آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » بهدوء عن إلغاء الدعم وبدعة تهيئة الرأي العام.. أنا أعترض أنا موجود!

بهدوء عن إلغاء الدعم وبدعة تهيئة الرأي العام.. أنا أعترض أنا موجود!

فراس عزيز ديب

الأحد, 12-12-2021

تخوض الحكومات معركتها مع إعمال العقل، بالقدر الذي تكون فيه قراراتها مدروسة ومبنية على خطة متكاملة أياً كانت الأساليب ما دامت النتيجة هي مصلحة المواطن، على ذلك يمكننا اشتقاقَ مفهوم وجودي جديد اسمه: أنا أعترِض.. أنا موجود.

بواقعيةٍ تامة، تبدو فكرة الاعتراض بهدف إثبات الوجود هي حالة عالمية ليست محصورة ببلدٍ ما أو بوضعٍ معيشي محدد، عمَّقها وجود مواقع التواصل الاجتماعي الذي نقلَ هذا الاعتراض من الشارعِ أو عبر النخب التي تكتب في وسائل الإعلام، إلى مساحةٍ أوسع، باتت كلمة أعترض سابقة لأي محاكمة عقلية، هناك مثلاً من يدفن أقاربه صباحاً بسبب الوباء اللعين ويخرج في الليل ليُحاضِر بالناس عن اعتراضهِ على فكرةِ اللقاح، هناك من يعترض على قرار حكومي وهو يدرك تماماً أن حكومته تتعاطى معه بفكرةِ الديمقراطية الذكية، من مبدأ «أَسمِعْني ما تشاء وسأفعَل ما أشاء»، أسلوب أتاحت لك عبرهُ الاعتراض لإثبات وجودك لكنها ليست معنية بسماع رأيك، هل أصغت وتصغي الولايات المتحدة الأميركية للأصوات المطالبة بإيقاف حروبها مثلاً؟ هنا نصل للسؤال الأهم، وماذا عن سورية؟

في سورية، نبدو في الإطار العام مستقلين عن كل الدراسات والمناهج السياسية والاقتصادية، نحن وبحق نشكل حالة خاصة من العشوائية في اتخاذ القرار والاعتراض عليه، في تبرير القرارات التي لا تستند إلا على فكرة الانفصال عن الواقع والاعتراض على التبريرات التي يستند فيها مطلقوها إلى طموح تحويل البلد إلى سويسرا من دون أن يكون له أي التزاماتٍ تجاه خزينة الدول. هذه العشوائية في كلا الاتجاهين تبدو نتيجة منطقية للكثير من العبثية، تفرح عندما ترى مسؤولاً سورياً يستقبل وفداً من مركز أبحاث لدولة صديقة لما لهذا المركز من مكانة في دولته، لكنك في الوقت ذاته تسأل نفسك أين مراكز أبحاثنا السياسية والاجتماعية؟ بعيداً عن مراكز الأبحاث لزوم البروتوكول الإعلامي نتحدث عن تلك التي تقدم للحكومة دراسة محايدة لا تجميلَ فيها ولا ترقيع، لماذا نخافها؟ ربما لا مبرر لغيابها إلا لأن ما نعانيهِ من عبثية وتخبط واضح وجلي ليسا بحاجةٍ لمركز دراسات، قد تبدو الفكرة منطقية لكن التعاطي الرسمي مع هذه العبثية لا يوحي بذلك، تجلت حالياً بحدثين:

أولاً: تشكيل لجنة «دعم إعلامي» تعنى بتهيئة الرأي العام قبل صدور قرارات تتعلق بالحياة المعيشية إضافة إلى مهام أخرى من بينها لجم دور المكاتب الصحفية للوزارات وحصرها في بوتقة واحدة.

في بلدنا ليسَ هناك أسهل من تشكيلِ اللجان، لدينا لجان لكل شيء، بل نخشى يوماً أن نستيقظ ونرى أنفسنا أمام لجنة للدعاء بهدفِ نجاح القرارات الحكومية، يكفي فقط أن تتابع حال السخرية التي لفَّت مواقع التواصل الاجتماعي لتعرف بأن المواطن سئمَ أساساً من أي فكرة تهدف للتطبيل لهذا القرار أو ذاك، فما بالك وهو اليوم يجد نفسه أمام لجنة بقرار حكومي، كان لافتاً أن مسؤولاً في اللجنة وهو يعمل بالإعلام، اعتبر أن هناك تسرعاً في فهم مهام اللجنة، ربما من المفيد تذكيره بأن هناك من يعملون في الإعلام الرسمي أنفسهم فهموا الفكرة كما فهمها المواطن، إذن من المسؤول؟ ماذا يعني تهيئة الرأي العام؟ هذا الكلام خطير لأنه ببساطة سيفتح تساؤلاً منطقياً: لماذا الرأي العام بحاجة لتهيئة؟ ربما لن نحتاج للكثير من الوقت لنفهم بأن السبب مزدوج، أولاً إخفاق المنظومة الإعلامية حتى الآن في انتزاعِ ثقة الأغلبية الكاسحة من المواطنين رغم كل ما حُكي عن برامج وخطط، والسبب الثاني هو فقدان الثقة بين المواطن والحكومة، هذا الأمر لا تحله لجنة ولا تحله تبريرات، هذا يأتي نتيجة منطقية لتراكم العمل الناجح والمصداقية في القرارات عندها ستجد المواطن نفسه يستعيد هذه الثقة.

فُقدان هذه الثقة مبرَّر، والذي لا يرى من الغربال أعمى، هناك من لا يزال مصراً على استخدام تعبير «تعديل الأسعار» بدلاً من رفعها، كم من قرارٍ تم تسريبهُ على مواقع التواصل الاجتماعي وهناك من خرج لينفيه وبعد فترة يصبح واقعاً وحقيقة؟ كم من مسؤول خرج في المساء عبر المنابر الفيسبوكية ليغلظَ الأَيمان بأن هذه المادة لن يرتفع سعرها كما تروج «المواقع المشبوهة»، لتظهر هذه «المواقع المشبوهة» وكأنها تعرف حتى ما في داخل الأدراج الخاصة للوزراء ويتم فعلياً الرفع؟ هل إن هناك من يريد استبدال تهيئة الرأي العام عبر بث الإشاعة ثم نفيها بلجنة تشرح ما سيجري نيابة عن كل المكاتب الإعلامية للوزارات؟

ثانياً: الحديث عن رفع الدعم أو إعادة تحديد المستفيدين

لو سألت أي مواطن سوري هل أنت مع إعادة تحديد المستفيدين منَ الدعم؟ سيجيبك ببساطة ومن دون مواربة نعم، لأن صيغة السؤال تحمل معاني سامية كأن تسأل مواطن هل أنت مع توقيف الهدر؟ ماذا سيجيبك؟ لكن الفكرة ليست بالسؤال، الفكرة بتحديد الهدف من إعادة التوزيع، هل باتت المواد متوفرة؟ الفكرة هي بشرح التحولات الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن تعديل كهذا، هل نحن فعلياً أمام الموت السريري لفكرة الاشتراكية؟ ليسَ عيباً وليست نهاية العالم بل العيب هو أن نظل متمسكين بشعار لا يسمن ولا يغني عن جوع، تحديداً إن للاشتراكية أشكالاً حديثة يمكن اعتمادها بالتشارك مع رأس المال كما يحدث في الصين، أو حتى في دول نظنها ليبرالية لكنها في الواقع تطبق نوعاً من الاشتراكية العقلانية التي تحمي الطبقات الفقيرة كفرنسا مثلاً، هذا الانعكاس يجب أن يشمل كل جوانب الحياة التي تلتزم الدولة بها لكن بطريقة تُغلق مزاريب الفساد والهدر التي تتسببها فكرة «مجانية كل شيء»، هذه «المجانية المطلقة» يجب أن توضع جانباً ولو كانت هذه العبارة قاسية على المواطن لكنه سيهضمها عندما يتحسس النتائج، لكن هذا الكلام لا يعني أن المواطن يجب أن يدفع لكل شيء، ولتتضح الصورة دعونا نأخذ هذا المثال:

ما وجه الشبه بين النظام الصحي في فرنسا وسورية؟ في الواقع كلاهما مجاني للطبقات الفقيرة والمتوسطة لكن الفرق أنك في سورية تذهب للاستشفاء وتخرج شاكراً الدولة على هذهِ النعمة من دون أن تعرف ماذا سيتم صرفهُ من مواد تم استهلاكها من أجلك، هل هي مواد حقيقية تم استهلاكها أم إنها على طريقة الوصفات الطبية في القطاع العام. في فرنسا تذهب للاستشفاء وتخرج من دون أن تدفع، لكن المشفى يطلب فاتورة رسمية من صندوق الضمان الصحي فيها كل ما تم استهلاكهُ من أجلك، تمر هذه الفاتورة على مدققين بينهم أطباء ليعرفوا ما تم وضعه هل هو منطقي أو لا؟ في الوقت ذاته هناك حساب خاص لكل مشفى ينتهي بصافي ربح عليه ضرائب قد لا ينفع معه التزوير، هنا تحققت العدالة للمواطن في كلا البلدين وقامت الدولة بالتزاماتها لكن في التجربة الأولى بدت القضية مفتوحة للهدر وهذا يحدث، في المثال الثاني تمكنت الدولة بالحد الأعلى من لجم الفساد، هذا مثال بسيط يجب أن يستوعبه المواطن قبل الحكومة لنعرف بأن حجم الفساد الناتج عن عمليات الدعم هي استنزاف حقيقي لمقدرات الدولة التي هي بالأصل ضئيلة.

في الخلاصة، نحن فعلياً بحاجة إلى تحولات كبيرة في شتى المجالات، هذه التحولات قد لا تبدو سهلة الحصول بين ليلة وضحاها، لكن أياً كانت التحولات يجب أن تكون طريقة إيصالها للمواطن بعيدة عن البكائيات. كنت أستطيع في هذه السطور أن أضع بعض البكائيات لأكسب تعاطف المواطن، لكن في زمن الحرب لا مكان للبكاء، لا تجعلوا قراراتكم مرهونة بعبارة: نفذ ثم اعترض، لأنكم فعلياً ستصطدمون بعبارة: «أنا أعترض.. أنا موجود».

(سيرياهوم نيوز-الوطن)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

بعد الفيتو الامريكي على وقف القتل: خطوتان مجديتان

  ا. د. جورج جبور       الخطوة الأولى: *انتقال صلاحيات مجلس الأمن الى الحمعية العامة بموحب قرار التوحد من أجل السلم. يتخذ قرار ...