مفاجئا وغير متوقع وبصيغة مرتبكة جاء بيان كتائب حزب الله العراق حول تعليق العمليات العسكرية ضد القوات الامريكية في العراق وسورية حسب وصف العديد من المتابعين والمعلقين. لكن ما الذي دفع المقاومة العراقية المعروفة بتاريخها المقاوم والعنيد ضد الاحتلال الأمريكي في الوقت الذي كان فيه الجيش الأمريكي منتشر بالمدن العراقية بعد الغزو واسقاط بغداد عام 2003 الى ما يشبه التراجع امام التهديدات الامريكية بعد الهجوم الذي نفذته المقاومة العراقية ضد موقع عسكري امريكي على الأراضي الأردنية الى مقتل ثلاثة جنود أمريكيين وجرح اخرين.
وهل أصدرت كتائب حزب الله العراق البيان وأعلنت تعليق العمليات بناء على معلومات حول طبيعة الرد الأمريكي القادم؟ ام بسبب ضغوط؟ ام ضمن اتفاق وتفاهمات تمت برعاية الحكومة العراقية برئاسة “محمد شياع السوداني”. وهل اضر البيان فعليا بصورة المقاومة العراقية في خضم حساسية عالية واستنفار لدى الرأي العام العربي والإسلامي تجاه ما ترتكبه إسرائيل بدعم مباشر من الولايات المتحدة من مجازر بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة؟
تتنوع الآراء إجابة عن هذه الأسئلة، ويأتي في خضمها الدفاع عن موقف المقاومة العراقية انطلاقا من الثقة بها وبدورها سواء مقاومة الاحتلال الأمريكي او التصدي لتنظيم داعش الإرهابي ودحره عن المدن العراقية، خاصة ان البيان حمل بشكل قاطع تأكيد كتائب حزب الله العراقية على الاستمرار في دعم غزة ولكن بطرق أخرى. ولم يوضح البيان ماهي طرق دعم غزة الأخرى، ولكن بعض التفسيرات ذهبت الى ان المقاومة العراقية تعني انها ستعلق ضرب القوات الامريكية لكنها سوف تسعى لتوجيه العمليات العسكرية ضد إسرائيل حصرا. ولكن الطرق الأخرى حملت تأويلا اخر وهو ان الدعم لغزة سيقتصر على الدعم السياسي والشعبي والإعلامي دون أي اعمال عسكرية. ولعل جلاء هذا الجزء من البيان يحتاج الى بيان اخر او شروح من قيادات الكتائب نفسها.
وتتجه الآراء التي اجتهدت في تفسير خلفيات البيان العراقي، الى احتمال ان تكون الولايات المتحدة تنوي توجيه ضربة عسكرية قاسية لإيران مباشرة، خاصة ان اغلب المسؤولين الأمريكيين في البيت الأبيض والبنتاغون وجهوا أصابع الاتهام مباشرة لإيران وحملوها مسؤولية مقتل الجنود الأمريكيين في هجوم الاحد الماضي.
وقد تكون تلك النوايا الامريكية دفعت كتائب حزب الله العراق الى اصدار بيان أوضحت فيه ان الحكومة العراقية وايران اعترضوا على استهداف المقاومة العراقية للقواعد الامريكية في العراق وسورية. هذه الصيغة وهذه الجملة تحديدا، قد تعني ان كتائب حزب الله نزعت شرعية أي ضربة أمريكية قد توجه لإيران مباشرة، بما ان الطرف الذي أعلنت مسؤوليته عن الاستهداف وهو الكتائب تعلن ان ايران لم تكن موافقة على ضرب القواعد الامريكية.
وبناء على ذلك يكون السؤال المركزي هنا : هل قرار كتائب حزب الله العراق تعليق العمليات ضد القواعد الامريكية سوف يثني إدارة بايدن عن تنفيذ عملية انتقامية سواء تجاه المقاومة في العراق او ايران؟
اكثر الآراء انتقادا لبيان المقاومة في العراق وصفه بانه نوع من الاعتذار العلني من المقاومة للإدارة الامريكية عن مقتل جنود لها في العراق، بينما قالت اراء أخرى ان البيان وتعليق العمليات لا يمكن ان يتم بهذه الصورة الا ضمن اتفاق ومفاوضات جرت، قد تكون بين الحكومة العراقية والإدارة الامريكية، وان الحكومة العراقية لم تجد مخرجا الا عبر موقف رسمي وعلني من الكتائب، وقد تكون حكومة السوداني ضغط من اجل ذلك مع امتلاكها التزامات أمريكية بالانسحاب من العراق ضمن سياق تفاوضي وليس تحت النار.
وهذا ما قد يفسر إشارة البيان الى عدم رغبة الكتائب في احراج الحكومة العراقية. أيا كانت الآراء سواء من يرى ان المقاومة تناور وانها لم ولن تغير من أهدافها في اخراج المحتل الأمريكي من العراق، او من يرى في البيان “صياغة وموقف” تراجعا امام التهويل والتهديد الامريكية بالعدوان. يبقى الميدان والصراع مفتوحا، وتبقى المقارنة بين الغضب الأمريكي والاستنفار و التهديد بسبب مقتل ثلاثة جنود، مقابل إبادة إسرائيل لاكثر من 27 الف انسان عربي فلسطيني مسلم في غزة بسلاح ودعم امريكي هي المقارنة الأكثر أيلاما ومأساوية وهي المشهد الصارخ والفاضح لما وصل اليه الظلم والاستهتار بهذه الامة.
سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم