.
جورج عيسى
تقدم، زحف، اختراق…
إنها الكلمات الأكثر تداولاً على وسائل الإعلام لوصف سيطرة روسيا المطّردة على الأراضي الأوكرانية، منذ نحو عامين. بالرغم من صحتها بشكل عام، تعجز هذه الكلمات عن تصوير البطء الرهيب للقوات الروسية في احتلال هذه الأراضي، ناهيكم عن تكلفة المساحة المحتلة وضآلتها.
بحسب “إيكونوميست”، سيطرت روسيا منذ بداية 2023 على نحو 1 في المئة من الأراضي الأوكرانية. لا يُعدّ ذلك بالضبط “إنجازاً” ميدانياً. وبحسب “ديپ ستايت” الأوكرانية، سيطرت روسيا منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2022 على نحو 0.97 في المئة من الأراضي.
دونيتسك… الصداع الأعنف
منذ السيطرة على أفديفكا في شباط/فبراير 2024 وحتى نيسان/أبريل 2025، تقدمت روسيا نحو مدينة بوكروفسك غرباً مجتازة مسافة 60 كيلومتراً، أي ما معدله 135 متراً في اليوم الواحد، بحسب “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية”. بالقرب من خاركيف، كان التقدم أبطأ مع 50 متراً يومياً.
يفتح الحديث عن بوكروفسك نقاشاً واسعاً حيال دونباس. يضم الإقليم منطقتي لوهانسك ودونيتسك حيث تسيطر روسيا على الأولى بشكل كامل تقريباً، وعلى نحو 75 في المئة من دونيتسك. يريد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أوكرانيا الانسحاب الكامل من دونيتسك كي يجمد الحرب في المنطقتين الأخريين اللتين تحتل روسيا أيضاً نحو 70 في المئة منهما: زابوريجيا وخيرسون.
لكن موقف بوتين التفاوضي ليس صلباً لفرض جميع شروطه بسهولة. بحسب ما كتبه كليمان مولان، وهو مراقب للنزاعات وخرائطها. سيطرت روسيا في دونيتسك على 5100 كيلومتر مربع في 30 شهراً. لا يزال يتبقى أمامها السيطرة على 6500 كيلومتر مربع للإطباق على كامل دونيتسك.
خريطة التقدم الروسي في دونيتسك (معهد دراسة الحرب)
خريطة التقدم الروسي في دونيتسك (معهد دراسة الحرب)
ويتعين على روسيا احتلال نحو 9 مدن محصنة ذات كثافة سكانية عالية. من هنا، تساءل المراقب نفسه عن أي نية جادة لأوكرانيا كي تقبل طلب بوتين:
“مَن سيكون مجنوناً بما يكفي لكي يتنازل بلا قتال عن مدن ضمت أكثر من 600 ألف نسمة، بينما استولت روسيا على مدن سكنها فقط 250 ألف نسمة في 3 أعوام من الحرب؟”.
حسابات بوتين
من الجدير ذكره أن الأرقام المتصلة بالتقدم الروسي خلال الأشهر الثلاثين الماضية لم تنطلق من الصفر. لقد خاضت روسيا حرباً مباشرة وبالوكالة في الدونباس منذ 2014. وحتى بداية الغزو الواسع النطاق سنة 2022، كانت روسيا تسيطر على نحو 30 في المئة من المنطقتين تقريباً.
يبيّن كل ذلك حجم المهمة الملقاة على عاتق القوات الروسية في الأشهر الطويلة المقبلة إذ سيتعين عليها احتلال أكثر من ضعف ما احتلته طوال الأعوام الثلاثة الماضية تقريباً. لهذا السبب، يقدم بوتين تنازلاً ظاهرياً في زابوريجيا وخيرسون، حيث في الأساس، يشكل نهر دنيبرو عائقاً أمام تقدم الجيش الروسي، بالتحديد في الثانية. عبر محاولة تضليل الإدارة بهذا التنازل، يستغل بوتين أميركا لفرض ضغط على الأوكرانيين، كي يحصّل بالديبلوماسية ما عجز عن تحصيله بالحرب.
لا يعني كل ذلك أن بوتين غير مستعد لإقحام المزيد من الجنود في دونيتسك لاحتلالها. هو يعتقد أن تسارع وتيرة التقدم في الأشهر القليلة الماضية، كما الاختراق السريع بالقرب من دوبروبيليا مؤخراً واقتراب سقوط بوكروفسك والتفوق العددي لجنوده، هي عوامل تكشف وتضغط على ثغرات متفاقمة في الدفاعات الأوكرانية.
لكن قبول بوتين بالتفاوض يُظهر، ولو جزئياً، أنه بدأ يعترف بحدود قدرات جيشه على تحقيق أهدافه، إلى جانب الأكلاف العسكرية الباهظة التي يتكبدها.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار