يحيى الشهابي:
قد يُحرم الإنسان نعمة ما كالسمع أو البصر أو النطق أو أشياءّ أخرى، ربما تولد مع الإنسان نتيجة لعامل وراثي أو عرضي أثناء الولادة أو نتيجة خطأ طبي أو تناول أدوية دون استشارة الطبيب.. أو نتيجة لعوامل أخرى يتعرض لها الإنسان خلال مراحل حياته كنتيجة لمرض أو حادث معين، وهنا يتوقف مستقبل الشخص على كيفية إدراكه والمحيطين به لتلك المشكلة والظروف التي سيعيشها، فإما أن يكون ممن تشاءموا و يئسوا من إنتاج أي شيء وجلسوا ينتظرون العون والشفقة وعالة على الآخرين وعلى المجتمع، أو أن تنّار لهم دروب النجاح، ويمسكون بيدهم قوة تقطع كل حبال اليأس المحيطة بهم، وهناك الكثير من القصص والروايات التي نسمعها أو نقرؤها أو نشاهدها في حياتنا اليومية.
لعل البعض يقول أن هذا الكلام كثيرا ما سمعناه ونشاهده في كل يوم فما هي العبرة منه، البعض الآخر من الناس غير المعوقين يرى في تلك الفئة من الناس وحتى بعض أصحاب تلك الإعاقة أنهم غير قادرين على فعل أي شئ غير استمالة الناس للتصدق عليهم والرأفة بهم ويمتهنون التسول كطريقة عيش.
آخرون يرون أنهم أفراد من هذا المجتمع لهم واجبات وعليهم حقوق لابد من القيام بها وهم أكثرية نجدهم في كل مكان يؤدون ما عليهم بكرامة وشموخ، والذين فعلا كانوا كالمنارة في مجتمعاتهم ويحملون الشهادات العليا ويتبوؤون مراكز وظيفية مهمة وأعمالاً لها دورها وحضورها بالمجتمع.
تقول الآنسة وفاء أنه نتيجة مرض في طفولتها تعرضت إحدى عينيها للضرر، عانت الكثير من نظرة المجتمع السلبية، لكنها أصرت وبثقة مطلقة أنها قادرة على الحصول على التعليم فهاهي تحصل على شهادة التعليم الابتدائي ثم الثالث الاعدادي و ليزداد طموحها إلى قدرتها بالحصول على شهادة الثانوية العامة التي تفوقت بها وعندها اقترحت عليها العائلة العمل الوظيفي لمساعدة الأهل في الأعباء المعيشية ولتحقيق استقلال مالي تقدمت لوظيفة مكتبية لكنها لم تتوقف عند ذلك بل قامت بالتسجيل في كلية الحقوق حيث تخرجت منها خلال أربع سنوات ما أهلها لتكون مديرة شؤون قانونية لإحدى الدوائر الرسمية.
أما السيدة آمنه والتي أصيبت بالشلل أثناء طفولتها فقد وجدت التشجيع من الأهل والأصدقاء وأظهرت تفوقاً دراسياً، وتفوقاً في رياضة الشطرنج، ولتأخذ بطولة الشطرنج أثناء دراستها في كلية التجارة والاقتصاد، ناهيك عن نشاطها في إحدى الجمعيات التي تعنى بالمعوقين واليوم هي سيدة كونت عائلة سعيدة متفاهمة مع زوجها وأولادها ومديرة ناجحة في إحدى المنظمات الدولية.
بينما الآنسة إيمان فلها قصة أخرى فهي لم تولد معوقة لكنها تعرضت لمرض بعد تخرجها من الجامعة بأيام جعلها جليسة كرسي متحرك عانت من الصدمة ما عانته لكنها تصالحت مع نفسها وتعايشت مع واقعها الذي لابد من استثماره وأن تسعى لبناء مستقبل تعيشه بكرامه، فكانت لها وظيفة حكومية تعنى بالثقافة شكلت لها طوق النجاة فنهلت من كل ما يقع تحت يديها من الكتب العلمية والثقافية وغيرها من الكتب لتشكل عندها ذخيرة لغوية وثقافية ولتبدع في عملها وفي مجال القصة القصيرة والشعر والكتابة…
تلك النماذج هي أمثلة بسيطة عن أشخاص حرموا نعمة ما، لكنهم لم يركنوا ولم يستسلموا، بل منحهم الله نعم كثيرة لم ينعم بها الأصحاء، فلعل الكثيرين ممن فقدوا هذه النعم وحتى نحن الأصحاء أن نفعل خيرا إن جعلنا تلك النماذج وغيرها منارة لنا.
فهاهي السيدة هيلين كيلر والتي لعبت دوراً في صدور مشروع الكتاب الناطق لمساعدة المكفوفين في التعرف إلى العلوم والآداب (صاحبة كتاب قصة حياتي )تقول: “لقد أدركت لماذا حرمني الله من السمع والبصر والنطق؛ فلو أنني كسائر الناس، لعشت ومت كأي امرأة عادية ” ولعل الكثيرين من أمثالها كانوا منارات لأجيال ومعجمنا العربي يزخر بتلك النماذج المشرقة التي حرمت نعمة ما لكنها كسبت نعم كثيرة بفعل ثقتها بقدرتها على الإبداع والتميز
سيرياهوم نيوز 6 – الثورة