ريما النخل
في الذكرى العاشرة لغياب أحد كبار أعلام الفنّ الكاريكاتوري (السياسيّ بشكل خاص) بيار صادق ((1938 ــــــ 2013)، صاحب الريشة الساخرة لعقود من الزمن، افتتح معرض «صادق… بريشتو Lebanon: A Caricature History» الذي يستمرّ حتى 18 تشرين الأول (أكتوبر) في «قاعة مكتبة جامعة الروح القدس- الكسليك»، ويضمّ مجموعة كبيرة من أبرز أعمال الفنان الراحل.
من أرشيف «مؤسسة بيار صادق» (جريدة «العمل» 1980 ـــ «الجمعة العظيمة»)
ad
إلى رسومه في الصحافة اليومية، كان أوّل منجزي الكاريكاتور المتحرّك عبر شاشة التلفزيون خاتماً يومياً نشرة الأخبار بفكرة سياسية أو اجتماعية مميّزة، حتى قيل إنّ بيار صادق لم يكن مواكباً للحدث فحسب، بل مستشرفاً له قبل حدوثه. سنوات خمسون من حياته أفناها في ابتداع الأفكار اليومية وتنفيذها بجرأة وحرية مشهودتين، وكان قرّاء «النهار» يطّلعون على الصحيفة بدءاً من آخر صفحة تحمل كاريكاتوره الخاص. وبين الصحيفة والتلفزيون (لاحقاً)، كان اللبنانيون يترقّبون ما ستتفتّق عنه مخيّلة بيار صادق المبتكرة، مريرة السخرية، على مدى تلك السنين التي شهدت حوادث ومواقف وصراعات سياسية وحروباً أهلية لا تُحصى ولا تعدّ في تاريخ لبنان. عُرِفت عنه استقلاليته وعدم خضوعه لأيّ توجيه أو تأثير، معبّراً بحرّية تامة، ومعتمداً اللعب على الكلام في رسومه اللاذعة ذات الخطوط الدقيقة، ومجيداً تكوين الشخصيات السياسية بأشكال كاريكاتورية، فضلاً عن ابتكاره شخصية اللبنانيّ العاديّ بالشروال واللبّادة، كشاهد ومعلّق على الحدث. ولم ينج سياسيّ من ريشته القارصة والضاحكة.
ad
يمكن إدراج اسم بيار صادق في قائمة روّاد الكاريكاتور اللبناني، مع ديران عجميان وخليل أشقر. لعلّه الرائد الوحيد في مجال الكاريكاتور اليوميّ، وكانت الصحافة اليومية في عزّها عهدذاك، قبل الحرب وخلالها وبعدها، فمثّل بيار صادق خطّ اليمين اللبناني في فترة الحرب الأهلية، فيما مثّل الراحل الكبير ناجي العلي خطّ اليسار في صحيفة «السفير». وإذ نجول في المعرض، نشعر أمام رسوم صادق بأنّ زمننا اللبنانيّ لا يتبدّل بل هو باقٍ على حاله: أزمات سياسيّة ونزاعات وأزمات اجتماعية. علماً أنّ فنان الكاريكاتور غير مطلوب منه أن يكون «رؤيويّاً»، بل هو أكثر ارتباطاً بالحدث اليومي، ولكلّ يوم مادته الكاريكاتوريّة، والأهمّ ألا يكرّر نفسه بل أن يبقى في حالة تجاوز لنفسه وتجديد مستمرّ.
في «المؤسسة اللبنانية للإرسال»، افتتح بيار صادق ميداناً جديداً في مسيرته الفنية، بل صفحة مبتكرة في تاريخ الكاريكاتور. كاريكاتور يوميّ متحرّك، وبريشة ملوّنة (على عكس الأسود والأبيض للصحيفة)، ما وضع تجربته أمام تحدّيات فنية غير سهلة اجتهد لتخطّيها بتقنيات محدودة في البداية. حملت إطلالته عبر الشاشة عنوان «الصفحة الأخيرة مع بيار صادق»، محافظاً على حرفته التي طوّرها في الصحافة المكتوبة. ثابر على «مطاردة» الحدث اليومي المُلهِم والتصريح السياسيّ للخروج بفكرته اليوميّة، وليس ذلك بالأمر الهيّن. وبالنسبة إلى بيار صادق، الكاريكاتور موقف أكثر منه فنّاً. وعبر الشاشة، أضاف الموسيقى وشخصية «توما» الفلاح القروي.
ad
تُوفي بيار صادق عام 2013 عن ستة وسبعين عاماً بعد صراع مع المرض، تاركاً إرثاً فنياً ضخماً يفوق ثلاثين ألف رسم كاريكاتوري. منذ غيابه حتى اليوم كُرّم بسبعة معارض استعادية أحدثها المعرض المقام اليوم بالتعاون مع «مؤسسة بيار صادق» و«مركز فينيكس للدراسات اللبنانية»، الذي وقّع اتفاقية مع ورثة الفنان عام 2017، يهتمّ المركز بموجبها بكامل أعماله حفظاً وتبويباً وتصنيفاً وترقيماً وأرشفة وتصويراً رقميّاً لتكون في متناول الجميع. والمقدّمة في المعرض الحاليّ اختيرت باعتناء من مجموعة «فينيكس» الكبرى، بعضها نشر في الصحافة الورقيّة، وبعضها الآخر عرض على شاشات التلفزيون، مع مراعاة أن تحاكي الواقع الراهن، فما رسمه صادق ماضياً لا يزال يعبّر عن اليوميّات الجارية في حياة اللبنانيين.
بدأ بيار صادق خرّيج «الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة» (ألبا) حرفته الكاريكاتورية عام 1958 في مجلة «الصياد»، ثم انتقل للعمل في أكثر من صحيفة يومية بينها «النهار»، و«العمل»، و«الجمهورية»، و«الديار». وعام 1986 بدأ رحلته التلفزيونية عبر lbci، ومن ثمّ «المستقبل». وجمع رسوماً له في كتب عدة منها: «كاريكاتور صادق» و«اضحك مع بيار صادق على السياسيين»، و«كلنا عالوطن»، و«بشير».
ad
معرض «صادق… بريشتو Lebanon: A Caricature History»: حتى 18 تشرين الأول (أكتوبر) ـــــ «قاعة مكتبة جامعة الروح القدس- الكسليك»
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية