آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » «بوغونيا» يورغوس لانثيموس: كوميديا قاتمة عن الرأسمالية

«بوغونيا» يورغوس لانثيموس: كوميديا قاتمة عن الرأسمالية

 

شفيق طبارة

 

في «بوغونيا»، يعود يورغوس لانثيموس بفيلمٍ ساخر عن جنون المؤامرة وعجز الإنسان المعاصر عن التمييز بين الحقيقة والوهم. عبر قصة موظفٍ يختطف مديرة شركته معتقداً أنها كائن فضائي، يصوّر المخرج عالماً تحكمه الخوارزميات والخوف، حيث تتحوّل الرأسمالية إلى طائفةٍ جديدة، والإيمان بالأكاذيب إلى خلاصٍ زائف

 

يُحبّ اليوناني يورغوس لانثيموس سرد قصص عن القضايا الاجتماعية الراهنة، من خلال المرور عبر بوابة الحيوانات.

 

قصص راهنة من بوّابة عالم الحيوان

«ناب الكلب» (2009، Dogtooth) و «قتل الغزال المقدّس» (2017، The Killing of a Sacred Deer)، حكايات عائلية تتسلل الزخارف الحيوانية إلى سردها وعناوينها، و«جراد البحر» (2015، The Lobster)، تناول أزمة العلاقات التي تحوّل الإنسان إلى حيوان يختاره. واستمراراً للسلسلة، يجسّد «بوغونيا» (2025، Bugonia) النحل كنوع من المثال الاجتماعي المثالي، إذ يخدم جميع العمّال رغبات الملكة مع وضع مصالح الخلية في الحسبان.

 

أنقذوا الكوكب الأخضر

إذاً يبدأ الفيلم بالنحل، وينتهي بأكثر طريقة غير متوقعة، بينما يحذرنا مما يمكن أن نصبح عليه على مذبح التعصب والإفراط والمؤامرة. وإذا لم نكن حذرين بما فيه الكفاية، كلّ ما هو بشري يمكن أن يختفي منّا.

 

في «بوغونيا» الذي يُعرض في الصالات اللبنانية، أنجز لانثيموس أول إعادة إنتاج في مسيرته، وهي إعادة تصوير للفيلم الكوري الجنوبي «أنقذوا الكوكب الأخضر» (2003)، للمخرج جوان جون ــ هوان، بأسلوبه الخاص والسردية التي ميّزت «الموجة اليونانية الغريبة». قصة «بوغونيا» بسيطة. يعتقد بطل نظريات المؤامرة، تيدي (جيسي بلمونز)، أنّ كائنات فضائية تكنّ أسوأ النوايا للبشر، موجودة بيننا.

 

مواجهة بين الضحية والجلاد

يبحث على الإنترنت، وفي نصوص لا تدعمها العلوم الرسمية (لا يتبع تيدي المعلومات التقليدية التي تُمليها علينا السلطات). وعبر تفكير دقيق، يحدد هوية ممثل شعوب «أندروميدان» المرعبة، وهي ميشيل فولر (إيما ستون)، الرئيسة التنفيذية لشركة أدوية متعددة الجنسيات، يعمل فيها تيدي في قسم الشحن. دائماً ما كان تيدي قلقاً بشأن صحة والدته، ومتأكداً بأنّ الشركة وراء مرض والدته المزمن، وأنّ ميشيل كائن فضائي أندروميدي متنكر جاء إلى الأرض بهدف إبادة البشر.

 

 

لذلك، بعد إقناع ابن عمه الأحمق دون (أيدان ديلبيس) بهذا الجنون، قرّر الاثنان اختطافها لإجبارها على الاعتراف بأصولها ووقف أنشطتهما المدمّرة. هكذا، يركّز الفيلم بشكل شبه كامل على هذه الجولة بين الضحية والجلاد، التي تنفجر فوراً في وجوهنا. ما يترتب على ذلك هو قتال قاسٍ لا يرحم، نفسياً وجسدياً: يريدها أن تعترف، وهي تكافح لجعله يعتقد أنّه على حق، وهكذا حتى النهاية الأكثر عبثية ومفاجأةً التي لا يمكن تخيّلها.

 

تصوير التناقض الأخلاقي

«بوغونيا»، هو محاكاة ساخرة للكون المغلق الذي تسوده أغرب المعتقدات التي يمكن تخيلها، وفي الوقت نفسه نقد لاذع لأشد ممثلي الرأسمالية، سواء كانوا من خارج كوكب الأرض أم لا.

 

مع ذلك، فإن الجدل بين تيدي وميشيل، اللذين ينتميان إلى طرفين أيديولوجيين متعارضين، يجد صعوبة في التعبير عن الرؤى النقدية لصانعي الفيلم، ما يُضعف تصوير التناقض الأخلاقي. مع أن توتر دراما الغرفة، التي تدور أحداثها في الغالب في مكان واحد، ناتج من وجهات نظر الشخصيات المتنوعة، إلا أن أفضل لحظات «بوغونيا» تأتي عندما تغادر الشخصيات بيئة احتجاز الرهائن المغلقة هذه وتظهر في مواقف حيوية أخرى، في العمل أو في بيئة عائلية.

 

في الفيلم، تهيمن اللمسة الجسدية على الحوار، ويُترك المشاهد مُعلّقاً، غير متأكد من سبب انخراطه عاطفياً في دوافع الشخصيات وأفعالها، وهذا يُحسب للفيلم وللمخرج.

 

لانثيموس رهينة نجاحه

ولكن، يؤكد الفيلم أنّه بعد ثلاثة أفلام في ثلاث سنوات، أصبح لانثيموس رهينة نجاحه، إذ حلّ الاستفزاز البصري محل المعنى. سينماه، التي كانت مشحونة سابقاً بالتوتر والغموض الأخلاقي، تبدو الآن مُدجّنة من قبل الصناعة التي صنعت شهرته. لا يزال الفيلم جيداً جداً، ولكن ما يفعله لانثيموس هنا هو التركيز على ضيق الأفق. يكشف الفيلم أنّ العالم والمجتمع المعاصر اليوم أكثر تعقيداً مما توحي به الخوارزميات، لكنه في الوقت نفسه يُظهر مدى صعوبة «إقناع» أي شخص بالأخطاء التي يرتكبها.

 

كوميديا ساخرة

يُبدع اليوناني في نهاية فيلمه، كما هو متوقع، ويرفع مستوى المخاطر، محولاً الفيلم إلى كوميديا ساخرة حول محدودية وجهات نظر شخصياته الأيديولوجية. ولكن بعيداً من اللمسات الساخرة في النهاية، يسأل «بوغونيا» نفسه، ويسألنا نحن: ما هو العالم الحقيقي؟ وما هو العالم الذي نعتقد أننا نعيش فيه؟ وهل هناك نقاط التقاء بين الأجزاء المختلفة أم لا؟

 

* «بوغونيا» في الصالات اللبنانية

 

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

فيلم “المخدوعون” في فعالية أيام فلسطين السينمائية حول العالم

أعلنت المؤسسة العامة للسينما عن مشاركة فيلم “المخدوعون” في فعالية “أيام فلسطين السينمائية حول العالم”، والذي تنطلق فعالياته اليوم ٢ تشرين الثاني ٢٠٢٥، ضمن سلسلة ...