| ابراهيم علوش
هدف “بنك التنمية الجديد” هو التنمية، ولا سيما البنية التحتية، وبناء شراكات دولية وإقليمية تنموية واسعة النطاق، وهو يقدم القروض والضمانات للمشاريع التنموية، ويصبح شريكاً في تأسيسها، بغرض تحقيق ذلك الهدف.
كانت سابقةً زيارةُ الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، الأسبوع الفائت، لمقر “بنك التنمية الجديد” (New Development Bank) في الصين، لحضور حفل تنصيب ديلما روسيف، مواطنته ورئيسة البرازيل بين 2011 و2016، وإلقاؤه كلمة في تلك المناسبة.
كان مجلس إدارة “بنك التنمية الجديد” قد ثبت السيدة روسيف رئيسةً في 24/3/2023، لكنّ مشاركة الرئيس دا سيلفا شخصياً في حفل تنصيبها في مقر المصرف في شنغهاي في 13/4/2023 اكتسب لمسةً خاصةً، لأن روسيف حلَّت على رأس المصرف محل مواطنها البرازيلي ماركوس برادو ترويجو، الذي كان قد انتدبه عن البرازيل الرئيس السابق جايير بولسونارو؛ خصم لولا دا سيلفا اللدود.
وكان ترويجو، قبل أن يصبح رئيساً لـ”بنك التنمية الجديد” عام 2020، نائب وزير الاقتصاد البرازيلي لشؤون التجارة الخارجية في حكومة بولسونارو، وأستاذاً في جامعة كولومبيا الأميركية المعروفة، أي أنه يعدُّ محسوباً على ذلك التوجه “الآخر” الذي تمثل منظومة “بريكس” نقيضه، رغم حرصه على تجنب القضايا الخلافية.
لم تكن مناوبة البرازيل الدورية على رأس “بنك التنمية الجديد” قد انتهت عندما جرى استبدال ترويجو بديلما روسيف، لكنّ ذلك المصرف، كأحد مكونات البنية التحتية للتعددية القطبية، أهم بكثير من أن يترك في يد شخصية تكنوقراطية مثل البرازيلي ماركوس برادو ترويجو، حتى لو افترضنا “حياده” سياسياً، كما حاول أن يظهر دوماً.
القصة أكبر من المنافسة الانتخابية بين جايير بولسونارو ولولا دا سيلفا أو حتى من الصراع السياسي في البرازيل، رغم كونها شبه قارة بذاتها، بل تتعدى هذا وذاك إلى مشروع بناء عالم متعدد الأقطاب. وفي مثل ذلك المشروع، يعد تبني الرؤية التعددية دولياً على المقدار نفسه من الأهمية، مثل الكفاءة المهنية والعلمية، لصاحب المنصب. ولهذا الكلام صلةٌ بما سيأتي.
معادل البريكس للبنك وصندوق النقد الدوليين
تأسّس “بنك التنمية الجديد” عام 2015 ليكون معادل البنك الدولي، وتأسس معه “ترتيب احتياطي طوارئ بريكس” (BRICS Contingent Reserve Arrangement) ليكون معادل صندوق النقد الدولي، وبلغ رأس المال الأولي لبنك التنمية 50 مليار دولار، فيما بلغ رأس المال الأولي لبنك احتياطي الطوارئ 100 مليار.
جرى توزيع المساهمات بالتساوي بين مؤسسي “بنك التنمية الجديد”، بحيث تكون للبرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا حصص متساوية. وتنصّ اللائحة التأسيسية لـ”بنك التنمية الجديد” على عدم امتلاك أي مساهم حق النقض (الفيتو)، وأن يتولى أعضاء البريكس رئاسته مداورةً، وأن لا يسمح لأي مؤسس بأن يرفع حصته من رأس المال، وبالتالي حصته التصويتية، من دون موافقة المؤسسين الآخرين، وأن لا يقل رأسمال الأعضاء المؤسسين مجتمعين، أي دول البريكس، عند توسيع المصرف ليضم دولاً أخرى، عن 55% من رأس المال.
أما معادل صندوق النقد الدولي، أي “ترتيب احتياطي طوارئ بريكس” الذي تأسس بالتزامن مع “بنك التنمية الجديد”، والذي بلغ رأسماله التأسيسي 100 مليار دولار، فقد قدمت الصين 41 مليار دولار منها، وقدمت كل من البرازيل وروسيا والهند 18 مليار دولار، وجنوب أفريقيا 5 مليارات، وبالتالي فإن الحصة التصويتية للصين فيه هي الأكبر، أي أنه مصرف تقوده الصين فعلياً.
وعلى غرار مؤسسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية (الاتفاقية العامة للتجارة والجمارك سابقاً) التي تأسست في بريتون وودز عام 1944، فإن مؤسستي “بنك التنمية الجديد” وبنك احتياطي الطوارئ تأسستا عام 2015، بموجب اتفاق وقع في قمة البريكس السادسة في البرازيل عام 2014، ليؤديا الدور ذاته الذي كان يفترض أن تؤديه مؤسستا البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
هدف “بنك التنمية الجديد” الرسمي إذاً هو التنمية، ولا سيما البنية التحتية، وبناء شراكات دولية وإقليمية تنموية واسعة النطاق، وهو يقدم القروض والضمانات للمشاريع التنموية، ويدخل شريكاً في تأسيسها، بغرض تحقيق ذلك الهدف.
أما بنك احتياطي طوارئ بريكس، فيفترض أن يقدم قروضاً قصيرة الأجل لمساعدة الدول على تخطي اختلالات موازين مدفوعاتها وضغوط السيولة، خصوصاً تلك الناجمة عن تدهور سعر صرف عملاتها نتيجة تقلب الظروف المالية الدولية، تماماً كصندوق النقد الدولي عند تأسيسه.
تطوران جوهريان سرّعا ولادة المؤسسات الاقتصادية الدولية البديلة
قدم “بنك التنمية الجديد” 32.8 مليار دولار من القروض لـ96 مشروعاً تنموياً في الدول الأعضاء حتى نهاية عام 2022، ولا تتوفر بيانات رسمية بعد حول مقدار القروض التي قدمها بنك طوارئ بريكس منذ تأسيسه، لكنْ يمكن القول إن الفرق الجوهري في سياسات مصرفي البريكس، مقارنةً بالبنك وصندوق النقد الدوليين، هو أنهما لا يربطان قروضهما بشروط التصحيح الهيكلي وتحرير الأسعار وخصخصة القطاع العام وتقليص الإنفاق الحكومي وزيادة الضرائب عموماً مع خفضها على الشركات الكبيرة، ولاسيما الأجنبية منها.
يمثل مصرفا البريكس إذاً نموذجاً بديلاً للمصارف الدولية، وهما في الواقع حجر عثرة أمام منظومة الهيمنة الغربية، لأنهما يقدمان خياراً آخر للقروض الدولية، ونموذجاً لا يمس سيادة الدول، ولا يتعدى على صلاحياتها الاقتصادية وغير الاقتصادية، ولا يفرض عليها شروطاً سياسية. على سبيل المثال، بلغ مقدار أول قرض قدمه البنك الدولي لفرنسا بعد تأسيسه 250 مليون دولار، كانت مشروطة بإبعاد الوزراء الشيوعيين من الحكومة. ولما امتثلت فرنسا لذلك المطلب، أقر القرض خلال ساعات.
ومع أنَّ منظمة بريكس تأسست رسمياً عام 2009 كمنافس لمجموعة الـ7 الكبار (G7)، على خلفية الأزمة المالية الدولية آنذاك، بهدف إصلاح المؤسسات والمنظومة المالية الدولية عموماً، ومن ذلك إيجاد عملة احتياط دولية “أكثر تنوعاً”، أي لا تعتمد على الدولار الأميركي فحسب، فإنَّ الخطوات الحثيثة لتشكيل تكتل جغرافي-سياسي متماسك تحت ذلك العنوان، وإنشاء مؤسسات اقتصادية دولية بديلة، كان يجب أن ينتظر تطورين جوهرين:
1) العقوبات التي شرع الغرب الجماعي في فرضها على روسيا بعد استعادتها القرم في 20/2/2014، ما بدأ يزيل الغشاوة عن عينيها حول إمكانية الانخراط على قدم المساواة في النظام الاقتصادي الدولي السائد.
2) وصول الرئيس شي جين بينغ وتياره إلى الحكم في الصين عام 2013، ما أسفر عن تحولات نوعية في سياسة الصين الخارجية، كما بيّنتُ في مادة “قراءة في تحولات السياسة الخارجية الصينية” في الميادين نت الأسبوع الفائت.
توسعة “بنك التنمية الجديد” يسير بوتيرةٍ بطيئة
رغم ذلك، لا يمثل الشروع في تأسيس مؤسسات بديلة أو موازية للبنك وصندوق النقد الدوليين سوى بداية المشوار. على سبيل المثال، يبلغ حجم “بنك التنمية الجديد” حالياً نحو نصف حجم البنك الدولي من حيث الأصول التي يستطيع إقراضها، ويبلغ حجم بنك طوارئ بريكس نحو عُشر صندوق النقد الدولي الذي تبلغ قدرته الإقراضية نحو تريليون دولار، بحسب موقعه الإلكتروني.
يتطلَّب مثل هذا الفارق توسعة المساهمات الرأسمالية في المصرفين، أي زيادة عدد الدول المشاركة فيهما، وتعمل دول البريكس بنشاط لتحقيق هذا الهدف.
اشتركت بنغلاديش والإمارات العربية المتحدة والأروغواي في “بنك التنمية الجديد” مثلاً في أيلول/سبتمبر 2021، وانضمت مصر إليه في كانون الأول/ديسمبر في العام ذاته. وبلغت مساهمات الأعضاء الجدد أقل من مليار دولار واحد بالنسبة إلى بنغلاديش، ونحو 1.2 مليار دولار بالنسبة إلى مصر، و556 مليون دولار بالنسبة إلى الإمارات.
الهدف هو زيادة رأسمال “بنك التنمية الجديد” إلى 100 مليار دولار، لكنّ ذلك لن يتحقق بالبساطة والسرعة المرغوبتين، لأن رأس المال المالي الدولي ما برح متكدساً في أيدي الغرب الجماعي أساساً، على الرغم من بدء ميلان كفة الاقتصاد العالمي شرقاً وجنوباً.
“بنك التنمية الجديد” يعاقب روسيا؟!
تبقى أصعب عقدة في أن المؤسسات المالية المصرفية وغير المصرفية التي تنشئها منظمة البريكس تظل محكومةً بـ”القواعد” التي تفرضها القوى المهيمنة على المنظومة المالية الدولية، وعلى رأسها:
أ – الدولار الأميركي.
ب – البنية التحتية لتحويل الأموال عبر الحدود، مثل شبكة تحويلات “سويفت”.
على سبيل المثال، أصدر بنك التنمية الجديد، في ظل رئاسة ماركوس برادو ترويجو، قراراً مثيراً للدهشة والحيرة في 4/3/2022، أي بعد بدء حرب أوكرانيا بأسبوع ونيف، يجمد العلاقات مع روسيا رسمياً، ويحرمها فعلياً من اقتراض المال منه، مع أنها عضو مؤسس ومالك رئيسي فيه بقيمة 10 مليارات من الدولارات.
اللافت أن هذا القرار الذي يحرم روسيا عملياً من الوصول حتى إلى رأسمالها في البنك، لا من الاقتراض منه فحسب، لم يتبعه أي تفاعل إعلامي ضمن منظومة البريكس أو حتى في الإعلام الروسي.
وباستثناء الإعلان الرسمي الصادر عن “بنك التنمية الجديد” بهذا الصدد، جرى تجاهل الموضوع تماماً في موقعه في شبكة الإنترنت. أما في الإعلام الغربي، فقد تبجحت مواقع شتى بأن البريكس ذاتها اضطرت إلى الخضوع لمنظومة “بريتون وودز” والمشاركة في معاقبة روسيا حتى في عقر دارها في “بنك التنمية الجديد”.
أذكر جيداً أنني قرأت الخبر آنذاك، فظننته مدسوساً. بحثت عنه في مصادر مختلفة، فوجدت الإعلان رسمياً. فركت عينيّ للتأكد أن الخبر يتعلق بـ”بنك التنمية الجديد” ذاته لا باسمٍ على مسمى مثلاً… وقررت الانتظار حتى تنجلي الأمور، فربما وراء الأكمة ما وراءها، ولكن لم يرشح شيء، إلى أن جرى استبدال ترويجو بروسيف في رئاسة المصرف.
لم تنفعل روسيا، ولم تطالب باسترداد رأسمالها المساهم في “بنك التنمية الجديد” الذي جمد أي معاملات جديدة معها. لعلها كانت تنتظر مع الصين نتائج الانتخابات الرئاسية البرازيلية بعدها بأشهر قليلة؟ ولعلها قررت استيعاب الصدمة، وهي صدمة بقيمة 10 مليارات، كي لا يتفكك “بنك التنمية الجديد”؟
“بنك الاستثمار الآسيوي في البنية التحتية” كمشروع اقتصادي سياسي
لكنّ تجميد العلاقة مع روسيا لم يقتصر على “بنك التنمية الجديد”، بل واكبه إعلان “بنك الاستثمار الآسيوي في البنية التحتية” (Asian Infrastructure Investment Bank) تجميد العلاقة مع روسيا وبيلاروسيا أيضاً، وهو مصرف تملك الصين نحو 30% من أسهمه، وروسيا 6.5%، والهند 8.4%، ويرأسه مدير صيني، ويقع مقره في بكين.
تساهم 92 دولة في رأسمال “بنك الاستثمار الآسيوي في البنية التحتية” الذي تأسس عام 2015 وبدأ يزاول نشاطه عام 2016، والذي يبلغ رأسماله أكثر من 97 مليار دولار. واللافت في هذا البنك هو مشاركة الدول الغربية والحليفة للغرب بصورة مكثفة فيه، من كندا إلى أوروبا الغربية إلى كوريا الجنوبية إلى أستراليا إلى نيوزيلاندا إلى غيرها، مع استثناءات لافتة جداً بقيت خارجه، مثل الولايات المتحدة الأميركية واليابان وتايوان طبعاً.
“بنك الاستثمار الآسيوي في البنية التحتية” هو إذاً إطار تمكّنت الصين ودول البريكس من حشد أهم اقتصادات العالم فيه، ومن عزل الولايات المتحدة واليابان وتايوان عنه. لذلك، من المؤكد أن الصين غير معنية بتفككه من جراء تفاعلات الأزمة الأوكرانية، ولعلها ترى فيه إنجازاً إستراتيجياً يستحق بعض التضحية من أجل الحفاظ عليه. ولعل روسيا تشارك الصين توجهها على هذا الصعيد.
على سبيل المقارنة، نرى نقيض “بنك الاستثمار الآسيوي في البنية التحتية” في مصرف آخر تأسس عام 1966 تحت مظلة الناتو هو “بنك الاستثمار الآسيوي” (Asian Development Bank). يبلغ رأسمال هذا المصرف 100 مليار دولار، ورئيسه دوماً ياباني، ومقره في الفلبين، وتشارك فيه 68 دولة، وتسيطر عليه الولايات المتحدة الأميركية واليابان، أكبر مساهمتين فيه، ثم تشارك فيه الصين والهند بما يزيد على 6 مليارات لكلٍ منهما، وتشارك فيه تايوان طبعاً، ولا تشارك فيه البرازيل أو جنوب أفريقيا.
ربما نتفهَّم إذاً لماذا قد تمرر الصين قطع “بنك الاستثمار الآسيوي في البنية التحتية” علاقته مع روسيا وبيلاروسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية حفاظاً عليه كإطار، إذ إن فائدة عزل الولايات المتحدة واليابان وتايوان عن تكتل اقتصادي دولي بمثل هذا الحجم أكبر بكثير من تكلفة قطع علاقته مع روسيا، في حين تستطيع بقية دول البريكس أن تعزز علاقاتها مع روسيا من خارج إطاره.
لكنْ ماذا عن “بنك التنمية الجديد”؟ ولِمَ السكوت عن تجميد علاقته مع روسيا، إذ تملك الأخيرة وحلفاؤها كسر ذلك القرار بأغلبية الأصوات؟
تحديات بنيوية في وجه تأسيس نظام اقتصادي عالمي بديل
تبقى الحقيقة، بصرف النظر عن توجهات تكنوقراطي مثل ماركوس ترويجو، أن أصول “بنك التنمية الجديد” بالدولار الأميركي، وأن تحويله أي قرض إلى روسيا بالدولار الأميركي عبر شبكات اتصالات مالية مثل “سويفت” مثلاً أو عبر المصارف الدولية، هو أمر متعذر، وسوف يستجلب عقوبات مؤكدة، حتى لو لم يكن متعذراً.
ربما يفكر المصرفي التكنوقراطي بصورةٍ “محايدة” في أن إمداد روسيا بالقروض، في حين يجمّد الغرب أصولها أو يصادرها، ويحرمها من استخدام منظومات تحويل الأموال، سوف يحوّل أي قرض لها إلى قرض متعثر، حتى لو كانت تمتلك الأموال لسداده “نظرياً”، وهذا ما حدث فعلاً عندما منعت من سداد بعض ديونها بأموال تملكها، فأُعلِنت متخلفةً عن سدادها، ولم يُقبل السداد منها بالروبل الروسي.
كما أن تزايد احتمالية تعثر القروض في المحفظة الاستثمارية لأي مصرف سوف يخفض تصنيفه الائتماني “Credit Rating”، ما يجعل تكلفة الاقتراض والمعاملات مع غيره من المصارف والبنوك المركزية أعلى بكثير، حتى لو استبعدنا فرض عقوبات على “بنك التنمية الجديد” ذاته.
رغم ذلك، وكما في كل حالة تذلل للغرب، فإن مؤسسة “فيتش” (Fitch)، إحدى أهم 3 مؤسسات تصنيف ائتماني في العالم، خفضت تصنيف إصدارات “بنك التنمية الجديد” طويلة المدى من مرتبة “مستقر” إلى مرتبة “سلبي” على أي حال!
من هذه الزاوية “التكنوقراطية”، حتى لو افترضنا أقصى حسن النية، فإن التفكير التكنوقراطي الصرف يصبح عائقاً أمام مشروع تأسيس نظام دولي جديد، فالمطلوب تفكير رؤيوي، والمطلوب الآن، وبإلحاح، بات:
أ – تحويل أصول “بنك التنمية الجديد” وبنك طوارئ البريكس إلى غير الدولار الأميركي.
ب – إيجاد شبكة اتصالات مالية خاصة بالبريكس.
وقد بدأ العمل على تطوير أنظمة اتصالات مالية بديلة منذ سنوات، وباتت الصين تملك منظومة “CIPS”، والهند منظومة “SFMS”، وروسيا منظومة “SPFS”، والبرازيل منظومة “Pix”، لكنّ كثيراً من العمل ما برح لازماً لتوصيل تلك المنظومات بعضها ببعض كي تصبح نواة منظومة اتصالات مالية بديلة فعلاً.
أما إيجاد عملة احتياطية دولية بديلة للدولار، فما برح يحتاج إلى عملٍ أكثر وأكبر، ولا يكفي القول إنّ اليوان سيصبح من تلقاء ذاته بديلاً للدولار.
لذلك، لا بدّ من تفكير من خارج الصندوق؛ تفكير ثوري بالمعنى القديم للكلمة قبل تشويهها في ما يسمى “الربيع العربي”. ولعلّ وضع شخصية مثل ديلما روسيف، تلميذة لولا دا سيلفا، على رأس “بنك التنمية الجديد”، مؤشرٌ على مثل هذا التوجه.
ونحن لا ننسى أنَّ ديلما روسيف التي تبلغ 75 عاماً اليوم، انضوت في نهاية الستينيات في مجموعة ماركسية تؤمن بحرب العصابات المدينية (أي المستندة إلى المدن)، كبديل من نهج حرب العصابات الريفية الذي اتبعه ماوتسي تونغ وهوتشي منه ومقلدوهما، نقلاً عن عبد الكريم الخطابي في حرب الريف، بحسب قولهما.
مارست ديلما روسيف العمل المسلح والقتال، وعاشت تجربة المطاردة والسجن في شبابها إذاً. وفي تلك المرحلة، تجلى نموذجُ برازيلي أصبح عَلماً، هو كارلوس ماريجيلا الذي وضع كتيباً اشتهر عالمياً، عنوانه “الدليل الصغير لحرب العصابات المدينية”، وكان من أشهر من اتبع نموذج ماريجيلا مجموعة “التوباماروس” (Tupamaros) في الأروغواي.
انتقلت ديلما روسيف في سبعينيات القرن العشرين من تلك الأجواء إلى ممارسة العمل السلمي المدني تحت عنوان اشتراكي. ربما يختلف المرء مع بعض اجتهاداتها هنا أو هناك، ولكنها لم ترتد، ولم تبع ضميرها، ولم تصبح جزءاً من منظومة التبعية. وعام 2016، جرى إقصاؤها عن رئاسة البرازيل بمؤامرة قذرة، وكل الأمل بأن تبقى تحتفظ بروح قتالية متوقدة إلى جانب كل الخبرة التي باتت تحملها، لأنَّ ذلك هو ما يتطلبه إنشاء نظام اقتصادي عالمي بديل.
سيرياهوم نيوز3 – الميادين