غالبا ما يأتيك صديق، زائر، جار، زميل، أو حتى من عامة معارفك، ولا يكاد يجلس ويألف المكان حتى يبدأ حديثه عن الوضع المعيشي والمنغصات الحياتية والغلاء والناس وآثامهم وشرورهم وكأنه من كوكب آخر، لا ينتمي إليهم ولا يعرف خصالهم وطبائعهم، ديدنه نشرالمساوئ والفواحش ما خفي منها وما ظهر، سلبي بامتياز، يعكس هذه السلبية على المكان الذي يوجد فيه، وعلى الأشخاص أيضاً، وأنت تصغي إليه بكلّ احترام وهدوء، تتكررالحالة مرات ومرات يشتكي ويبكي، واضعاً اللوم دائماً على الناس، وعلى كلّ شيء يدب على وجه البسيطة، هذه السلبية المفرطة تجاه الأشياء تجعلك تنفرمنه ومن كلّ ما يتفوه به، وما أكثر هؤلاء في حياتنا، بل أصبحت موضة فلا تكاد تجلس مع أحدهم في مكان عام أو خاص أو حتى في العمل، أو في وسائل النقل الجماعي وغيرها.. حتى يبدأ بنشر تلك الطاقة السلبية ويعكسها على كلّ من حوله.
الوضع عام وشامل لكلّ الناس، والشكوى والبكاء لا يغيران في الوضع شيئاً، إنما يزيدان الطين بلة كما يقول المثل الشعبي، وأنت لست مسؤولاً عن الناس وتصرفاتهم.. لا تدع حساسيتك المرضية التي تعيشها وتسقطها على المجتمع نذير شؤم وانهيار في القيم.
كما لو أن كلّ هؤلاء الناس لا يملكون مناعة ذاتية ضد السقوط والانحراف وأنت الوحيد الذي تملكها، كفى إيهام الآخر أنك المثل الأعلى، وأن الرصانة والرزانة لا تعرف إلا من خلال سردياتك المقيتة، وأعتقد أن هذه الحالة الهلامية التي تدعيها تعود إلى الذهنية المرضية التي صنعها واقع التخبط والتشرذم والعجز لديك.
الشخصية السلبية غيرالمتوازنة تلقي فشلها دوماً على المجتمع وعلى أفراده وعلى كلّ شيء، والمتوازنة هي حالة كلّ إنسان يملك التزاماً أخلاقياً، سواء كان مصدره القناعة أم الوعي أم الإيمان أم حتى التربية، أولئك أصحاب الطاقة الإيجابية الذين يصنعون من مأساتهم عاملاً إيجابياً بل أكثر من ذلك تجدونهم يعدون نعم الله التي لا تحصى.. متناسين وجعهم.. بالتالي شتان بين الفئتين، الأولى محصنة ذاتياً والثانية شكاءة بكاءة.
ولا شك هنا أن إصلاح الذات مقدم على إصلاح الغير، لأن ذلك يؤدي تلقائياً إلى صلاح المجتمع، وحينئذ يعكس الإنسان ما في داخله من إشراق وهمة وتفاؤل وجمال على من حوله.
لا يجوز أن يظن أي إنسان أنه الوحيد الذي يرى ويسمع ويشاهد ويعاني وباقي الناس لا يرون، يجب أن يكف عن البكاء، وعليه تحصين نفسه بالحبّ والإيجابية.
فالشخص السلبي لا يقل خطورة بنشرعدوى سلبيته عن أي مرض أو فيروس يجتاح المجتمع.
بين السوداوية والنرجسية
سيرياهوم نيوز 2_الثورة