خضر خروبي
في أول انتخابات رئاسية تشهدها روسيا منذ بدء حرب أوكرانيا، والمقرّرة على مدى ثلاثة أيام (17 – 19 آذار)، يكاد المشهد السياسي والإعلامي في «الإمبراطورية» التي تتقاسمها جغرافيّاً قارّتان، في 11 منطقة زمنية، والبالغ عدد سكانها قرابة 147 مليون نسمة، يخلو من أيّ عراقيل على طريق تتويج فلاديمير بوتين لولاية جديدة، مدّتها ست سنوات، ليصبح، في حال فوزه وإتمامه كامل ولايته الخامسة، الأطول عهداً في تاريخ البلاد، ولتتجاوز مدة حكمه عدد السنوات التي قضاها جوزيف ستالين في الحكم.بعد ما أشيع، في المدة الماضية، من تكهّنات حول إمكانية إجراء الانتخابات الرئاسية من عدمها، بسبب ظروف الحرب التي تعيشها البلاد، إضافة إلى الوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب، يبدو الكرملين أكثر إصراراً على إتمام الاستحقاق، بقصد توجيه رسائل سياسية إلى الداخل والخارج. ولهذا، فضّل بوتين الإعلان عن ترشّحه للانتخابات الرئاسية لدى لقائه حشداً من قدامى المحاربين على الجبهة الأوكرانية، خلال حفل أقيم في الكرملين، وليس في خطاب جماهيري في مناسبة سياسية تقليدية، كما كان يفضّل مستشاروه. ومع بدء التصويت المبكر في الـ26 من شباط الماضي، في الدوائر الانتخابية النائية شرقي البلاد، يراهن الرئيس الروسي على مجموعة عوامل، أبرزها سياسي، ويتمثّل في خروج المعارض الأكثر إثارة لقلق بوتين، أليكسي نافالني، من المشهد السياسي، بعد وفاته في سجنه، الواقع في أقصى شرق البلاد؛ وآخر ميداني يتّصل بجانب أساسي، وربّما وحيد في حملته الانتخابية، كان قد أكده في خطاب «حال الأمة»، في الـ29 من شباط الماضي، وهو ما يصفه بـ«النظام النازي» في كييف، وخصوصاً بعد استعادة زخم عملياته العسكرية داخل حدود جارته غرباً، مع نجاح القوات الروسية، في الأسابيع الماضية، في السيطرة على عدة مناطق، كمدينة أفدييفكا، وقرية نيفيلسكي بالقرب من مدينة دونيتسك.
أيضاً، يتسلّح البرنامج الانتخابي لبوتين، والقائم على إذكاء «البعد الوطني» و«الوجودي» لتلك الحرب، و«متعلّقاتها الإستراتيجية والقيمية» في المعركة مع الغرب، بنجاح اقتصاد البلاد في الصمود في وجه العقوبات الغربية، علماً أن الاقتصاد الروسي الذي انكمش بنسبة 1.2% فقط في عام 2022، حقّق، وخلافاً للتوقعات، نمواً بنسبة 3.6% في عام 2023، وفقاً لأرقام «صندوق النقد الدولي». ومع هذا، لم يغفل بوتين عن «تطعيم» ترشيحه للرئاسة، بالإشادة بما وصفه بـ«خامس أكبر اقتصاد في العالم»، وبإشارات واعدة حيال الهموم الحيوية للمواطنين الروس، وذلك نزولاً عند نصيحة فريقه الاستشاري.
وبالحديث عن المناخ العام، تلعب القنوات التلفزيونية الحكومية والصحف الرسمية المهيمنة على المشهد الإعلامي في روسيا، دوراً مهماً في ترجيح كفّة «المرشّح الرئيس»، مع توسيع صلاحيات السلطات الرقابية على وسائل الإعلام في الأعوام الماضية، والتي أفضت إلى إقفال عدد منها، كموقع «Meduza» الإخباري، وقناة «Dozhd»، تحت ذرائع تتّصل بتهديد النظام الدستوري والسلطتَين الأمنية والعسكرية. وخلال السنوات الأخيرة، أُقرّت قوانين عدّة، يمكن إدراجها في إطار الأجندة السياسية والاجتماعية «المحافِظة» للكرملين، على رأسها التعديلات الدستورية التي أُقرّت عام 2020، والتي منحت مؤسّسة الرئاسة صلاحيات واسعة، وسمحت لبوتين بالترشح لولايتَين رئاسيتَين إضافيتَين، فضلاً عن إقرار سلسلة تشريعات أخرى تصب في خانة تضييق الهامش المتاح أمام التحركات الاحتجاجية، بخاصة تلك المعارضة للحرب.
83% من المستطلعين الروس، يؤيّدون تركيز السياسات العامة على القضايا الداخلية، بدلاً من الانشغال بملفّات السياسة الخارجية
وتشير تقارير غربية، إلى أن الكرملين خصّص ميزانية تفوق المليار دولار، من ضمنها نحو 700 مليون، لأغراض القيام بـ«حملة حرب معلوماتية»، من أجل استمالة الرأي العام، والتأثير في اتجاهاته. وفي هذا السياق، تنقل صحيفة «غارديان» عن مدير إحدى الجمعيات المشاركة في حملة الدعاية الانتخابية لبوتين، تأكيده مضاعفة مستويات الإنفاق على الحملة عبر شبكة الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، خلال الولاية الحالية للرئيس الروسي، بمقدار عشرين ضعفاً، وحديثه عن أن منظمته اضطلعت وحدها بنحو 40% من النشاطات الرامية إلى «تحقيق ما تطلبه الدولة». كما تكشف الصحيفة البريطانية، بالاستناد إلى ما قالت إنها وثائق روسية مسرّبة خاصة بالكرملين، عن وجود تمويل حكومي بملايين الدولارات لشبكة واسعة من المنظمات غير الحكومية والشركات المتخصصة في صناعة المحتوى الدعائي والإعلاني، سواء عن طريق إنتاج فعاليات وأعمال فنية تركّز على «تمجيد الحرب في أوكرانيا»، كالمهرجانات الشبابية، والأفلام السينمائية؛ أو عن طريق أنشطة تعنى بمخاطبة الرأي العام للغرض نفسه من قبيل تأسيس سلسلة قنوات عبر موقع «تلغرام»، وإجراء استطلاعات للرأي، ولا سيما في المقاطعات الأربع المنضمّة حديثاً إلى روسيا. وتُعدّ شركة «IRI»، التي يديرها الإعلامي المقرّب من الرئيس الروسي، أليكسي غورسلافسكي، إحدى أبرز تلك الشركات، ولا سيما أنّ حصّتها السوقية في صناعة المحتوى الإعلامي والسينمائي في روسيا تقارب نحو 40%، علماً أنها حصلت على تمويل من الدولة خلال عام 2023 بلغ 22 مليار روبل، رُصد حوالى 18 ملياراً منها للقيام بنشاطات لحساب الحملة الانتخابية للرئيس.
في المقابل، يواجه «المرشّح الرئيس»، رغم أرجحية فوزه، تحدّيات على غرار وجود شريحة كبيرة من الشارع الروسي لا تؤيّد الحرب في أوكرانيا، في وقت يتطلّع فيه بوتين إلى أوسع مشاركة انتخابية ممكنة في الانتخابات الرئاسية، بوصفها فرصة لاستفتاء الشعب الروسي حول مدى شرعية نظامه، وخصوصاً أن الفعاليات الانتخابية غالباً ما تشكّل منصة سياسية للمعارضين لتحشيد الرأي العام ضدّ السلطات، تماماً كما حدث بعد انتخابات عام 2021. وهذا بالضبط ما تشير إليه الباحثة في «مركز كارنيغي روسيا أوراسيا» للدراسات السياسية والإستراتيجية، تاتيانا ستانوفايا، حين تقول إن «تنظيم الانتخابات يحظى بأهمية بالغة بالنسبة إلى بوتين، لكونها تشكّل أحد المداخل الأساسية (لتعزيز حكمه)». وخلافاً لاستطلاعات الرأي، حتى الغربية، التي تشير إلى تأييد غالبية الروس، سياسات بوتين، وفي طليعتها الحرب على أوكرانيا، يستعرض المحلّل السياسي الروسي وأحد مؤسّسي منظّمة «Chronicles» لبحوث الرأي العام، أليكسي مينيايلو، نتائج استطلاع أجرته منظمته في كانون الثاني الفائت، أَظهر أن 83% من المستطلعين الروس، يؤيّدون تركيز السياسات العامة على القضايا الداخلية، بدلاً من الانشغال بملفّات السياسة الخارجية، في حين أيّد نحو 58% منهم التوصّل إلى اتفاق هدنة مع الجانب الأوكراني. وتابع أن «ما يتوجّب علينا أن نلتفت إليه، ليس نتائج انتخابات السابع عشر من آذار، بحدّ ذاتها، بقدْر ما يتعيّن علينا الالتفات إلى ما ستظهره في شأن ما يتطلّع إليه الروس»، شارحاً أن نسبة كبيرة من المستطلعين تفضّل انتخاب رئيس «قادر على حلّ القضايا الدولية عبر الديبلوماسية، وليس عبر الحرب، على أن يتفرّغ لحلّ المشكلات الاجتماعية والاقتصادية في البلاد، وخاصة في المناطق النائية».
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية