آخر الأخبار
الرئيسية » مجتمع » «بهارات» ناريندرا مودي: الهندوس… ولا أحد سواهم

«بهارات» ناريندرا مودي: الهندوس… ولا أحد سواهم

| خضر خروبي

مع إسدال الستارة على اجتماعات «قمّة العشرين» في نيودلهي الهندية، صار واضحاً أن القمّة شكّلت فرصة لرئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، لتسليط الضوء على بعض أوجه برنامجه السياسي على المستويَين المحلّي والعالمي. وإذا كانت التغطية الإعلامية للقمّة قد ركّزت على تصوّرات مودي لدور بلاده على الساحة الدولية، لجهة إظهارها كـ«قوة جيوسياسية صاعدة»، وكـ«نموذج اقتصادي» واعد على مستوى البلدان النامية يفضّله في وجه ذاك الذي تمثّله الصين، فإن بعض المحلّلين لم يغفلوا الإشارة إلى وجود رابط مفتعَل بين الحدث كنقطة جذب عالمية، من جهة، وبينه كمنبر لحزب «بهاراتيا جاناتا» الحاكم (أو حزب الشعب الهندي) يمكن تجيير مفاعيله في الواقع السياسي الداخلي، من جهة ثانية. ولعلّ أوّل ما عكس ذلك، بالفعل، توجيه دعوات رسمية إلى وفود الدول المشاركة باسم رئاسة جمهورية «بهارات»، وهي كلمة سنسكريتية الأصل يُتداول بها كتسمية رسمية للدولة باللغة الهندية، بدلاً من عبارة «إنديا» (الهند) المستخدَمة عادة في التبادلات الديبلوماسية الخارجية لحكومة نيودلهي.

هذا «التقريش» السياسي، والشاهد عليه أيضاً تخصيص ميزانية تنظيمية ضخمة للمؤتمر تجاوزت 100 مليون دولار، لم يقتصر على الخطوتَين المذكورتَين، بل تعدّاهما إلى تسخير الماكينة الإعلامية المهيمَن عليها من قِبل الحزب الحاكم لخدمة أهداف حملته الانتخابية استعداداً للعام القادم، إلى جانب استخدام شعاره، المتمثّل في زهرة «اللوتس»، في خلال الفعاليات الرسمية للقمّة، وتنظيم جولات سياحية للضيوف شملت نحو 60 مدينة ومنطقة داخل الهند، ومن بينها إقليم جامو وكشمير ذو الغالبية الإسلامية، والمتنازَع عليه مع باكستان، وكذلك منطقة الهيمالايا الحاضرة بعمق في الخلافات الحدودية لنيودلهي مع جارتها بكين، حيث تتوالى التقارير عن اتّساع معدلات القمع الأمني والسياسي في كلتا المنطقتَين.

وبدت تلك الخطوات أشبه بمحاولة لترسيخ الاعتراف السياسي العالمي بما يصفه أركان حكومة مودي بـ«الهند الجديدة»، وهي «هند» تتباين تقديرات المحلّلين لأوصافها بين مقدّرات النجاح الاقتصادي، ومقوّمات التناقض السياسي والاجتماعي الداخلي، وتتقاطع بطريقة أو بأخرى مع فكرة «الهند العظيمة» التي تنضح بها أدبيات التيّار الهندوسي المتطرّف، والمستندة إلى أفكار توسّعية وعنصرية تروّج لـ«التفوق العرقي» للهندوس، وذلك خلافاً للإرث الديموقراطي، بشقَّيه التعدّدي والعلماني، الذي أرساه الآباء المؤسّسون للهند المعاصرة، وفي طليعتهم المهاتما غاندي، وجواهر لال نهرو.

«بهارات» التناقضات
تَحضر في خلفية هذا المشهد جملة عوامل، ربّما تكون قد فعلت فعلها في استنفار «بهاراتيا جاناتا» سياسياً على مشارف الانتخابات التشريعية المرتقبة العام المقبل. ومن بين تلك العوامل، انتكاساتٌ سجّلها الحزب الحاكم في أيار الفائت خلال الانتخابات المحلّية، عقب خسارته في إقليم كارناتاكا، آخر معاقله في الولايات الجنوبية، حيث تتضاءل شعبيته يوماً بعد يوم، بسبب خطابه العنصري، وتهم الفساد التي تلاحق بعض وجوهه. يُضاف إلى ذلك، توحّد أبرز أجنحة المعارضة ضمن ائتلاف «INDIA» الذي يضمّ 26 حزباً، إلى جانب كسر القضاء، قبل أسابيع قليلة، قراراً سابقاً للمحكمة العليا بإسقاط العضوية البرلمانية لراهول غاندي، أحد أبرز المعارضين للحكومة، على خلفية انتقادات كان قد وجّهها إلى مودي. وانطلاقاً ممّا سبق، يمكن فهم ما تواتر من أنباء حول وجود نيّة لدى سلطات نيودلهي لتأجيل الانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها أواخر العام الحالي.

ولعلّ تلك العوامل دفعت رئيس الوزراء وأعوانه في الحكومة والحزب، إلى جانب المنظّمات الداعمة له، إلى ممارسة لعبتهم المألوفة عبر تغذية الانقسامات الطائفية والعرقية، من خلال خطاب فئوي تعبوي ضدّ أبناء الأقليات، المسلمة والمسيحية خصوصاً، وذلك بقصد تحشيد المتطرّفين الهندوس ممّن يمثّلون عماد القاعدة الناخبة لنواب حزبهم، قُبيل النزال الانتخابي القادم. وفي الغالب، أُرفقت هذه الحملات السياسية والدعائية مع ضوء أخضر ضمني منحته السلطات لمناصريها للمشاركة في أعمال عنف على أسس طائفية، وهو أمر تَكرّر في أكثر من مناسبة خلال الأعوام الماضية، وآخر فصوله قبل أسابيع قليلة من استضافة «قمّة العشرين»، حين نظّم متطرّفون هندوس، وبتشجيع من منظّمة «Rashtriya Swayamsevak Sangh»، الحليفة للائتلاف الحكومي، والمقدَّر عدد أعضائها بنحو مليون ونصف مليون شخص، تظاهرة استفزازية في منطقة نوح، ذات الغالبية الإسلامية، أشيع أنها جاءت بإيعاز مباشر من قيادات حزبية. وسبق الواقعةَ المشار إليها، وقائعُ دموية مشابهة دامت لأشهر عدّة، من دون تدخّل حكومي أمني فاعل، في ولاية مانيبور الشمالية الشرقية، وخلّفت نحو 200 قتيل، كما تسبّبت بتشريد أكثر من 60 ألف شخص، معظمهم من قبيلة «كوكي» المسيحية. ودائماً ما يستذكر ناشطون هنود، ومنظمات حقوقية، تورّط مودي المباشر، حين كان رئيساً لحكومة إقليم غوجارات الواقع شمال غرب البلاد، في اشتباكات طائفية في الولاية عام 2002.

مشروع القوميين الهندوس الرامي إلى تأسيس دولة ترتكز على العمق الحضاري الأوسع نطاقاً للهند، يبدو أشبه بـ«إنشاء دولة قومية ضيّقة الأفق»

هذه الاشتباكات الطائفية المتنقّلة، دأبت السلطات على استخدامها كذريعة للقيام بعملية تغيير ديموغرافي في عدد من المناطق، وبصورة خاصة في العاصمة نيودلهي، حيث أُزيلت أعداد كبيرة من منازل تعود إلى مسلمين في منطقة نوح على خلفية التوترات الأخيرة. وحمل ذلك، محلّلين، على التحذير من تبعات تلك السياسة على الوحدة الإقليمية والسياسية للهند، فيما يبدو مودي أكثر ميلاً إلى الاكتفاء بالاستجابة لأصوات ناخبيه من الهندوس المحافظين، لحساب تكريس «ثيوقراطية هندوسية»، متجاهلاً في الوقت نفسه أصوات أبناء سائر المكوّنات الاجتماعية الأخرى، ممّن باتوا يصنَّفون كـ«مواطنين من الدرجة الثانية». ويمكن لحظ هذا بسهولة، من حقيقة أن الرجل كسب الدورتَين السابقتَين من الانتخابات، مستفيداً من تشتّت المعارضة من ناحية، وخطابه «القومي» من ناحية ثانية، بحصيلة أصوات لم تتجاوز نسبة 31 و39 في المئة من الأصوات في انتخابات العامين 2014 و2019 على التوالي. ويأتي الأداء المتقدّم، كشكل من أشكال محاكاة «موضة سياسية» متمرّدة على ما يمكن تسميته «الثقافة السياسية المعولمة»، أصبحت تلقى رواجاً في الآونة الأخيرة في دول محسوبة على «حلف الديموقراطيات» كتركيا، والولايات المتحدة نفسها التي بات يؤْثر ساستها الخطاب الفئوي، ويثمّنون منافعه الانتخابية. وإذا كانت خطوة طرح الزعيم الشعبوي الهندي تسمية جديدة للبلاد، تستنسخ تجربة سابقة مشابهة خطّها الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، فإن شعاره المتمثّل في «إعادة بناء الهند العظمى»، يستلهم شعارات مماثلة بنى عليها الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، عهده الرئاسي.

في العموم، يتوقّف مراقبون عند تناقضات جوهرية تعتري سياسات مودي؛ فهو ينظّر للهند كـ«دولة ديموقراطية نموذجية» ذات طاقات اقتصادية وتكنولوجية متقدّمة، ويتصوّر أنها مؤهّلة لأن تكون ناطقة باسم البلدان النامية المهمّشة في النظام الدولي الراهن؛ وفي الوقت نفسه، يتبنّى مشروعاً محلياً، بخطوات تدريجية، للتحوّل عن الدستور العلماني التعدّدي نحو تكريس دولة قومية على أسس دينية عنصرية، بصورة تحفّز تساؤلاً يطرحه كثيرون، مفاده: «إلى أيّ مدى يمكن أن تسهم حالة عدم الاستقرار الناجمة عن تغوّل الشوفينية الدينية المتطرّفة لمودي في عرقلة طموحاته الاقتصادية؟».

سياسة مودي: التخلّص من الإرث الاستعماري أم اجتثاث التراث الثقافي الإسلامي؟
رغم غياب أيّ مواقف علنية صريحة لمودي في شأن التوجّه إلى حسم «ملفّ التسمية الرسمية» للبلاد، فإنه لا يمكن الفصل بين استئناف حزب «بهاراتيا جاناتا» جهوده في هذا الخصوص، وبين «المشروع الأيديولوجي الهندوسي» لزعيمه، والذي يحمل الطابع العدائي لأبناء الطوائف الأخرى، ولا سيما المسلمة، ممَّن يشكّلون ما نسبته 14 في المئة من السكان، إذ عمد رئيس الوزراء، في السنوات الأخيرة، إلى تغيير أسماء العديد من الأماكن والمعالم في مختلف أرجاء البلاد، بما في ذلك شوارع رئيسيّة في العاصمة نيودلهي، تعود إلى الحقبتَين المغولية والبريطانية، من ضمنها شارع جرت العادة أن يحتضن عروضاً عسكرية، فضلاً عن تغيير مناهج التاريخ وحذف ما يتعلّق بتاريخ المسلمين في شبه القارة الهندية. وبحسب متابعين للشأن الهندي، فإن مودي يميل غالباً إلى القيام بتحرّكات سياسية شعبوية مفاجئة، مماثلة لتلك المتّصلة باعتماد تسمية «بهارات» – وهو مطلب يحظى بالمناسبة بتأييد قطاع واسع من الطائفة الهندوسية -، وذلك بهدف استمالة أنصاره، على غرار إصداره قراراً مطلع عهده، وُصف بـ«المتسرّع» وقتها، قضى بحظر التداول بعملات هندية محلّية من الفئات الكبيرة (500 و1000 روبية). وبعد ولاية أولى لمودي على رأس السلطة التنفيذية وسَمها التردّد والحذر في تفعيل «أجندة العمل الهندوسية» التي يحملها الزعيم الهندي، وكبار مساعديه، وعلى رأسهم وزير الداخلية أميت شاه، منذ تأسيس حزبهم في ثمانينيات القرن الماضي، اتّسمت الولاية الثانية له، بدءاً من العام 2019، بجرأة أكبر في السير على طريق تنفيذ بنود الأجندة المشار إليها. جرأةٌ جلّاها بوضوح إلغاء الحكم الذاتي داخل الشطر الهندي من إقليم كشمير، وإقرار قانون تعديل الجنسية عام 2019، إلى جانب فرض حظر على ارتداء الحجاب في المدارس، مروراً بفرض اللغة الهندية على المستوى القومي.

إزاء ذلك، يرى الأكاديمي الهندي المتخصّص في العلوم السياسية، غورتشاران داس، أن الخطر المحدق بالهند يتمثّل في «رفض حزب بهاراتيا جاناتا قيم التعدّدية بدعوى أنها استرضاء للأقليات»، محذّراً من أن بلاده «تسير على طريق الأصولية الدينية الذي سبق أن أغرق دولة باكستان المجاورة في أتون كارثة». ويشير إلى أن مشروع القوميين الهندوس الرامي إلى تأسيس دولة ترتكز على العمق الحضاري الأوسع نطاقاً للهند، يبدو أشبه بـ«إنشاء دولة قومية ضيّقة الأفق، وفق النموذج الأوروبي، قائمة على عنصر الهوية (الفئوية)، ضمن مواصفات تعود إلى القرن التاسع عشر، بصورة تجعلها أقرب إلى أن تكون باكستان الهندوسية»، في إشارة إلى تجربة انفصال باكستان عن الهند، لأسباب ذات طابع ديني سياسي.
بدوره، يلفت مدير «معهد إدارة الصراعات» في نيودلهي، أجاي ساهني، إلى أن «ما يميّز أعمال العنف الأخيرة في الهند (بين الهندوس والطوائف الأخرى) عن مثيلاتها من الاشتباكات الطائفية الدموية على امتداد تاريخ البلاد، هو موقف الحكومة»، مذكّراً بأن «الحكومات السابقة كانت تنأى بنفسها على الدوام، من الناحية النظرية، عن أحداث مشابهة، حيث كان تأكيد التمسّك، أقلّه لفظياً، بالنظام الدستوري والنظام العلماني صفة ملازمة لبياناتها». أمّا في عهد الحكومة الحالية، «فثمّة دليل واضح، إذا جاز التعبير، على دعم الدولة أو تأييدها للمواقف المتطرّفة» الصادرة عن بعض الأفراد والجماعات، وفق ساهني.


من «الهند» إلى «بهارات»: الدلالات المباشرة
بصرف النظر عن التسميات المختلفة للبلد الآسيوي الذي بات يتربّع على عرش الصدارة عالمياً من حيث عدد السكان، وبعضها تسميات فارسية ويونانية الجذور، فإن تغيير اسم الدولة من «الهند»، وهي التسمية المكرّسة محلياً ودولياً بصفة عامة منذ الاستقلال قبل نحو 75 عاماً (رغم كونها تعود إلى حقب غابرة)، إلى «بهارات»، ومصدرها اللغة السنسكريتية التي تعود إلى الكتب المقدّسة الهندية – علماً أن كلا الاسمين معتمَدان في الدستور الهندي، رغم أن الأوّل هو الأكثر استخداماً في الوثائق الرسمية -، تندرج ضمن مساعٍ حثيثة قادتها الحكومات الهندية المتعاقبة على مدى عقود من أجل ما تسمّيه «محو آثار الحقبة الاستعمارية»، وخاصةً خلال فترة خضوع الهند للتاج البريطاني لقرابة قرنَين من الزمن. وهي مساعٍ تسارعت وتيرتها في عهد مودي، حيث اكتسبت نفَساً طائفياً أكثر شوفينية، يرى منتقدو الحكومة أنه بات يأخذ شكل اجتثاث للتراث الإسلامي في البلاد، وتحديداً ما يتّصل منه بفترة الحكم المغولي للهند بين عامَي 1526 و1858. وفي بلد يكتسي فيه موضوع اللغة حساسية بالغة، بالنظر إلى انتشار مئات اللغات المحلية، فيما لا تتجاوز نسبة من يتكلّمون الهندية عتبة 44 في المئة من السكان، يبدو لافتاً أن إعلان هذه «الردّة» شبه الرسمية، والمصحوب بأنباء عن عقد جلسة مرتقبة للبرلمان خلال الـ 18 من الجاري للتصويت على قرار اعتماد التسمية الجديدة بصورة رسمية، حمل شيئاً من الكيدية السياسية، كونه جاء بعدما أعلنت أحزاب المعارضة تشكيل تحالف سياسي جديد حمل اسم «إنديا»، ما عرّض الائتلاف الوليد لانتقادات الحزب الحاكم الذي ما انفكّ يروّج أن «إنديا» يشكّل رمزاً للعبودية لكونه متوارثاً عن حقبة ما قبل الاستقلال عام 1946. ووفق محلّلين، فإن ما يسترعي الانتباه أيضاً إلى وجود نيات لفرض الثقافة الهندوسية، ومنها اللغة الهندية، على مختلف أقاليم البلاد، المعروفة بغناها الثقافي والتعددي، هو أن اعتماد التسمية الجديدة للهند، خلال قمّة «G20» الأخيرة، أتى بعد أيام من دعوة موهان باغوات، وهو زعيم منظمة «Rashtriya Swayamsevak Sangh» (المنظمة القومية للمتطوعين)، التي تعدّ أحد أبرز «اللوبيات» السياسية وشبه العسكرية اليمينية الفاعلة، وذات الحضور المؤثر في أوساط النخب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، إلى اعتماد تسمية «بهارات» للبلاد بصورة رسمية، وهو ما لاقاه العديد من كوادر وقادة «بهاراتيا جاناتا» بالترحيب، معتبرين أنه يعكس ما عدّوه «رفضاً للإرث الاستعماري» في البلاد.

 

 

سيرياهوم نيوز3 – الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

“اليونيسيف”: أكثر من 200 طفل قُتلوا في لبنان من جراء العدوان الإسرائيلي منذ نحو شهرين

منظّمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” تعلن استشهاد أكثر من 200 طفل في لبنان من جرّاء العدوان الإسرائيلي منذ نحو شهرين، في وقتٍ “يجري التعامل مع ...