بعد طول تردُّد، عدلت الولايات المتحدة عن موقفها القاضي بعدم تزويد أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى، معلنةً المضيّ قُدُماً في حزمة مساعدات عسكرية، تتضمّن أنظمة الصواريخ المدفعية عالية الحركة «هيمارس»، والتي في مقدورها استهداف الأراضي الروسية المتاخمة لأوكرانيا، وتالياً تهديد الأمن القومي لهذا البلد. قرارٌ، وإن أكدت موسكو أنه لن يغيّر من المعادلات القائمة على الأرض، فهي توعَّدت بـ»ضرب مراكز القرار»، من دون أن تُحدِّد ماهيتها، وبتوسيع دائرة الاستهداف لتشمل أهدافاً كانت لا تزال بمنأى عن العملية العسكرية
موسكو | احتلّ ملفّ تزويد الولايات المتحدة وبريطانيا، أوكرانيا، بأسلحة وصواريخ قادرة على استهداف روسيا، حيّزاً مهمّاً في أجندة القيادة الروسية. ولمّا كان التخبُّط حيال تزويد كييف بصواريخ بعيدة المدى سِمَة الإدارة الأميركية، خصوصاً بعد تأكيد الرئيس الأميركي، جو بايدن، أن بلاده لن تزوّد كييف بصواريخ من هذا النوع، يبدو أن البيت الأبيض عدل أخيراً عن موقفه، وهو ما تجلّى في إعلان وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، عن حزمة مساعدات عسكرية جديدة لأوكرانيا بقيمة 700 مليون دولار، تتضمَّن أنظمة الصواريخ المدفعية عالية الحركة «هيمارس – HIMARS»، بالإضافة إلى 1000 صاروخ «جافلين» ومنصّات إطلاق.
وكان قرار بايدن القاضي عدم تزويد أوكرانيا بهذه الصواريخ، قوبِل بترحيبٍ روسي، عبّر عنه نائب رئيس مجلس الأمن القومي، ديمتري ميدفيديف، الذي وصف ذلك القرار «بالتصرُّف العاقل»، ولكنّه عاد ليحذّر، بعد ساعات، من أن موسكو «ستضرب مراكز القرار»، في حال مضيّ واشنطن قُدُماً بقرارها تسليم كييف صواريخ بعيدة المدى من شأنها أن تُهدّد الأمن القومي الروسي. وفيما لم يحدِّد ميدفيديف ماهية «مراكز القرار» التي تحدّث عنها، خرجت تصريحات من الكرملين ووزارة الخارجية تحذِّر من مغبة إرسال مزيد من الأسلحة إلى أوكرانيا، على رغم تأكيد هذه الجهات أن الخطوة الأميركية لن تغيّر من المعادلات القائمة على الأرض، بل ستسهم في تدمير أوكرانيا، فضلاً عن تحقيق رغبة واشنطن في «قتال روسيا حتى آخر أوكراني».
قال بوتين إن جنوده يتصيدون الأسلحة الأميركية «كالجوز»
تصاعد حدّة الموقف الروسي جاء تحديداً بعد قرار الولايات المتحدة تزويد كييف بمنظومة «هيمارس»، لِما تشكّله من خطر على الأراضي الروسية، وخصوصاً على المقاطعات الواقعة على الحدود مع أوكرانيا، في حال زُوّدت كييف بالنُسخ عالية الدقّة من الصواريخ البالغ مداها 300 كيلومتر، وفق ما يقول الباحث في «مركز بحوث أميركا الشمالية» في معهد «بريماكوف» للاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، الخبير العسكري إيليا كرامنيك. ويجمع الخبراء الروس على أن موسكو لا تثق بإعلان بايدن أن بلاده لن تورّد صواريخ بعيدة المدى لأوكرانيا، لأن الرؤية الروسية حيال تصرّفات واشنطن في الأزمة الأوكرانية، تبيّن أن الأخيرة معنيّة بقتال موسكو في كييف حتى آخر أوكراني من دون أن تهتم أبداً بعواقب ذلك.
ويبقى الردّ الروسي في حال نفّذت واشنطن وعدها وسلّمت كييف أسلحة تهدِّد روسيا، محلّ ترقُّب، لا سيما وأن بوتين ترك الباب مفتوحاً أمام تخمين ماهية الأهداف التي تحدّث عنها. وهنا، يمكن التكهّن بأن الجبهة الغربية من أوكرانيا على الحدود مع بولندا تحديداً، ستكون في دائرة الاستهداف مستقبلاً، كونها تعتبر منطقة عبور الأسلحة الغربية إلى هذا البلد منذ انطلاق العملية العسكرية. ويسود اعتقاد لدى الخبراء بأن روسيا ستسمح بعبور هذه الأسلحة، ليجري استهدافها وتدميرها في الأراضي الأوكرانية. ولا يمكن فصل الحديث عن تزويد أوكرانيا بأسلحة إضافية، عن التطورات الميدانية، إذ يدرك الغرب أن كييف بحاجة إلى جرعة دعم معنوية ومادية عقب الخسارات التي تلقّتها أخيراً، وهو ما جعل القيادة الأوكرانية تقرّ بالفعل بأن الأوضاع لا تمضي وفق ما تبتغيه. أمّا من جهة موسكو، فيَظهر جليّاً أن الأهداف التي وضعتها للمرحلة الثانية من العملية العسكرية، أصبحت قاب قوسين من التحقُّق.