| زياد غصن
ربما تكون المساعدات الإغاثية واحدة من الملفات القليلة جداً التي يلتقي فيها الغرب بشكل غير مباشر مع الحكومة السورية، رغم وجود ملاحظات لكلِّ طرف على طريقة استثمارها وإيصالها وتوزيعها.
فيما كانت مدينة بروكسل على مقربة ساعات من افتتاح مؤتمرها السادس، والذي يحمل عنوان “دعم مستقبل سوريا والمنطقة”، وبتغييب معتاد لممثلي الحكومة السورية، كانت طهران تؤكد للرئيس بشار الأسد، في زيارته الرسمية لها، رغبتها في تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين.
قد يكون تزامن الحدثين مجرد مصادفة سياسية فرضتها ظروف معينة، لكن البعد الاقتصادي لكل منهما يعزز فرضية استمرار البون الشاسع الذي لا يزال يفصل بين أولويات الجانبين في مقاربة مسألة دعم إجراءات التعافي الاقتصادي في البلاد، ومساعدة السوريين على تجاوز الظروف الحالية، وهو ما يعني أن المرحلة القادمة لن تشهد تحولات نوعية في هذا الملف، سواء حافظت المساعدات الإغاثية الدولية على حجمها رغم الواقع الجديد الذي فرضته الأزمة الأوكرانية، أو نجحت الحكومة السورية في معالجة مؤقتة لبعض الأزمات المتفاقمة، كأزمتي الطاقة وارتفاع معدل التضخم.
بيئة أزمات مركبة
أولويتان رئيسيتان ركّز عليهما مؤتمر بروكسل بنسخته السادسة. الأولوية الأولى تتعلق بتقديم الدعم الإغاثي للسوريين المحتاجين في الداخل والخارج، وتحديداً في المخيمات المقامة في بعض دول المنطقة.
التقديرات الأممية هنا تتحدث عن حاجة أكثر من 13 مليون شخص إلى المساعدة والدعم، بزيادة قدرها 1.2 مليون شخص عن العام 2021. أما الأولوية الأخرى، فتتمثل بسعي المؤتمر إلى “خلق منصة تفاعلية مع المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية في سوريا” ودعم المشروعات التنموية الصغيرة والمتوسطة.
وتحرص رئاسة المؤتمر والدول المشاركة فيه على التأكيد دوماً أن ذلك ليس له أي صلة بعملية إعادة الإعمار، وأنه يجب أن يتم بمعزل عن أي تنسيق أو تواصل مباشر مع الحكومة السورية.
هذا الأمر يبدو مناقضاً للمنطق ولمجريات الأوضاع الاقتصادية في البلاد، إذ لا يمكن لمثل هذه المبادرات التنموية أن تجد طريقها إلى التنفيذ والنجاح في وقت تعاني البلاد من أزمات متفاقمة كأزمة الطاقة، وتراجع الاستهلاك، وارتفاع معدل التضخم، ونقص المستلزمات الأساسية للإنتاج، وارتفاع التكاليف، وغير ذلك، وهي في النهاية أزمات لم تأتِ الدول الغربية على ذكرها أو طرح سبل معالجتها والتخفيف من تأثيراتها في حياة السوريين، تاركة المهمة في ذلك، كما يبدو، على عاتق مؤسسات الحكومة السورية ومشروعاتها وبرامجها، والتي لن يكون باستطاعتها مجاراة كل تلك الأزمات ومعالجتها، في ظل عزلة سياسية واقتصادية خارجية من ناحية، ومخلفات عقد ونيف من حرب كانت، بوصف مختصر، حقبة كارثية على المؤشرات التنموية في البلاد من ناحية ثانية، وتعثر الحل السياسي للأزمة من ناحية ثالثة.
وفي دلالة واضحة على أنَّ الأولويات الاقتصادية للحكومة السورية هي في مكان آخر، إذ تعيش البلاد حالياً على وقع أزمات تحول دون حدوث أي تعافٍ اقتصادي، ولو كان محدوداً، كانت دمشق وطهران توقعان، وقبل يوم واحد من بدء اجتماعات وحوارات مؤتمر بروكسل، على اتفاق تَمنح بموجبه طهران الدولةَ السورية خطاً ائتمانياً جديداً، هدفه تلبية احتياجات البلاد من المشتقات النفطية، وتالياً المساهمة في معالجة جوانب الأزمة الخانقة التي تعيشها البلاد منذ نحو شهرين، والتي أدت إلى حدوث تأثيرات سلبية كبيرة في نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية، إذ ارتفعت تكاليف الإنتاج والاستيراد بشكل واضح، وهو ما انعكس على أسعار السلع والبضائع في الأسواق المحلية، التي شهدت في الأشهر الأخيرة ارتفاعات متتالية لم تتوقف.
ولعلَّ هذه إحدى التساؤلات المشروعة في دمشق، فكيف للمجتمع الدولي أن يدعم مشروعات تنموية يقوم بها المجتمع المحلي أو المدني هنا وهناك، والبيئة، التي يفترض أن تؤسس فيها هذه المشروعات وتعمل وتنتج، تعاني مشاكل جوهرية، كانت سبباً في هجرة رؤوس أموال كثيرة، وفي توقف مشروعات ومنشآت صناعية كبرى، وجعلت معظم السوريين تحت خط الفقر، إلا إذا كان الهدف الغربي يقوم حالياً على مجرد تقديم إسهامات محدودة وضمن نطاق ضيق جغرافياً وتمويلياً، فضلاً عن أن تلك الجهود تبقى مؤقتة، ولا تستند إلى رؤية مستقبلية، فهي ليست منبثقة من استراتيجية تنموية وطنية تتعامل مع الأزمة السورية بشموليتها، ولا تتكامل مع الخطط والمشروعات الحكومية التي تلقى دعماً في بعض الجوانب من المنظمات الأممية.
ولذلك، كل المشروعات المراد تمويلها غربياً ودعم المجتمع المدني في سوريا من خلالها، ستكون في النهاية كالجزر المعزولة التي تواجه خطر الغرق بفعل الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، وذلك حتى في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية، إذ إن طبيعة القوى المسيطرة لا تعطي ذلك الهامش الذي يتيح للمجتمع المدني أو الأهلي أن يتحرك تنموياً، ولا تؤمن حتى بدور ذلك المجتمع.
هذا الأمر لا يحتاج إلى إثبات كثير مع وجود منظمة جهادية متطرفة كجبهة “النصرة”، أو ميليشيا مسلحة ذات أهداف انفصالية، مثل “قوات سوريا الديمقراطية” المعروفة بـ”قسد”، إلا إذا كان للأمر أهداف سياسية، كاستمرار الضغط على الحكومة السورية للحصول على تنازلات سياسية أو العمل على ترسيخ واقع انفصالي تحت يافطة دعم الإدارة اللامركزية في البلاد، تماماً كما هو حال كردستان العراق.
المساعدات الإغاثية
ربما تكون المساعدات الإغاثية واحدة من الملفات القليلة جداً التي يلتقي فيها الغرب بشكل غير مباشر مع الحكومة السورية، رغم وجود ملاحظات لكلِّ طرف على طريقة استثمارها وإيصالها وتوزيعها.
ورغم أن جزءاً من المبالغ التي تعهدت الدول المشاركة في مؤتمر بروكسل بتقديمها سيذهب إلى دول الجوار لدعم احتياجات السوريين المقيمين في مخيمات اللجوء الموجودة على أراضي تلك الدول، فإنَّ المساعدات الإغاثية المخصصة للداخل السوري ستعزز حالة الخلاف السوري الغربي حول فهم كلّ طرف ورؤيته لأولويات الوضع الراهن، وذلك بالنظر إلى المشاكل التالية:
– تعهد الولايات المتحدة الأميركية بتقديم أكثر من 800 مليون دولار، يعني بوضوح أنَّ الجزء الأكبر من تلك المساعدات سوف يذهب إلى دعم مناطق سيطرة ما يسمى بالإدارة الذاتية الكردية أو الأصح دعم مؤسسات تلك الإدارة لتتمكّن من استمرار فرض سيطرتها على المنطقة. وتالياً، إن فرص معالجة مسألة المنطقة الشرقية في إطار الحوار السوري المباشر، ستبقى مؤجلة، وهو ما تعتبره دمشق دعماً غربياً لديمومة أزمتها ومشاكلها الاقتصادية.
– آلية دخول المساعدات إلى المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة في شمال البلاد وشرقها، والتي ينظمها حالياً قرار أممي مُدد سابقاً بتوافق روسي أميركي. ولا يتوقع أن يكون تمديده مجدداً في الأسابيع القليلة القادمة يسيراً في ضوء الموقف الغربي من الأزمة الأوكرانية، واستبعاد روسيا من المشاركة في مؤتمر بروكسل.
وإذا ما فشلت موسكو وواشنطن في التوافق على صيغة جديدة، فإنَّ هناك خيارين: إما توقف المساعدات والدعم الإغاثي الدولي لتلك المناطق لفترة ما، وإما تجاهل الغرب للقانون الدولي والعمل بشكل غير مشروع في هذا الملف، الأمر الذي من شأنه أن يقود إلى حدوث تصعيد جديد في الساحة السورية.
– محافظة الدعم الإغاثي للمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة على مجالاته المعتادة من دون أن يتعداه إلى مستوى جديد من المشروعات، وبما يعزز من فرص التنمية المحلية، إذ إن خلاف الأولويات بين الجانبين يدفع نحو المحافظة على الحد الأدنى من التوافق على أشكال الدعم الإغاثي، والتي تقتصر على الإعانات الدورية للنازحين والمتضررين، وتنفيذ بعض المشروعات المتعلقة بخدمات المياه والتعليم والصحة.
التعافي مؤجّل
في ضوء ما خلص إليه مؤتمر بروكسل، وما حملته كلمات الوفود المشاركة من عودة غربية للتشدد حيال مستقبل العلاقة السياسية والاقتصادية مع دمشق، لا يبدو أنه سيكون هناك أفق لتعاون غربي مباشر أو غير مباشر مع الحكومة السورية في ملف التعافي المبكر، ولو بالحد الأدنى، وهو ملف كان قد طُرح قبل الأزمة الأوكرانية على لسان أكثر من مسؤول غربي، وقيل إنه قد يكون جزءاً من استراتيجية “خطوة بخطوة” التي كان قد اعتمدها المبعوث الأممي إلى سوريا في محاولته لإحداث اختراق ما في ملف التوصل إلى حل للأزمة السورية.
سيرياهوم نيوز3 – الميادين