الصراعات والخلافات والأزمات داخل إسرائيل، دخلت في أخطر وأدق مراحلها بعد أن تجاوزت فترة التحذيرات من “الخطر القادم” الذي سيُدخلها في نفق مظلم طويل، لا يعلم أحد كيف سترخ منه ومتى وما هي الأضرار التي ستلحق بها.
إسرائيل التي كانت دائمًا مُعبئة بالصراعات الداخلية والأزمات، ولكن حاولت خلال السنوات الطويلة الماضية أن تُخفيها وتبعدها عن الإعلام والشارع، لكن هذه المرة فشلت وفُضحت جميع أوراقها التي باتت تنشر في كل مكان أمام الجميع، وكشفت مدى تهالكها داخليًا وانهيارها عند أقرب أزمة حادة.
منذ أن أمسك بنيامين نتنياهو كرسي رئاسة الحكومة وجلس عليه في نهاية ديسمبر الماضي، ووضع فيها أكثر الوزراء تطرفًا وعنصرية، وهو يجني ثمار هذا “الخيار القاسي”، فالضغوط تتضاعف عليه من كل جانب، ناهيك عن المظاهرات الحاشدة التي تجوب شوارع إسرائيل، وترفع شعار واحد فقط وهو “أرحل يا نتنياهو”.
نتنياهو يعيش في صدمة حقيقية وفق التقارير التي تصدر عن الإعلام العبري، فجميع محاولات النفخ على النار المشتعلة لإخمادها فشلت، بل وعكس ذلك ارتفعت واشتعلت أكثر حين وصل الأمر إلي المقاومة في الضفة والقدس والتصعيد الميداني الحاصل، والخشية من دخول غزة على خط المواجهة.
وفي ظل تسارع الأحداث واتجاه الوضع السياسي والعسكري في إسرائيل إلى حالة من عدم الاستقرار، ارتفعت في الأيام الماضية أصوات عدة تحذر من انهيار الأوضاع في البلاد، واحتمال اندلاع انتفاضة ثالثة، إذا ما استمرت الحكومة المتشددة باتباع نهج مستفز مع مواطنيها التي وصفتهم مؤخرا بالـ”إرهابيين” لخروجهم والفلسطينيين في مظاهرات معارضة.
وطالب قادة إسرائيليون، نتنياهو، الأربعاء الماضي، بعزل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، محذرين من أنه يسعى إلى “تفجير انتفاضة ثالثة” من خلال إصراره على هدم منازل الفلسطينيين خلال شهر رمضان.
-
صراعات وأزمات
ووقع 5 قادة سابقين و33 من كبار مسؤولي الشرطة السابقين على رسالة موجهة إلى نتنياهو، وطالبوا فيها رئيس الحكومة بعزل بن غفير من منصبه ونقله إلى أي موقع آخر.
وأشار الموقّعون إلى أن بن غفير الذي أوعز قبل يومين إلى الشرطة الإسرائيلية بهدم المنازل الفلسطينية في القدس الشرقية خلال شهر رمضان، يتدخل في عملية صنع القرار ويستغل الأحداث والشرطة لتحقيق مكاسب سياسية شخصية. إضافة إلى أنه “يتصرف بشكل يتعارض مع السلطات التي يمنحها له القانون”.
وكشف هؤلاء القادة في رسالتهم أن بن غفير أمر ضباط الشرطة بمواصلة تنفيذ أوامر الهدم في القدس حتى خلال فترة رمضان، واعتبروا أن “هذه خطوة لا تقل خطرا عن إشعال عود ثقاب ورميه في برميل من البارود”، وفي أحسن الأحوال قد تؤدي إلى “تفجير الانتفاضة الثالثة”، وفي الأسوأ إلى التسبب في أزمات لا داعي لها مع الدول الإسلامية التي تربطها علاقات بالدولة العبرية.
والموقف نفسه عبّر عنه مسؤول أمني آخر، إذ حذر قائد شرطة القدس المتقاعد يائير يائير اسحاقي، من أن بن غفير الذي يعتبر من أبرز داعمي حركة الاستيطان في القدس الشرقية والضفة الغربية، قد يشعل انتفاضة جديدة.
وقال اسحاقي يوم الأربعاء، في حديث لموقع “Ynet” العبري، إن بن غفير قد يشعل انتفاضة جديدة من خلال إصراره على هدم منازل الفلسطينيين خلال شهر رمضان.
وأكد يائير اسحاقي، أن زعيم حزب القوة اليهودية اليميني المتطرف يلعب بالنار، وأن نتنياهو عين وزيرا ليس لديه أي خبرة لإدارة الشرطة الإسرائيلية، مضيفًا أن بن غفير يتعامل مع الشرطة وكأنها لعبته الشخصية، قائلا: “نعيش أوقاتا في غاية الحساسية وإن لم يقم نتنياهو بكبح جماح بن غفير، فقد نكون أمام انتفاضة ثالثة”.
وصدرت تحذيرات مشابهة من تسفي باريل الكاتب في صحيفة “هآرتس” العبرية الذي أكد قبل فترة أن بن غفير مصمم على إثارة انتفاضة تحمل اسمه، وأشار إلى وزير الأمن القومي لن يهدأ حتى يجر الحكومة الإسرائيلية بكاملها والجيش الإسرائيلي والجميع إلى مغامرة متهورة قد تحوّل إسرائيل إلى دولة منبوذة.
وأشار باريل في مقال له، إلى أن بن غفير سيكون المسؤول عن إسقاط السلطة الفلسطينية نهائيا ووضع إسرائيل في مسار تصادم متسارع مع الدول العربية التي أبرمت اتفاقيات سلام معها، ناهيك عن الولايات المتحدة والدول الغربية بشكل عام.
ولفت الصحفي الإسرائيلي إلى أن الوزير المتشدد هو نفسه الذي تسبب في انتفاضة مايو 2021، التي طالت مدن الخط الأخضر، ونتجت عنها موجة عنف في المدن والبلدات التي يتعايش فيها العرب واليهود.
ومنذ تولّي نتنياهو السلطة في نهاية ديسمبر، تتصاعد المواجهات خصوصا في الضفّة الغربية حيث يكثّف الجيش الإسرائيلي عملياته منذ أكثر من عام، وطوال تسعة أسابيع متتالية، خرجت احتجاجات في تل أبيب والعديد من المدن الإسرائيلية ونظمت مظاهرات تندد بالإصلاحات القانونية التي أيدتها الحكومة الجديدة، والتي من شأنها أن تمنح السياسيين سلطة أكبر على القضاء.
-
الحرب الأهلية تقترب
من خلافات وصراعات سياسية، إلى تأزيم وعوامل انقسام، فتحذيرات من حرب أهلية وشيكة، هكذا يبدو المشهد داخل الكيان الصهيوني، مع هيمنة اليمين الموغل في التطرف مقاليد الحكومة.
وعلى وقع هدير التظاهرات الضخمة المناهضة لأجندة اليمين الصهيوني الحاكم، والتصريحات المتطرفة لقادة الائتلاف الحاكم، ترتفع أصوات بطرح سيناريو الحرب الأهلية.
شخص بحجم الرئيس السابق لجهاز الأمن العام الإسرائيلي “الشاباك” يوفال ديسكين، لم يتردد من التحذير من حرب أهلية وشيكة، قائلاً: “نحن على مسافة أسابيع قليلة، وقد نصل بعد ذلك إلى حرب أهلية”، وفق ما نقلته هيئة البث الرسمية الإسرائيلية أن ديسكين حذر في كلمته وقال: إن “المجتمع الإسرائيلي” على شفا التفكك الداخلي والانقسام الشديد، واصفًا نتنياهو بـ”المجرم” كما وصف بن عفير بـ”وزير التيك توك”.
ولم يكن ذلك وصف ديسكين وحده، فقد هاجم رئيس المعارضة يائير لابيد، بن غفير بقوله: إن “وزير التيك توك والساندويتشات” اختلطت عليه الأمور من جديد، وذلك بعدما أصدر الوزير المتطرف تعليماته للشرطة (الإسرائيلية) بألا تسمح بإغلاق الشوارع من المتظاهرين”، واصفًا إياهم بالفوضويين.
وقال لابيد: “المتظاهرون هذا الصباح ليسوا فوضويين، كما وصفهم بن غفير. الفوضى الوحيدة هي تلك التي تعاني منها أكثر الحكومات جنونًا في تاريخ إسرائيل”.
وتظاهر عشرات الآلاف من الإسرائيليين في الشوارع مجددا في تل أبيب -مساء أمس السبت- احتجاجا على تعديل للنظام القضائي الذي طرحه نتنياهو، كما توافد آخرون في حيفا ونتانيا.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي إياد القرا، أن عوامل التفكك الاحتلال الإسرائيلي تزداد يوما بعد يوم في مع الحكومة اليمنية الاستيطانية التي تعمل أساسًا ضد الشعب الفلسطيني، وعلى أكثر من صعيد عبر القتل والتهجير والإرهاب وهدم المنازل وغيرها.
ويشير القرا ” إلى أن حكومة الاحتلال تسعى إلى تجنيد المنظومة القضائية لتنفيذ هذه السياسات وهو ما يضرب المجتمع الداخلي الصهيوني الذي بدأ يستشعر خطورة هذه الحكومة التي تريد أن تسيطر على السلطات الثلاث وتحويل الكيان إلى مجرد خدمات لمسؤولي تلك الأحزاب.
ويذهب القرا إلى أن ما يحدث داخل الكيان ينسف رواية الاحتلال على مدار سنوات طويلة أنه واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط، منبهًا إلى أن الأحزاب الصهيونية التقليدية بدأت تفقد حضورها ويحل مكانها جماعات يهودية متطرفة تسيطر على الكيان، وفي هذا الواقع تعلو المصالح فلكي يحتقظ نتنياهو برئاسة الحكومة، وينجو من الملاحقة القضائية، يعطي الصلاحيات لسموتريتش وبن غفير ويجري تنفيذ أجنداتهم الخاصة.
ويرى أن ما يحدث أخطر من مرحلة اغتيال اسحاق رابين الذي اغتيال على يد المتطرف اليهودي إيغال عامير فيما يعد أول حادثة اغتيال سياسي في إسرائيل، على خلفية اتفاقات التسوية في حينه، ويعتقد أن هذه التطورات من عوامل انهيار هذا الكيان، مبينًا أن عوامل التفكك تزداد لكن تحتاج إلى مزيد من الوقت ومزيد من الشرخ الداخلي، مضيفًا “بدأت عناصرها وعوامل ذلك تظهر بوضوح خاصة داخل الجيش ومع الرفض الواسع لما تعرف بالتعديلات القضائية بالتالي وذلك يؤدي إلى مزيد من الاستنزاف للجيش الإسرائيلي والمنظومة الأمنية الإسرائيلية كذلك.
وتابع “لذلك يستشعر الصهاينة خطورة التغيرات التي تحدث وأن ذلك يقود لتعطيل وفقدان الجيش لهيبته وقدرته على العمل، فضلا عن حالة الانهيار والتضخم الاقتصادي وتراجع عملة الشيكل التي تفقد جزءًا مهما من قيمتها.
ويبقى السؤال الذي يبحث عن إجابة.. هل اقتربت فعليًا نهاية إسرائيل بسبب بن غفير ونتنياهو؟ أم ان ما يجري “مسرحية هزلية” بإخراج ممتاز لتصدير الأزمة؟ أم أن إسرائيل ستجد من ينقذها؟
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم