علي السردي
في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها النظام الدولي وتصاعد التوترات بين القوى الكبرى، تكتسب زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الهند أهمية استثنائية، إذ تأتي في لحظة جيوسياسية دقيقة تعيد تشكيل خرائط النفوذ وتكشف عن توجهات جديدة في بنية العلاقات الدولية. فالهند وروسيا، اللتان ترتبطان بتاريخ طويل من التعاون الاستراتيجي، تسعيان اليوم إلى توسيع دائرة شراكتهما بما يتجاوز الإطار التقليدي، ليصبح رافعة مؤثرة في صياغة توازن عالمي يعكس تعددية القوى وطبيعة المرحلة القادمة.
وتمثل الزيارة نقطة انعطاف بارزة في سياق دولي يزداد تعقيداً، حيث تتقاطع الأزمات الأمنية مع المواجهات الاقتصادية وتتسع مساحات التنافس بين الأقطاب الصاعدة. وتبرز الهند، بثقلها السكاني واقتصادها السريع النمو وقدراتها العسكرية المتقدمة، كقوة قادرة على إعادة توزيع موازين القوة في آسيا والعالم، فيما ترى موسكو في تعزيز شراكتها مع نيودلهي خطوة استراتيجية تتيح لها توسيع خياراتها ومواجهة الضغوط الغربية المتزايدة. كما تمنح هذه الشراكة الطرفين مساحة أكبر للتحرك بعيداً عن الاستقطاب الحاد بين المعسكرات التقليدية.
وفي ظل العقوبات الغربية المفروضة على روسيا منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية، تبدو الهند شريكاً اقتصادياً وسياسياً لا غنى عنه لموسكو، خصوصاً في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والابتكار الدفاعي. فقد أثبتت نيودلهي، من خلال اتباعها سياسة خارجية متعددة المحاور، قدرتها على الحفاظ على علاقات متوازنة مع مختلف القوى العالمية دون الارتهان لأي طرف، ما يجعلها نقطة ارتكاز أساسية في التحولات الجارية داخل النظام الدولي.
وتكشف المباحثات بين بوتين والقيادة الهندية عن رغبة مشتركة في تحديث البنية الدفاعية للبلدين عبر مشاريع تصنيع عسكري متقدمة وتطوير أنظمة مشتركة لتوطين التكنولوجيا الحيوية في القطاعات الاستراتيجية. ولا يقتصر التعاون على المجال العسكري، بل يمتد إلى الصناعة والفضاء والطاقة، في إطار رؤية أوسع تستهدف بناء شراكة مستقرة قادرة على الصمود أمام الضغوط الدولية وإعادة هندسة التفاعلات الاقتصادية والسياسية في المنطقة.
أما بالنسبة لروسيا، فإن تعميق حضورها في جنوب آسيا لم يعد خياراً تكتيكياً بل ركيزة أساسية في سياستها الخارجية، خاصة في ظل احتدام التنافس الأميركي–الصيني. وتمنحها العلاقة المتينة مع الهند فرصة لإعادة تثبيت موقعها كفاعل رئيسي في معادلات الأمن الإقليمي والدولي، ورسالة واضحة بأن موسكو لا تزال قادرة على بناء تحالفات مؤثرة رغم محاولات عزلها.
وختاماً إن زيارة بوتين إلى الهند تتخطى حدود المجاملة الدبلوماسية لتشكل خطوة عملية نحو إعادة صياغة العلاقات الدولية، إذ تؤسس لشراكة تستند على مصالح استراتيجية عميقة ورؤية مشتركة لنظام عالمي أكثر توازناً وتعدداً. ومع اتساع التعاون بين موسكو ونيودلهي، يبدو أن المرحلة المقبلة ستشهد بروز محور سياسي واقتصادي قادر على التأثير في مسار الأحداث العالمية، وفتح الباب أمام معادلة دولية جديدة لا تهيمن عليها قوة واحدة، بل تقوم على تفاعل مرن بين الأقطاب الصاعدة والقوى التقليدية في آن واحد.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _راي اليوم
syriahomenews أخبار سورية الوطن
