آخر الأخبار
الرئيسية » حول العالم » بوتين – كيم: ثقب جديد في جدار الهيمنة الأميركي

بوتين – كيم: ثقب جديد في جدار الهيمنة الأميركي

عبد المنعم علي عيسى

 

 

تندرج العلاقات بين كل فيتنام وكوريا الشمالية من جهة، وروسيا من جهة أخرى، في سياقات يمكن وصفها بـ«التاريخية»، نظراً إلى قدمها أولاً، ثم إلى الطابع الذي اتخذته ثانياً، عندما كانت للأيديولوجيا الماركسية الكلمة الفصل في ثالوث موسكو – هانوي – بيونغ يانغ، قبل أن يغادره الضلعان الأولان، ليبقى الأخير محافظاً على الإرث الذي قامت عليه دولته منذ انتهاء الحرب الكورية عام 1953. لكن هذا لا يعني أن تلك الأيديولوجيا بقيت في ذلك الضلع، تماماً كما كانت عليه زمن المرحلة السوفياتية، إذ دائماً ما كان لزاماً أن يفرز زلزال «السقوط» الحاصل عام 1991، مفاهيم وأفكاراً جديدة، ثم يفضي بالضرورة إلى مراجعات قد تطال منظومة العلاقات وتراتبيتها على سلّم الاحتياجات التي يراها أي كيان، أو نظام، لازمة لديمومته.لا تتشابه الأغراض التي رمى إليها بوتين عبر الزيارة التي قام بها إلى كل من كوريا الشمالية وفيتنام؛ فالأخيرة سبق لها أن غادرت «الحنين» إلى الحقبة السوفياتية منذ أمد غير قصير، بل وسلكت طريقاً مغايراً له تماماً، حتى أضحت الولايات المتحدة هي الشريك التجاري الأكبر لها. لكن ما دفع الرئيس الروسي إلى زيارتها، عاملان اثنان: الأول أنها رفضت المشاركة في قمة سويسرا الأخيرة، والتي انعقدت بداعي البحث عن تسوية للحرب الأوكرانية؛ والثاني أنها عبّرت عن نيتها المشاركة في الاجتماع المقبل لمجموعة «البريكس»، والمقرر في حزيران الجاري في مدينة نيجني نوفغورود الروسية، ما يشير إلى نية هانوي انتهاج سياسة متوازنة إلى حد ما. ولربما كان كلا الموقفين من النوع الذي يمكن البناء عليه بالنسبة إلى موسكو التي تسعى عبر تحركاتها الأخيرة، إلى تعميق خطوط الصدع في نظام الهيمنة الأميركي القائم منذ عام 1991. ومن المؤكد أن الشد بأيّ من تلك الخطوط، بأي درجة، يمكن له أن يكون خادماً للمسعى الآنف الذكر. ما عدا ذلك، لا توجد أهمية كبرى للمحطة الفيتنامية من المنظور الروسي، و«الثأر» الذي يغتلي في صدر بوتين جرّاء السقوط المدوي لـ«الإمبراطورية» عام 1991، لا صدى له في صدور الفيتناميين الذين أرسوا قطيعة تامة مع مرحلة هو شي منه.

وحدها محطة بيونغ يانغ حظيت بالاهتمام والقلق الغربيين، ولربما كان هناك الكثير في الأمر مما يدعو إليهما، في التوقيت والشكل والمضمون. في التوقيت، يبرز عامل أساسي هو أن السياسة الروسية تسعى إلى رد الاعتبار إلى العلاقات الودية التقليدية مع بيونغ يانغ، التي ترى موسكو أن في الإمكان توسعة دورها إلى حد أن تصبح عنصراً ثالثاً إلى جانب موسكو وبكين، في مواجهة التحالف القائم راهناً في شمال شرق آسيا والذي يضم واشنطن وطوكيو وسيول. والراجح أن ذلك، إذا حصل، سيشكّل التهديد الأخطر على الأمن القومي الأميركي منذ نهاية الحرب الكورية. وفي الشكل، يبدو أن كلا الطرفين يلتقي مع الآخر عند مصب واحد؛ فموسكو ترى أن في العودة إلى الفضاءات السوفياتية مصلحة تتعدى «الحنين». أما بيونغ يانغ، فترى أن الاستجابة للعودة الروسية الآنفة الذكر، سكين يساعد في تمزيق نسيج عزلتها الدولية من جهة، ويكسبها حليفاً وازناً من النوع الذي تتشارك معه الكثير من الآمال والأهداف من جهة أخرى. وفي المضمون، فإن تعميق المشاركة العسكرية بين روسيا وكوريا الشمالية يمكن له أن يؤدي إلى نشوء توازنات إقليمية طويلة الأمد، الأمر الذي يرهق القدرات العسكرية الأميركية، وتلك سياسة من المؤكد أن موسكو قد اعتمدتها حينما أعلنت عن سعيها إلى تعزيز التعاون العسكري مع جميع الدول الداعمة للسياسة الروسية، والمناهضة، بالضرورة، لنظام الهيمنة الأميركي القائم.

يسعى بوتين عبر سياسته التي انتهجها منذ شباط 2022 – المحطة التي أظهرت بشكل صارخ نوايا الغرب السوداء تجاه روسيا -، إلى تقوية علاقاته التقليدية مع بلدان تربطها ببلاده وشائج «الحنين»، وكذا يربطها معها فعل التراصف في جبهة غير منتظمة، هي أقرب إلى التململ من النظام الدولي السائد. والهدف الأكيد من هذه السياسة هو توظيف تلك الجبهة، التي تبدأ عند روسيا البيضاء وتصل إلى كوبا مروراً بإيران وكوريا الشمالية وسوريا والجزائر، في مواجهة الغرب وضغوطه المستمرة على روسيا. واللافت أن النهج الحالي يتشابه مع ذلك الذي كان الاتحاد السوفياتي ينتهجه في زمن الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، مع فارق وحيد هو تخلّص النهج الجديد من فخ الأيديولوجيا، بما يمثل ميزة له، قياساً إلى العبء الذي تخلّفه الأخيرة على العلاقات بين الدول في كثير من الحالات.

ترى موسكو أن الخيارات الغربية التي يمكن استخلاصها من تقرير أصدره معهد «استوكهولم للدراسات الإستراتيجية»، ورد فيه بالحرف أن «الدولة الروسية سوف تعود إلى أن تصبح دولة – مدينة كما كانت عام 1512، حدودها حدود موسكو»، لديها ما يقابلها من خيارات يمكن لـ«الشرق» أن يسلكها كنهج يعتدّ بالكثير من المعطيات والوقائع. فالحرب في غزة، وفي أوكرانيا، أحدثتا «شقوقاً» وازنة في نسيج القطبية الأحادية، بل إن التباشير التي راحت تقذف بها الأحداث، في الأولى تحديداً، تشير إلى إمكان أن يصبح «الطوفان» لواشنطن، كما كانته «محطة» تشرين الثاني 1956 لكل من لندن وباريس اللتين تراجعتا لتخليا الساحة أمام صعود قوى جديدة كانت قد استكملت شروط الاضطلاع بالدور الذي رسم ملامح العالم لمدة تزيد على نصف قرن. ومن المؤكد الآن أن ثمة قوى راحت تمارس فعل «الإحماء» على وقع هذه «الزلازل» التي ستنجم عنها بالتأكيد سلسلة هزات ارتدادية، من شأنها تمزيق نسيج هذا الغرب الذي انسلخ «قشره» عنها ليبين «اللب»، كاشفاً عن عطب بنيوي فيه يقول بعدم قدرة خلاياه على توليد الدم. ولذا، فهو يحتاج إليه جاهزاً.

 

سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية

x

‎قد يُعجبك أيضاً

إيران تمد التصويت في انتخابات الرئاسة بعد دعوة الزعيم الأعلى للإقبال بقوة وسط تصاعد التوتر الإقليمي بسبب الحرب في قطاع غزة

يدلي الإيرانيون بأصواتهم لاختيار رئيس جديد اليوم الجمعة بعد وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي في حادث تحطم طائرة هليكوبتر، إذ يختارون من بين مجموعة من أربعة ...