وائل علي
معلومكم أن البيروقراطية اصطلاحا تعني حكم المكاتب، ولعل أكثر ما نعانيه، بتقديرنا، في حياتنا الإدارية وسواها، ناجم عن مفرزات هذا المصطلح الذي ينهش فينا حتى أصبح داء معششا ومستشريا من الصعب التعافي والخلاص منه؛ فالأداء البيروقراطي لموظف مهمته تنظيم فاتورة مثلا، أو التوقيع على تسيير معاملة إجرائية اعتيادية، أو تسديد رسوم معاملة مالية أو عقارية أو بلدية، قادر على عرقلة، وربما تعطيل سيرها لأتفه سبب وبلا سبب، فكيف بمعاملات التخليص الجمركية والاستيراد والتصدير، وبيع وشراء العقارات والسيارات وتعقيداتها البنكية، واستصدار القروض بأنواعها، وإيداع وسحب الأموال وتصريف العملات، رغم كل حكايا التحول الرقمي التدريجي والحكومة الالكترونية والتسهيلات وتقليص نقاط التماس والاحتكاك بين المواطن والموظف، فما بالكم بالأداء الروتيني التقليدي البيروقراطي البحت الذي يسم ويحكم أداء رئيس قسم أو مدير دائرة أو فرع مؤسسة، أو.. أو أن يتعلق الأمر بمدير عام لشركة إنشائية أو إنتاجية أو حتى خدمية.. لا شك أنه سيودي بنا لمطارح غير محمودة ولا مستحبة، تكون مبعثا للانتقاد والنقمة وعدم الارتياح والرضا، وما بالكم أيضاً عندما تكون قضايا الشأن العام بيد مسؤول تنفيذي كبير، من رتبة محافظ مثلا، أو وزير.. إلخ، ويكون الأداء روتينيا تقليديا نمطيا، سقفه عقد الاجتماعات المكتبية، وإجراء بعض الاتصالات التوجيهية، وتوقيع البريد اليومي، واستعراض جدول المواعيد الروتينية التي تفتقر في معظمها للجولات الميدانية التفقدية، سواء الدورية أو المفاجئة التي تتيح الاطلاع واكتشاف الواقع كما هو بلا رتوش، والاقتراب أكثر من الناس والحلول ومعالجة المشكلات..
إننا أحوج مانكون اليوم للقائد الإداري المبدع، القادر على اختراق حواجز التنميط وتجاوز التابوهات المغلقة والفهم المرن للقوانين والتشريعات والأنظمة المرعية، والبعيد عن حرفية ومحدودية التفسير ، فالإدارة ليست علما مجردا ونظريات يحفظها الدارسون عن ظهر قلب في معاهد الإدارة العليا التخصصية والكليات والكتب والمراجع الجامعية وحسب، بل هي – إضافة لما سبق – موهبة وإبداع ومهارات شخصية وخلاصة خبرات مكتسبة، وبعد نظر قبل أي شيء آخر، وهذا ما نفتقده مع الأسف، ولا نجده عند الكثيرين؛ وهنا مربط الفرس، ولعل جزءا كبيرا من معاناتنا وعذاباتنا مرده يعود لهكذا إدارات.. وفهمكم كفاية!!
(سيرياهوم نيوز ٢-البعث)