مع سقوط النظام السوري، يواجه اللاجئون السوريون في أوروبا مزيجًا من الأمل والخوف، إذ يتطلعون إلى العودة إلى وطنهم، لكنهم في الوقت ذاته يترقبون المجهول.
وأصبح موضوع العودة إلى سوريا محور النقاش في الأوساط السورية، خاصة مع تزايد القرارات الأوروبية بشأن ترحيل اللاجئين.
وسط هذه التحولات، يتابع السوريون التطورات السياسية والأمنية في بلادهم، حيث لا تزال النزاعات والتحديات تهدد استقرار سوريا.
وفي بعض الدول الأوروبية، شهدت الساحات احتفالات بانتصار الثورة، ما أثار تساؤلات حول إمكانية العودة، سواء طوعًا أو قسرًا، وهو ما زاد من قلق اللاجئين السوريين، كلٌّ حسب وضعه القانوني في البلد الذي يقيم فيه.
تحولات الموقف الأوروبي بشأن اللاجئين السوريين
مع إعلان نجاح الثورة وسقوط النظام، سارعت بعض الدول الأوروبية، وعلى رأسها النمسا وألمانيا، إلى طرح سياسات جديدة تتعلق بعودة اللاجئين.
فقد أعلنت النمسا عن خطط لترحيل السوريين بعد سيطرة فصائل المعارضة على العاصمة دمشق، فيما أوقفت دول أخرى مثل بلجيكا وفرنسا واليونان وألمانيا قبول طلبات اللجوء الجديدة من السوريين، وفقًا لصحيفة “بوليتيكو”.
وأكد وزير الداخلية النمساوي، جيرهارد كارنر، أن الوزارة تعمل على إعداد “برنامج منظم” لترحيل السوريين، دون الإفصاح عن الفئات المستهدفة.
في المقابل، أعربت منظمات حقوق الإنسان عن قلقها إزاء هذه القرارات، معتبرة أن توقيتها غير مناسب بسبب استمرار القتال في بعض المناطق السورية، وعدم وضوح مستقبل الاستقرار السياسي.
وفي ألمانيا، صرّحت وزيرة الداخلية، نانسي فيزر، بأن بعض اللاجئين السوريين قد يواجهون خيار العودة وفقًا لظروف معينة.
وأوضحت أن وزارتَي الداخلية والخارجية تعملان على تقييم دقيق للوضع الأمني والسياسي في سوريا بالتنسيق مع الشركاء الأوروبيين والدوليين.
التحديات التي تواجه اللاجئين السوريين في أوروبا
لا تزال الأزمة السورية بعيدة عن الحل النهائي، حيث تستمر الاشتباكات بين الجيش الوطني السوري وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، إلى جانب الضربات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية، فضلًا عن تصاعد نفوذ هيئة تحرير الشام في بعض المناطق.
ويرى محللون أن استعادة الاستقرار في سوريا قد تستغرق سنوات، حيث قدّر أحمد الشرع، قائد الإدارة السورية الجديدة، أن المرحلة الانتقالية قد تستمر نحو أربع سنوات قبل تحقيق استقرار حقيقي في البلاد.
مخاوف أوروبية وتداعيات اقتصادية
حول مستقبل السوريين في أوروبا، يرى الدكتور حكم أمهز، الخبير في الشؤون الإقليمية والدولية، في تصريحات خاصة لمركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية وتقييم المخاطر، أن هناك مخاوف قديمة متجذرة في أوروبا تتعلق بتزايد أعداد المهاجرين، لا سيما المسلمين، مما أثار نقاشات حول تغير التركيبة السكانية في القارة بحلول عام 2050.
وأشار أمهز إلى أن بعض المسؤولين الأوروبيين الذين زاروا سوريا اشترطوا منع سفر السوريين إلى أوروبا، سواء بطرق شرعية أو غير شرعية، مقابل رفع تدريجي للعقوبات المفروضة على البلاد.
كما لفت إلى أن الجانب السوري تعهّد بإيجاد آليات لإعادة اللاجئين، لكن تنفيذ ذلك لا يزال يواجه تحديات لوجستية.
عوائق أمام عودة اللاجئين
على الرغم من الضغوط الأوروبية، لا يزال الوضع في سوريا غير مستقر، إذ تحذر تقارير من إمكانية اندلاع اضطرابات جديدة بسبب الفصائل المسلحة التي لا تزال خارج سيطرة النظام.
كما أن الانتهاكات ضد الأقليات، بما في ذلك الاعتقالات والتعذيب والقتل، تجعل من الصعب على اللاجئين التفكير في العودة.
ويرى أمهز أن حتى لو سعت الدول الأوروبية إلى ترحيل اللاجئين، فإن ذلك سيواجه بمعارضة قانونية، كما أن العديد من السوريين أصبحوا جزءًا من النسيج الاقتصادي في بلدان مثل ألمانيا والسويد، حيث ساهموا في دينامية اقتصادية لا يمكن الاستغناء عنها.
الدور الأوروبي في الملف السوري
أكد أمهز أن أوروبا لم تعد تمتلك نفوذًا حاسمًا في الملف السوري، إذ باتت الولايات المتحدة هي اللاعب الرئيسي، سواء بشكل مباشر أو عبر تركيا.
ولفت إلى أن الأوروبيين يقتصر دورهم على الجانب الاقتصادي، لكن قدرتهم على التحرك تبقى مقيدة بقانون قيصر الأمريكي المفروض على سوريا.
كما أشار إلى أن الوفود الأوروبية التي زارت سوريا ناقشت قضايا عدة، من بينها ملف اللاجئين، إلا أن تأثيرها الفعلي يظل محدودًا.
واستشهد بتجربة الاتحاد الأوروبي مع إيران، حيث لم تتمكن الدول الأوروبية من تجاوز العقوبات الأمريكية رغم توقيعها على الاتفاق النووي.
التوسع الأمريكي في المناطق الكردية والتدخلات الإسرائيلية
أما فيما يخص الوجود العسكري الأمريكي في سوريا، فقد أوضح أمهز أن القواعد الأمريكية بدأت في الظهور منذ عام 2011، حيث تنتشر قواعد مثل التنف وكونيكو في مناطق تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية.
وأشار إلى أن هناك توجهًا أمريكيًا لسحب بعض القوات، مما قد يؤثر على وضع “قسد” التي تواجه ضغوطًا متزايدة من تركيا.
في المقابل، لا تزال إسرائيل تواصل هجماتها داخل الأراضي السورية، مستفيدة من تراجع النفوذ الأوروبي في المنطقة.
ويؤكد أمهز أن الوضع في سوريا سيظل معقدًا في ظل هذه التداخلات الإقليمية والدولية، ما يجعل عودة اللاجئين إلى بلادهم أمرًا محفوفًا بالتحديات والمخاطر.
وأشار الدكتور أمهز إلى أن دور هذه القواعد في الماضي كان منع إمدادات الأسلحة الإيرانية عبر العراق إلى سوريا فلبنان، وأن هذا الدور انتهى بعد سيطرة الجماعات المسلحة على سوريا، ولكن هناك دور آخر لهذه القواعد، وهو عمليات الرصد والسيطرة والتجسس والمتابعة،
واضاف أن تبقى هذه القواعد على تماس وتنسيق مع الكيان الإسرائيلي، نظرًا للقرب الجغرافي بين هذه القواعد والحدود مع فلسطين المحتلة. وفيما يتعلق بالموضوع الكردي.
أكد الدكتور أمهز أن قوات قسد مدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، وأنه لا يعتقد أنها ستتخلى عنها، لأن الأكراد ليسوا حاجة أمريكية فقط، إنما هم حاجة إسرائيلية أيضًا.
وأشار إلى نظرية “تحالف الأقليات” التي كان يتحدث عنها مناحيم بيجن، والتي كانت تهدف إلى فرض طوق ثالث موالي لأمريكا وإسرائيل على الدول العربية المعادية.
واوضح أن الأكراد هم أهم أقلية يمكن لإسرائيل أن تقيم علاقات معها، وأن هناك من يتحدث الآن عن أن كردستان في العراق هي إسرائيل ثانية، وإذا كان هناك دولة كردية منفصلة في سوريا فسيسمونها إسرائيل ثالثة.
أما فيما يتعلق بالتجاوزات الإسرائيلية في سوريا، فقد أعرب الدكتور أمهز عن أسفه الشديد من أن هذه الجماعات التي حكمت سوريا هي من المفترض أن تكون أكثر العدائيين للكيان الإسرائيلي، باعتبار أنهم مسلمون وأن القرآن الكريم يتحدث بوضوح عن عداوة اليهود للعالم والمسلمين.
وأضاف أن هناك حوافز إضافية لهذه العداوة، وهي أن اليهود يسيطرون على القدس والأقصى، ويحتلون أراضي عربية، بالإضافة إلى الاجتياحات المتكررة لسوريا.
وأكد أنه لم يكن هناك موقف من القادة الجدد في سوريا تجاه هذه الاجتياحات، وأنهم لم يتحدثوا عن احتلال بل عن تقدم.
وأوضح أن هذا التقدم له أهداف، أهمها أن إسرائيل سيطرت على مواقع حساسة جدًا في سوريا، وأن هذه المواقع تتيح لها السيطرة بالرصد الإلكتروني وغير الإلكتروني على مساحات شاسعة جدًا من سوريا ولبنان والأردن، وأنها تسيطر على السدود المائية وغيرها من المواقع الاستراتيجية الحساسة، مما جعلها على أبواب دمشق.
وأكد أن هذا التقدم يأتي في إطار مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تحدثت عنه الولايات المتحدة الأمريكية وبنيامين نتنياهو، وأنه يهدف إلى فرض اتفاقيات مع سوريا، اتفاقيات سلام كما حصل في الاتفاق الإبراهيمي.