بيروت حمود
بالنسبة إلى وزير «الأمن القومي» الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، مثّلت الحرب وحالة الطوارئ المُعلنة، فرصةً مهمّة لتنفيذ مخطّط طالما حاول الدفع به، عقب كل عملية إطلاق نار أو طعن ينفّذها فلسطينيون؛ إذ كان يصل بنفسه إلى مسرحها، ليدعو إلى تسليح «المدنيين الإسرائيليين»، مقدّماً «حلّاً» يُسارع المستوطنون عبره إلى «تحييد» منفّذي العمليات، في حال عدم وجود عناصر أمنيين في مكان الهجوم. وقوبلت دعواته تلك، في أحيان كثيرة، بالرفض، انطلاقاً من أن «المواطنين سيأخذون القانون بأيديهم»، ولأنها حملت ضمنيّاً اعترافاً منه بإخفاق أجهزة الأمن الإسرائيلية في إحباط العمليات الفلسطينية، محوّلةً المستوطنين أنفسهم إلى مسؤولين عن أمنهم الذاتي، ولأن انتشار الأسلحة في أيدي الإسرائيليين، لا يضمن عدم استخدامه في جرائم جنائية، وخصوصاً ضدّ النساء الإسرائيليات اللواتي قُتلن في حوادث عنف عائلية بأسلحة يحمل أصحابها رخصاً قانونية بحيازتها.ومنذ السابع من أكتوبر، خفتت الأصوات المعارِضة لمخطّط بن غفير، واستغلّ الأخير صدمة الهجوم المهول لتسليح المستوطنين في عموم فلسطين المحتّلة، وتمكينهم خصوصاً في الضفة الغربية، من القيام بهجمات ضدّ الفلسطينيين، أو إحباط هجماتهم، ثم تسليح المستوطنين في المستوطنات الشمالية بهدف مساعدة قوات الأمن والجيش في صدّ أيّ هجوم محتمل لـ«حزب الله»، على غرار سيناريو الهجوم على مستوطنات «غلاف غزة»، وصولاً إلى إعدادهم كعناصر رديفين لتطويق وقمع أيّ ردّ فعل قد يبديه فلسطينيو الداخل المحتلّ، على نسق هبّة أيار 2021. وبالفعل، أَطلق بن غفير، غداة إعلان الحرب، حملةً لتسريع إجراءات منح رخص حمل وحيازة السلاح للإسرائيليين، مع منْح الأفضلية لعناصر سابقين في قوات الأمن الإسرائيلية. وأتى إطلاق الحملة في موازاة إعلان «حالة طوارئ مدنية» في الكيان من أجل السماح لأكبر عدد ممكن من المستوطنين بالتسلّح.
وبموجب الحملة التي أطلقها، فقد وُزّعت بنادق هجومية على أكثر من 700 «فرقة متأهّبة» تشكّلت منذ بدء الحرب في جميع أنحاء الكيان، بينها 40 فرقة تشكّلت بواسطة قوات «حرس الحدود» في مجالس إقليمية في مناطق مختلفة، وفقاً لمعطيات رسمية نشرتها وزارة الأمن القومي الإسرائيلية. وتفيد تقديرات نشرتها صحيفة «كالكليست» في وقت سابق، بأنه تمّ توزيع أكثر من خمسة آلاف قطعة سلاح طويلة، معظمها بنادق هجومية من طراز «MZ-4» إسرائيلية الصنع، ومن إنتاج مصنع «أمتان» في «كرميئيل» في الجليل الاعلى. أمّا في الضفة، فتلفت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن جميع المستوطنين تقريباً، باتوا مسلّحين، وأن الحكومة الإسرائيلية، طلبت من الإدارة الأميركية الحصول على 24 ألف بندقية هجومية إضافية، بهدف استكمال حملة التسليح. وفي الإطار نفسه، ذكرت «كالكاليست» أن وزارة الأمن القومي الإسرائيلية تلقّت، منذ بداية الحرب، أكثر من 190 ألف طلب للحصول على رخص حمل سلاح، ليصل عدد الطلبات، منذ بداية العام الجاري، إلى 210 آلاف طلب، فيما صودق على أكثر من 31 ألف طلب منها، معتبرة أن «تزايد الطلب على الأسلحة وعملية التسلّح خطيران لأسباب عديدة»، إذ تعتبر أنه «بسبب تزايد الطلب على الأسلحة، جنّدت شركة إنتاج المسدسات والبنادق الإسرائيلية IWI عدداً كبيراً من العاملين الجدد. ومنذ بداية الحرب، راحت هذه الشركة تزوّد وحدات الجيش الإسرائيلي ومجموعات «الفرق المتأهّبة» المسلّحة في المستوطنات والبلدات الحدودية، يوميّاً، بمئات البنادق، إلى جانب مسدسات لمواطنين عاديين»، لافتةً إلى أن «20% من العاملين في IWI، وحوالى 40% من العاملين في شركة الأسلحة «أمتان» هم عاملون جدد التحقوا بالعمل فيهما منذ بدء الحرب». وفي هذا الإطار، نقلت عن مدير قسم المسدّسات في الشركة، قوله إن «هذه أسابيع مليئة بالعمل بشكل غير مألوف، وننتج هنا مسدسات بلا نهاية»، مذكّرةً بأن المسدسات التي هي من صنع إسرائيلي «تشكّل جزءاً صغيراً من مبيعات السوق المحلية»؛ حيث تباع أيضاً أنواع مسدسات مستوردة، من مثل «غلوك»، «زيغ زاوار»، «باريتا»، «سميت» وغيرها. وطبقاً لرئيس دائرة الأسلحة في اتحاد الغرف التجارية، فإن «98% من المسدسات في إسرائيل مستوردة».
أَطلق بن غفير، غداة إعلان الحرب، حملةً لتسريع إجراءات منح رخص حمل وحيازة السلاح للإسرائيليين، مع منْح الأفضلية لعناصر سابقين في قوات الأمن الإسرائيلية
حملة بن غفير التي أغرقت شوارع الكيان بالأسلحة، دفعت أخيراً رئيس شعبة الأسلحة النارية في وزارة «الأمن القومي»، يسرائيل أفيسار، إلى تقديم استقالته من منصبه، وذلك في أعقاب مصادقة مساعدين ومقرّبين من الوزير، على إصدار رخص حمل سلاح لإسرائيليين لا تنطبق عليهم قانونيّاً الشروط المطلوبة لحمل السلاح. وكشف أفيسار أن المقرّبين من بن غفير «أقاموا «غرفة عمليات» في مكتب الوزير، وأنه قلق من أنهم حاولوا منح أفضلية لقسم من طلبات الحصول على تراخيص حمل السلاح». وفي هذا الجانب، نقلت صحيفة «هآرتس» عن مصادر أمنية، قولها إن موظّفي «غرفة العمليات» المؤقّتين «صادقوا، في الأسابيع الأخيرة، على ما بين مئات وآلاف الرخص، بينما أظهرت عملية مراقبة أنه تم منح رخص لمن لم يستوفوا معايير الحصول عليها»، فيما اعتبر مسؤول أمني تحدّث إلى الصحيفة أن «أداء غرفة العمليات هو وصفة لوقوع كارثة»، مشيرةً إلى أنهم «يوزّعون السلاح وكأنهم يوزعون حلوى».
وبدأت نتائج حملة بن غفير، تنعكس سلباً على إسرائيل، فيما الأصوات المعارضة التي خفتت تحت وقع الصدمة ودعوات الانتقام من الفلسطينيين مطلع الحرب، عادت أخيراً إلى الواجهة، بعدما قَتل جندي، المحامي الإسرائيلي يوفال كاستيلمان، عقب إقدام الشقيقين مراد وإبراهيم النمر على عملية إطلاق نار في حي «راموت» في مدينة القدس المحتلّة قبل أسبوع، أفضت إلى مقتل ثلاثة إسرائيليين وجرح 12 آخرين، إذ إن كاستيلمان، وخلافاً للإسرائيليين الذين كانوا ينتظرون في محطة الحافلة، وبدأوا بالركض لحظة إطلاق الأخوَين النار، قام بإطلاق النار على الأخيرَين وأرداهما شهيدَين. وعندما وصل الجنود إلى موقع العملية، بدأ هؤلاء بإطلاق النار على المحامي، الذي رمى مسدسه على الفور، وأزال معطفه، صارخاً بأنه إسرائيلي، لكن ذلك لم يمنع أحد الجنود من متابعة إطلاق النار عليه وقتله.
وقبل مقتل كاستيلمان، اعتبر الصحافي في «يديعوت أحرونوت»، تسيفي شيمولوفيتش، أنه «يمكن الافتراض أن دولة إسرائيل ما بعد الحرب، ستكون مغايرة تماماً عن دولة إسرائيل التي كانت حتى 06/10/2023. فالكثير من القرارات تُتّخذ تحت مظلّة الألم، والصدمة، والغضب، وبتشجيع من قيادة تعاني من الكلبية (اتّجاه يتميّز بارتياب عام من الآخرين ودوافعهم) وعديمة الرحمة»، مضيفاً أنه «سيتبيّن أن واحداً من هذه القرارات على الأقل كان خطأً مريراً: إغراق الشوارع بالأسلحة، من دون أيّ سبب أو مبرّر. ليس علينا الانتظار لنرى ما الذي سيحدث، فقط لِنَنظر إلى الولايات المتحدة»، حيث يموت كل يوم، بحسب أرقام «سي دي سي»، 120 أميركياً بسبب إصابات مختلفة بالأسلحة النارية، ويصاب كل يوم 23 طفلاً تراوح أعمارهم بين سنة و17 سنة، ويموت ستة منهم.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن القول، بحسبه، إن «حمل السلاح في إسرائيل ضرورة واقعة، وفي الولايات المتحدة حقّ حمل السلاح منصوص عليه في الدستور، ولكنْ، هذَان مفهومَان خاطئان ومشوّهان. فالواقع الذي يتجوّل فيه المواطنون بالسلاح سيؤدي دائماً في النهاية إلى سقوط المزيد والمزيد من الضحايا الأبرياء. هناك فرق بين أفراد الأمن المؤهّلين والمدرّبين، والجار العصبي في الطابق السفلي الذي يستدير فجأة حاملاً مسدساً». وخلص إلى ما مفاده أنه «بمجرّد أن تبدأ الأسلحة بالانتشار في شوارع إسرائيل، فإنها مسألة وقت فقط قبل أن نشهد هجوماً على مدرسة. وأولئك الذين يريدون معرفة ما يفعله هجوم على مدرسة بروح المجتمع، مدعوون إلى زيارة مدينة نيوتاون في ولاية كونيتيكت، حيث كانت توجد مدرسة «ساندي هوك» المزدهرة ذات يوم، إلى أن قُتل 20 طفلاً يبلغون من العمر ستة أعوام وستة معلمين آخرين هناك، وحتى بعد مرور 11 عاماً على المأساة لا يزال القتل يتكرّر بلا نهاية».
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية