مصعب أيوب- ت. طارق السعدوني
بمناسبة مرور ثمانين عاماً على تأسيس العلاقات الدبلوماسية السورية-الروسية أقام المركز الثقافي الروسي بدمشق لقاءً خاصاً مع القامة الفكرية والثقافية المعروفة الأب إلياس زحلاوي راعي كنيسة سيدة دمشق تحدث فيه حول رحلته الأخيرة إلى روسيا الاتحادية وزيارة المواقع التاريخية والأماكن المقدسة وعن عزم جوقة الفرح تقديم إبداعاتها أثناء زيارتها القادمة إلى المدن الروسية.
رحلة إلى قازان
خلال اللقاء أشار زحلاوي إلى أن الزيارة إلى روسيا لم تكن الأولى، ففي عام 2007 دعي مع فريق من دمشق ومن كندا لزيارة مدينة قازان من قبل محافظ المدينة الذي دعا سيدة دمشقية ظهرت لها السيدة العذراء والسيد المسيح منذ عام 1982 في حي متواضع بدمشق، وأن المحافظ أرسل وفداً من قازان، ووجه الدعوة للراهبة ميرنا وزوجها وكنت أنا مع 7 آخرين في رفقتهما، وقد أقمنا هناك أسبوعاً كاملاً.
وتابع: اكتشفنا أشياء مهمة جداً لم تكن جديدة عليّ أنا السوري ولكن كانت غريبة للمجتمعات الغربية، حيث إن المسيحيين في قازان يكرمون السيدة العذراء بحب واحترام وهي الرابط الروحي بين سكان المدينة، وقد عدنا مزودين بمنظور لما يحدث في قازان من تعايش مسيحي-إسلامي نحن عشناه في سورية منذ الفتح العربي، وهذا واقع تاريخي ومازال خلال هذه الحرب المسماة الربيع العربي، وهو من جملة ما هدف إليه تدمير اللحمة الروحية بين المسيحيين والمسلمين في سورية.
وفي إحدى رحلاتي إلى روسيا وصلني كتاب للقديس سيراكيم سواروفسكي وقد قرأته وفوجئت بنمط القداسة لديه، وأنا بطبعي أهوى مطالعة سير القديسين واكتشاف نمطاً مميزاً من العلاقة مع ذاتهم، ونظراً لإعجابي بهذا القديس ملأت غرفتي الصغيرة التي أسميها الصومعة بأيقونات صغيرة له وكنت دائماً أحلم بزيارة ضريحه.
سلام وفرح
وحول زيارته لمدينة موسكو يقول زحلاوي: زيارتي الأولى لموسكو أدهشتني وجعلتني مذهولاً، فهي مدينة خارقة الجمال، وأنا يتاح لي السفر كثيراً بحكم عملي ولكن بكل صدق أقول إنه قلما رأيت مدينة بهذه المهابة وهذه الرحاب وهذا التنظيم، ولعل ما لفت نظري فيها هو ملامح السلام والفرح على وجوه الناس وعندما قابلت في اليوم الأول من زيارتي بشار الجعفري قلت له وجوه الناس المملوءة بالهدوء والسلام ذكرتني بالناس في سورية، وطلبت منه مساعدتي لبناء جسور بين سورية وروسيا وسألته أن يجمعني بعدد من أبناء الجالية السورية في موسكو وفوجئت بـ28 شخصية من الجالية السورية ليقدمني لهم ويتركني أحاورهم وأمضينا قرابة ساعة وحدثتهم بصورة خاصة عن ضرورة بناء جسور بين سورية وروسيا وأخبرتهم بأنني أستطيع المبادرة والمشاركة من خلال جوقة الفرح.
لكن لما كانت جوقة الفرح تعمل دائماً بمجانية مطلقة توجهت إلى الأصدقاء في سورية بدمشق وطلبت منهم المساعدة، وتدفقت المساعدة.
ونحن الآن بصدد تنفيذ هذا المشروع ونرجو أن يتاح لنا السفر مع 79 مغنية ومغنياً، الذين معظمهم مسيحيون والموسيقيون الذين معظمهم مسلمون وهكذا نحن في سورية نسيج واحد.
ترتيب وتنظيم
وأردف: تبين لي أن إقامتي في روسيا كانت مرتبة من البطريركية الروسية، حيث كان هناك كاهن يستقبلنا في كل تنقلاتنا يسهل لنا زيارة الأماكن المقدسة وما رأيته أشتهي لكل عين في سورية رؤيته، فأنا رأيت كنائس خارقة الجمال في هندستها وفي زينتها الخلابة، وما كان لي أجمل من الكنائس على شكلها وهندستها هو جمال روح الناس، وما رأيته من الناس شيء لم أر مثله في أي مكان في العالم، والفندق الذي أقمت فيه في موسكو كنت في الطابق السابع ومن شباك غرفتي كنت دائماً أرى كنيسة جميلة جداً في موسكو.
ولفت إلى أنه في روسيا قبل الحكم السوفييتي كان هناك 58 كنيسة ودمرت كلها تقريباً، ولكن الكنائس المدمرة تم ترميمها وتمت إعادة بناء كنائس جديدة خلال العقود المنصرمة وبني أيضاً مساجد جديدة في موسكو، وفي المدن الأخرى تم إضافة تعديلات جديدة للكنائس التي دمرت وتم ترميمها وإجراء بعض التعديلات عليها.
وتابع: ما يوجد اليوم من كنائس وشعب مؤمن يؤكد أن في نهاية الأمر أن الإيمان لدى الإنسان هو القوة الكبرى، ومن يقرأ للروائيين الروس يعرف أن الإيمان متأصل عميق جداً في نفوس الروس ولاسيما النساء والأمهات، وخلال الحكم السوفييتي قامت حركات للحفاظ على الإيمان وكُتِبَ كُتُبٌ جميلة جداً في هذا الشأن وقرأت أحدها منذ أيام لأحد القساوسة يعرف أنه مطلع كثيراً ومثقف على درجة عالية.
والجميل في روسيا أن الإيمان ظل كامناً فساير الكثيرون كما يحدث في أي مجتمع يكون فيه الحكم قاسياً ومستبداً، فالكثيرون يحاولون أن يحتفظوا في قلوبهم بالإيمان.
وختم: لا أريد أن أجمل ما رأيت ولكن بكل صدق ما رأيته ملأني بالفرح ما أجمل الإيمان وخصوصاً في هذا الزمان الذي يعتبر مهدد فيه ويسعى كل الغرب لتدمير كل قيمنا.
ما حملته معي من هناك هو فرحي بإيمان هذا الشعب وفرحي بالتواصل معه من خلال جوقة الفرح، وفرحي أيضاً بما أستطيع أن أقدمه لقراء العربية في كتاب رويت فيه في القسم الأول جزء من رحلتي وفي القسم الثاني سيرة هذا القديس الخالد.
تبادل ثقافي
وفي كلمة لـ«الوطن» حول واقع العلاقات الثقافية بين البلدين بَيَّنَ زحلاوي أن ما يراه في المركز الثقافي الروسي عبارة عن خلية من النحل تدهشه بحيويتها وتنظيمها وبرحابة صدرها وبما يقومون به من أشياء مهمة وخارقة، حتى إنه كان يسأل أحياناً صديقه الدكتور علي الأحمد إذا ما كانت وزارة الثقافة والمسؤولون في المراكز الثقافية في دمشق يطلبون منهم المساعدة لتنظيم بعض أنشطتهم على نمط ما ينظم المركز الثقافي الروسي أنشطته، حيث علينا أن نتعلم منهم الكثير وليس من العيب أن يعترف الإنسان بتقصيره وإنما العيب أن يستمر في التقصير وينغلق على تقصيره، وأما عن روسيا فلم يتح له اكتشاف أي نشاط وما سوف يقدمه برفقة جوقة الفرح يعتقد بأنه سوف يكون نقطة في بحر كبير ولكن قد تترك النقطة أثراً مهماً وكلنا ثقة بأن ما سوف نحمله لروسيا سوف يترك في عناصر الجوقة ما يغنيهم وبالتالي ما يغني سورية.
جوقة الفرح
وأكد زحلاوي على أن القسم الجامعي من جوقة الفرح هو المشارك في الرحلة المرتقبة إلى روسيا، ويوم ذهبنا إلى واشنطن تركوا تأثيراً هائلاً حتى إن رئيس المركز العربي الأميركي في واشنطن كتب في واشنطن بوست يومها «قولوا للحكام العرب أن يرسلوا لنا سفراء مثل هؤلاء الأطفال».
وفي فرنسا 2016 طلب منا أن نغني أغنيتين مع جوقة فرنسية، وجوقتنا أدت ذلك بحيوية عالية والأطفال الفرنسيون يغنون وتفاجأنا بأن الأطفال الفرنسيين كانوا يقفون مع أولادنا المملوئين بالحيوية ويغنون.
والوقت المحدد لزيارة الأمكنة لن يتجاوز 14 يوماً وأريد أن تزور الجوقة حيث عاش هذا القديس كي يقتبس الشبان والشابات بعض الروح ويعودون منه بما يغذيهم ويغنيهم.
كما سنقدم نماذج من تراثنا البيزنطي والموسيقي ومن الموشحات من إنتاج الرحابنة والكثير من تراثنا الموسيقي السوري وسأعرض هذا الاختيار على القائمين ليساعدونا في ذلك.
مصالح مشتركة
وفي مداخلة لرئيس اتحاد الكتاب العرب د محمد الحوراني أفاد أن ما قام به الأب إلياس زحلاوي أمر مهم للغاية، حيث يوجد قطيعة بشكل أو بآخر ما بين المؤسسات الدينية في الوطن العربي وما بين المؤسسات الدينية في روسيا والصين، ونحن نتحدث عن روسيا والصين لأنه هناك الكثير من المشتركات بيننا وبينهم بعيداً عن مرجعيتها الدينية وهي أخلاقية وهو الأساس الذي ينبغي علينا أن نشتغل عليه، وفي الوقت الذي كان فيه بايدن يشرعن ويقونن الشذوذ الجنسي كان الرئيس بوتين يذهب باتجاه آخر وهو الحفاظ على العائلة، وكانت الصين تشتغل بشكل غير مباشر على تعزيز الرجولة عند الشباب، ولو لم يكن ذلك بأسلوب فج، فما أخطر تصريح لمعاون وزير الصحة الأميركي يقول فيه: يجب علينا بعد اليوم ألا نطلق على الأم هذا الاسم وإنما يجب علينا أن نطلق عليها منتجة البيوض، أليس ذلك أمراً خطيراً في دولة تدعي أنها رائدة الديمقراطية والحريات، فنحن اليوم بأمس الحاجة إلى مزيد من هذا التعاون مع روسيا والصين وسواهما من الدول العربية وغير العربية.
سيرياهوم نيوز1-الوطن