آخر الأخبار
الرئيسية » إقتصاد و صناعة » بوادر حرب تجارية بين الحلفاء: الأوروبيون يتأهّبون

بوادر حرب تجارية بين الحلفاء: الأوروبيون يتأهّبون

 

سعيد محمد

 

يبدو أن حرباً تجارية توشك على الاندلاع بين الولايات المتحدة وأوروبا، ستسفر عن خاسرِين كثر على جانبَي الأطلسي، لكن فائزاً وحيداً قد يخرج منها: المملكة المتحدة. ففي الوقت الذي أكد فيه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، استهداف الكتلة الأوروبية بتعرفات جمركية باهظة بسبب العجز الكبير في ميزان بلاده التجاري مع الأوروبيين، تلمّست لندن بريق أمل، عندما أشار هو نفسه إلى أن بإمكان بريطانيا تجنُّب استهدافها بتعرفات إضافيّة، وأن هناك فسحة للتوصّل إلى اتفاق بين البلدين في هذا الخصوص.

 

وممّا قاله ترامب أيضاً، إن التعرفات الجمركية على الاتحاد الأوروبي «ستحدث بالتأكيد»، لأن العجز التجاري للولايات المتحدة مع دوله فادح ولا يمكن قبوله، «حيث لا يأخذ منّا الأوروبيون شيئاً تقريباً، ولكننا نأخذ منهم كل شيء»، قبل أن يضيف أن «التجارة مع المملكة المتحدة خارج الخطّ، لكنني متأكد من أنه يمكن حلّ هذه المسألة على ما أعتقد». وأبلغ الصحافيين بأنه شخصيّاً «يتوافق بشكل جيد للغاية» مع رئيس الوزراء البريطاني، السير كير ستارمر، وذلك على رغم «الحرب الافتراضية» التي يشنّها بشكل شبه يومي إيلون ماسك، عبر تطبيق «إكس»، ضدّ حكومة «حزب العمل» في لندن.

 

وفيما ترجّح كفة التجارة عبر الأطلسي بالفعل لمصلحة دول الاتحاد الأوروبي، فإن بريطانيا تمثّل حالة نادرة بين الاقتصادات الكبرى التي يميل ميزان التجارة البينية فيها لمصلحة الولايات المتحدة بشكل حاسم. وبحسب أرقام أميركية رسمية، فإن فائض التجارة في عام 2023، وصل إلى 14.5 مليار دولار لمصلحة واشنطن – وإن كان البريطانيون يعتقدون أن ذلك غير دقيق لأنه يضع لندن في سلّة واحدة مع ممتلكاتها في جزر جيرسي، وغيرنسي، ومان، فيما هي منفصلة تماماً لنواحي الموازنات العامة -، ما قد يسمح لحكومة ستارمر بهامش للجدل مع الأميركيين حول جدوى فرض تعرفات جمركية وتعرفات مضادة، في وقت تبدو فيه العلاقة التجارية بين البلدين صحيّة تماماً.

 

وكانت وزيرة المال البريطانية، راشيل ريفز، قد أصرّت، في مقابلة لها الشهر الماضي، على أن بلادها ليست على الإطلاق جزءاً من المشكلة عندما يتعلّق الأمر بالعجز التجاري الذي يتطلّع ترامب إلى تصحيحه بسياساته الجمركية (العدائية).

 

وتخلّصت بريطانيا، بداية من عهد رئيسة الوزراء الراحلة مارغريت تاتشر في سبعينيات القرن الماضي، من معظم الصناعات الثقيلة والمتوسطة، وتحوّلت إلى اقتصاد الخدمات. وبالفعل، فإن معظم الصادرات البريطانية إلى السوق الأميركية تتركّز في قطاعَي الخدمات المصرفية والاستشارات. كذلك، يعتمد حوالي مليون شخص في بريطانيا ومثلهم في الولايات المتحدة في وظائفهم، على التجارة بين البلدين، فيما تتربّع أميركا على مقعد أكبر شريك تجاري للمملكة – وفق أرقام العام المنتهي في أيلول 2024 -، وهو ما يمثّل أكثر من 17% من إجمالي التجارة البريطانية. ومثّلت السيارات والأدوية ومولدات الطاقة والمعدات العلمية والطائرات، أهم خمسة أنواع من السلع التي صدّرتها الولايات المتحدة إلى بريطانيا، بقيمة إجمالية بلغت حوالي 32 مليار دولار.

 

قد يندفع الأوروبيون، في النهاية، إلى توسيع نطاق التبادلات التجارية مع بكين

 

 

ولا يخفي البريطانيون رغبتهم في استجلاب مزيد من الاستثمارات والبضائع الأميركية إلى سوقهم، ولا سيما بعد خروجهم من ربقة المواصفات الأوروبية المتطلّبة – التي طالما أعاقت انتقال كثير من المحاصيل الزراعية واللحوم والمواد الغذائية المصنّعة إلى القارة القديمة -، وذلك بعد تخلّي لندن عن عضويّتها في الاتحاد الأوروبي قبل خمس سنوات.

 

وبحسب صحف لندن، فإن ستارمر لن يختار جانباً في حرب التعرفات الجمركية المتوقعة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ما قد يسمح لبريطانيا – إن تجنّبت التعرفات – أن تكتسب ميزة استراتيجية في التجارة مع الجانبين، وتصبح موقعاً جاذباً للاستثمارات والشركات والمبادرات، وهو أمر يحتاج إليه اقتصاد المملكة بشدّة، بعد أكثر من عقد من الجمود الاقتصادي والتضخّم المفرط. ووفقاً لخبراء، فإن قطاعات قوية تقليديّاً في بريطانيا، من مِثل صناعات الترفيه والأزياء والأدوية والتكنولوجيا المتقدّمة، تشهد فرصة نادرة لازدهار سريع عبر استغلال إمكانات التجارة مع جانبَي الأطلسي في آن، والاستفادة من ميزة غياب التعرفات مقارنةً بالمُنتجين الأميركيين والأوروبيين. كما أن صناعات أخرى مثل السيارات، وتقنيات الفضاء، والخدمات المالية، يمكن أن تتوسّع لتستفيد أيضاً من زيادة الطلب عندما يبدأ المشترون الأميركيون والأوروبيون البحث عن مورّدين لا يضطرّون إلى دفع تعرفات جمركية باهظة على مشترياتهم منهم.

 

وانعكس هذا المزاج المتفائل بعد إشارات ترامب المطمئنة، على الجنيه الإسترليني الذي شهد ارتفاعاً في مقابل اليورو والدولار الكندي وعملات أستراليا ونيوزيلندا، ما يشير إلى أن رؤوس الأموال العالمية قد تنظر بالفعل إلى المملكة المتحدة باعتبارها ملاذاً آمناً محتملاً من العاصفة الترامبية الآتية، وبخاصة في ظلّ الفوضى السياسية والانكماش الاقتصادي في ألمانيا وفرنسا، مركزَي ثقل الاتحاد الأوروبي.

 

في المقابل، فإن مناخاً حربيّاً يسود الأجواء في بروكسل، والعواصم الرئيسيّة على البر الأوروبي. وبحسب تقييمات أجراها متخصّصون، فإن الاتحاد الأوروبي ربما يكون في موقف جيّد للردّ على فرض الولايات المتحدة أيّ رسوم جمركية على السلع الأوروبية، كما أن تعرفات مضادة قد يلجأ إليها الاتحاد ستضرّ بالأميركيين على نحو متوازٍ. لكن النخب الأوروبية تميل نحو الضغط في اتجاه وضع ترتيبات تجارية ترضي ترامب، والتفاوض معه بدلاً من التورّط في حرب تجارية مفتوحة سيخسر فيها الجميع؛ علماً أن الاتحاد يمثّل بسوقه الموحدة أهمية كبرى لأيّ شريك تجاري عالمي، لكنّ هيمنة الولايات المتحدة المستمرّة على النخب الأوروبية تضعف من عزم هذه الأخيرة على مواجهة ترامب بصرامة.

 

في هذا الوقت، تترقّب الأسواق بتوجّس الخطوة التالية للرئيس الأميركي، بعدما بادر إلى فرض تعرفات جمركية إضافية على الواردات من كندا والمكسيك (25%)، والصين (10%). وفيما نجح زعماء كندا والمكسيك في تأجيل سريان التعرفات شهراً، لمحاولة التوصّل إلى تفاهمات مع الجانب الأميركي، فإن الصين ردّت على الفور بفرض تعرفات بنسبة 15% على واردات الطاقة والمعدات الزراعية الأميركية إليها.

 

وبينما يتعرض الأوروبيون لضغوط من جهة الولايات المتحدة، ثاني أكبر شريك تجاري لهم بعد الصين، فإن ذلك قد يدفعهم، في النهاية، إلى توسيع نطاق التبادلات التجارية مع بكين – على رغم السعي الحثيث من قبل واشنطن طوال السنوات الأخيرة لمنعهم من سلوك هذا الطريق -، كما مع دول العالم الأخرى، بما فيها كندا والمكسيك ومجموعة «ميركوسور» في أميركا اللاتينية (الأرجنتين والبرازيل والأوروغواي وباراغواي)، وبشكل أقلّ فنزويلا وبوليفيا اللتين لم تكتسبا العضوية الكاملة بعد؛ وهذه بمجموعها أسواق ضخمة قد تعوّض حال ارتفاع وتيرة التجارة معها، الانكماش المتوقّع للسوق الأميركية إذا فُرضت التعرفات.

 

واستنتج أولي رين، محافظ البنك المركزي في فنلندا وعضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، في مقابلة له مع «فايننشال تايمز» اللندنية، بأن «صراعاً تجارياً بين الحلفاء، بينما تدور حرب وحشيّة في أوكرانيا، هو آخر ما تحتاج إليه القارة، ولكن استهداف الاتحاد الأوروبي بالتعرفات سيكون ضارّاً، ولا يمكننا ببساطة الاستلقاء وانتظار التهديدات الأميركية حتى ولو كانت نيراناً صديقة».

 

 

 

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١ الاخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

وزارة النفط: استئناف استجرار النفط والغاز الطبيعي من شمال شرق سوريا جاء وفق عقد سابق تمت دراسته وتعديله

أكدت وزارة النفط والثروة المعدنية أن استئناف استجرار النفط والغاز الطبيعي من شمال شرق سوريا جاء وفق عقد كان معمولاً به سابقاً، وقد تم دراسته قانونياً ...