نبيه البرجي
طالما رأينا في وجوه وزراء خارجية بريطانيا وجه آرثر بلفور، وقبله وجه اللورد كليمنت بالمرستون الذي تواطأ مع البارون دو روتشيلد لانشاء أولى مستوطنات “أحباء صهيون” في فلسطين عام 1850.
هكذا نظرنا الى أنطوني ايدن، وهارولد ماكميلان، وأوستن تشمبرلين، وارنست بيفن، حتى اذا ما زارنا ديفيد كاميرون، تساءلنا ما اذا طرأ تغيّر ما في النظرة الانكليزية الى أزمة الشرق الأوسط. قال “يمكن لنا أن نعترف، رسمياً، بالدولة الفلسطينية، بعد اتفاق وقف النار، ودون انتظار نتيجة محادثات قد تستمر لسنوات حول حل الدولتين”، دون أن نسأل عن شكل هذه الدولة.
الانكليز سادة السياسات الخادعة، على الأقل السياسات الملتبسة، من اتفاقية سايكس ـ بيكو، وحتى دور اللورد كارادون في صياغة قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 غداة حرب حزيران 1967، وحيث ثار الجدل العبثي حول النص، دون قيام العرب يأي خطوة لاستعادة أراضيهم، باستثناء ما فعله أنور السادات، عبر اتفاقية كمب ديفيد، ما حمل المفكر البارز جمال حمدان على القول “من يدّعي انه حرر سيناء من السلاسل الاسرائيلية، قيّد مصر كلها بالسلاسل الأميركية…”.
لكن بريطانيا العظمى ما لبثت أن اصبحت ظلاً لأميركا العظمى. حتى أن مارغريت تاتشر، المرأة الحديدية، اخذت بنظرية الأميركي ميلتون فريدمان (النقدوية) في اعادة بناء الاقتصاد البريطاني، وتخلت عن نظريات الأنكليزيين الشهيرين جون ماينارد كينز، وآدم سميث، التي اعتمدتها بلدان شتى في العالم.
هذا ما يدعونا الى التساؤل ما اذا كانت واشنطن وراء الكلام البريطاني في اختراق “أسوار أورشليم”، كمدخل الى مفاوضات تفضي الى قيام الدولة الفلسطينية وانتقال الشرق الأوسط الى زمن آخر، وان كان الديبلوماسي الأميركي المخضرم آرون ميلر يرى أن من الصعب الآن زعزعة الاعصار اليميني في اسرائيل (وحيث بدأ الفكر التوراتي في الظهور بين أجيال الروك اند رول).
لا شك أن أحداث غزة جعلت أهل اليمين يرتطمون بالحائط ليبدو، جلياً، مدى الاختلال في البنية العملانية، والبنية السيكولوجية، للمؤسسات العسكرية والأمنية. القناة 12 تحدثت عن اتجاه قادة هذه المؤسسات الى الاستقالة لدى وقف النار في غزة. هذا له دلالاته الهائلة، يحدث عادة أمام هزيمة كبرى “هاآرتس” تحدثت عن “هزيمتنا الداخلية الكبرى…”.
اذا ما توارى قادة الجيش الذي هو العمود الفقري لوجود الدولة، ولبقاء الدولة، كيف يمكن للقادة السياسيين أن يبقوا في مواقعهم. الهزيمة الداخلية الكبرى لا بد أن تتحول الى زلزال داخلي كبير. المسألة لا تقتصر على اعادة النظر في السياسسات، وانما اعادة النظر في القواعد الايديولوجية لهذه السياسات، خصوصاً مع ظهور حالات غربية (نخبوية) مناوئة للمسار الاسبارطي للدولة العبرية. ثمة 800 مسؤول أميركي، وأوروبي، أعلنوا اعتراضهم لمواقف بلادهم حيال اسرائيل. الفيلسوف الفرنسي جان ـ بيار فيليو تحدث عن “صرخة مدوية في وجه الدم”. داعياً الى احتواء “البربرية الجديدة التي تهدد مستقبل البشرية” !
لهذا يرى أن ما قامت به ادارة جو بايدن، في ارسال قاذفات B1 الاستراتيجية، انطلقت من الأرض الأميركية لضرب “أهداف ضائعة” في كل من سوريا والعراق، أشبه ما يكون بـ “الرقص البهلواني” حول المشكلة، ما دام جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي، قد اختزل موقف الادارة بوصف ايران كـ”عامل خبيث وراء الأحداث”. سأل “اذا كان الأمر كذلك، لماذا ضرب الأطراف دون الرأس ؟”.
لماذا كان على القاذفات أن تقطع آلاف الكيلومترات لتصل الى أهداث ثانوية، في حين أن قيادة القيادة الوسطى تقبع على بعد كيلومترات من تلك الأهداف. هل حدث ذلك للتأثير على معنويات الأعداء، أم أن البلدان المضيفة للقواعد رفضت السقوط في المستنقع؟
الأميركي مايكل أوهانلون، الباحث في الشؤون العسكرية، صدمته “المواقف العرجاء، والمتعرجة، للادارة”. لاحظ “قهقهات آيات الله”، وهم يتلقفون كلام جو بايدن بأنه لا يسعى ألى أي حرب في الشرق الأوسط، أو في أي مكان آخر في العالم، ليسأل ما اذا كان الايرانيون “الذين يتقنون اللعبة جيداً هم من ينتخبون، هذه المرة، الرئيس الأميركي لا الأميركيون؟”.
قال “هذا وقت اذ لا يصلح للحروب لا يصلح أيضاً للقرع على الطبول الجوفاء…” !
(سيرياهوم نيوز ١-الديار)