إسماعيل مروة
يعد نظاما التكريم والجوائز من الأنظمة التي يسعى من خلالها القائمون عليها إلى إضفاء لمسة ما على إبداع المبدعين في شتى المجالات وتارة تكون نابعة من أداء واجب تجاه شخص ما أدى دوره في الحياة واستراح من العناء، وتارة تكون من معرفة الحاجة التي يقع تحتها هذا المبدع بعد أن صار في الظل باختياره، أو بسيرورة الحياة ولم يعد قادراً على أن يفعل المزيد ليحيا تلك الحياة الكريمة..
وفي أغلب الأحيان يعيش هؤلاء حياة مقبولة من دون أن يحسبوا حساباً للقادم من الزمن، وفجأة نراهم يشكون النكران والجحود، وربما كان لتغير الزمن والحاجات الدور الأكبر في وقوعهم ضمن براثن الحاجة.. فالكاتب الذي كان بقروش عديدة يطبع كتابه، صار اليوم عاجزاً عن شراء كتاب عادي، والقارئ الذي كان يبحث عن الكتاب الجيد، يقف اليوم ليبيع كتبه هذه كتاباً وراء كتاب ليتم حياته هذا إن وجد من يشتري كتابه المقتنى لا المؤلف!.
والفنان الذي لم يكن يقبل غير الشيء اللائق فكراً وشكلاً، صار من الممكن أن يقبل بأي شيء ليعيش، حتى وإن كان دوراً هدّاماً وسيئاً من كل ناحية.
والتشكيلي صاحب الرؤية يتحول إلى أي نوع من الرسم ليرسم العابرين متسولاً الحياة، وربما صار رساماً دينياً، أو رساماً ينقل اللوحات العالمية إكراماً لتاجر أو فرش بيت لتناسب اللوحة ألوانه وأشكاله والموديل الخاص به.
وهنا يأتي دور الجوائز والتكريم في تعزيز الإبداع، والدفع نحو آفاق الإبداع والتجريب، وفي هذا السياق أذكر وقد أدركت هذه المرحلة واستفدت منها، إذ كان اتحاد الكتاب العرب إن وافق على كتاب من النواحي الفكرية وليس ضمن خطته يقدم دعماً للكاتب يثبت في الصفحة الأولى من الكتاب المطبوع، وهذا المبلغ كان يغطي نصف التكاليف أو أكثر، وحين يطبع الكتاب يتقدم الكاتب به إلى وزارة الثقافة التي تقتني منه نسخاً جيدة قد ترد للكاتب تكاليف الكتاب، وكانت الإدارة السياسية تقتني من الكتّاب وهكذا يستطيع الكاتب أن يطبع ويعود ما دفعه، وفي هذه المرحلة قد يحصل أحدهم على جائزة أو تكريم.
وفي التشكيل كانت وزارة الثقافة تقتني عدداً كبيراً من اللوحات، وتعقد المعارض السنوية، التي تقدم الحوافز والجوائز للمبدعين الذين يتحاجون مثل هذا الدعم، ويتشكل حافز مهم لكل صنوف المبدعين، ألا نذكر أن فاتح المدرس وغيره من الفنانين كانوا يشاركون باندفاع لأن المشاركة مهمة وذات عائد مقبول.
واليوم وفي ظل الحرب على سورية، وفي ظل الظروف القاسية التي يحياها الإنسان السوري عامة، والمبدع السوري في كل مجال، غدت الرعاية أكثر إلحاحاً، ووصائية الدولة والجهات الرسمية والمؤسسات أكثر إلحاحاً، والسوري اليوم بحاجة إلى الدعم بكل طريقة على عكس ما يجري من رفع تدريجي ومجحف للدعم، ففي الأزمات والحروب والظروف القاسية تحضر الدولة ويحضر دعمها، وليس في وقت السلم والرخاء.
الإنسان السوري اليوم في مهب الريح، ولا يجد من ملجأ يلجأ إليه لمعالجة الأمور والحياة، والغالبية من الناس ليسواً سبباً في الحرب، ولا يتحملون نتائجها، وغير قادرين على هذا التحمل، والذين أشعلوها بمؤامرة دنيئة وحقيرة يعيشون حالة من الرغد والرفاهية في كل مكان حلوا فيه في الداخل والخارج، قد لا يتنبه المراقب للسوريين عامة، لكن لابد أن يقف عند شريحة من المبدعين الحقيقيين الذين لم يركبوا موجة، ولم يسيئوا إلى وطنهم، ولم يبتلعوا الطعم بأنهم قادة للرأي والتجييش مع أو ضد الدولة السورية، وهؤلاء كما كل السوريين يحتاجون إلى الدعم والرعاية لا للرفاهية، بل لإكمال رحلة الحياة دون أن يمد الواحد منهم يده، ودون أن يكون مجبراً على تغيير مبادئه وآرائه إكراماً للقمة عيش.
والحوافز والجوائز والتكريمات يجب أن تعود إلى الواجهة لأنها وسيلة للاحترام والعيش، وألا ندع مثل هذه التكريمات لتحقيق أغراض سياسية تجهز على ما تبقى من الروح السورية في الجائزة أو فرص العمل.. قبل اللوم، وبعد اللوم.. على النظام الأبوي أن يستفيق لرعاية الأبناء وتجاوز المرحلة الحالية، وبعدها لكل حادث حديث..
سيرياهوم نيوز1-الوطن