين العدالة الانتقالية وقضايا اللجوء وأهميتها في مجال عودة النازحين واللاجئين إلى سوريا.
ومن المفوضية السامية لحقوق الإنسان، لفت الدكتور عبد العزيز عبد العزيز إلى دور وعمل مكتب المفوضية في دعم مسار العدالة الانتقالية في سوريا، ونقل التجارب السابقة وكيفية دعم لجنة العدالة الانتقالية التي ستتشكل قريباً، والعمل على دعم المجتمع المدني للتعاون مع اللجنة الجديدة.
وأشار مدير مكتب مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا السيد طارق تلاحمة إلى أهمية المرحلة الانتقالية كونها أساس السلم الأهلي، ونجاح المشروع السياسي وبناء الدولة، لافتا إلى دور الأمم المتحدة في دعم الحكومة السورية والجهات التي ستكون مسؤولة عن العدالة الانتقالية.
وتحدث رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في سوريا ستيفان ساكاليان عن الأشخاص المفقودين، لافتاً إلى أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر ستناقش ما يمكن أن تقوم بفعله لتقدم أجوبة لعائلاتهم، مؤكداً أنه سيتم اقتراح حلول لتقديم بعض الدعم لهذه العائلات ودعمها ومساعدتها في الطب الشرعي، ونفسياً، واجتماعياً، وقانونياً، ومادياً.
وتناولت الجلسة الثالثة التي أدارها الدكتور ماجد الحموي، موضوع المسار القضائي للعدالة الانتقالية في سوريا، حيث تركزت مداخلة الخبير القانوني الدكتور إبراهيم دراجي، حول المسؤولية الشخصية للمهتمين بهذا الموضوع، مشيراً إلى أن التشريعات الجزائية السورية حالياً لا تنص على بعض الانتهاكات، حيث لا يوجد ذكر أو استخدام لمصطلح جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، مستعرضاً تجارب سابقة لدول جنوب أفريقيا، البيرو، السلفادور، تونس، وكيف تعاملت مع هذه الإشكالية، وما الذي يمكن لسوريا أن تستفيد منه.
بدورها الدكتورة غنى بديوي تناولت في مداخلتها المسؤولية القانونية للدول شريكة النظام البائد في الانتهاكات مثل إيران وميليشياتها وروسيا، واستعرضت الإمكانيات القانونية للتحقيق بهذه الجرائم وإحالتها إلى المحاكم المختصة.
وفي تصريح لـ سانا أوضح الدكتور في كلية الحقوق عماد الدين المحمد أن الهدف من الورشة السعي إلى بناء الحوار الوطني ومشروع السلم الأهلي، تمهيداً لإطلاق مسار العدالة الانتقالية الذي يتم العمل عليه، لافتاً إلى أنه مسار علمي أكاديمي في كلية الحقوق يرفد المسار الحكومي الرسمي بهذا المجال، حيث سترفع مخرجات هذه الورشة إلى صانع القرار للاستئناس بها، كما أنها ستكون البداية لسلسلة غير منتهية من ورشات العمل والمؤتمرات والحلقات النقاشية حول أهمية العدالة الانتقالية، حتى نضمن تكاتف وتعاضد كل السوريين.
اخبار سورية الوطن 2_سانا