مالك صقور
سألني البارحة حنظلة عن ( فلان ) و ( فليتان) ، وعن ظهور “عبقريات” جديدة مريبة ، كان الفضل الأول والأخير لظهور هذه المواهب وهذه العبقريات الجديدة للكمبيوتر والموبايل الحديث والذكاء الاصطناعي ..قلت اسمع ياحنظلة ماقلته سابقاً وكتبت بجرأة يومها عن طاوويس وعن حرباوات …( أعرف أن جمع حرباء ( حرابي )..وكل مافي ألأمر ان هذه التي سميتها طاوويس لم تكن ديوك بل كانت صيصان و مازالت ..وأما الحرباء فقد تكاثرت وتكاثرت .
قلت : العنزة الجرباء ، ياحنظلة ، لا تشرب إلاّ من رأس النبع …ومع أني ياحنظلة عملت بالرعي في صغري ، إلا أني لم أفهم هذا المثل الشعبي يومها . فهمته متأخراً ، بعد ما انقطعت عن القطيع الحيواني ، والتحقت بالقطيع الأكثر عقلاً ووعياً وفهماً ودهاءً..والأكثر “إنسانية”…وكثيرة هي الأمور التي تأتي متأخرة كا العبقرية المتأخرة التي تندلق في هذه الأيام لا تتسع لها وسائل الاتصال في أربعةأركان الأرض .
باختصار : وإن كان ذاك الفلاح ، يشبه الناس بالمعادن و الأشجار فيقول :
فلان كالذهب العتيق ، فمهما طمرته بالتراب والوحل يبقى ذهباً . والتنك تنك ، ولو حنطته بماء الذهب .. فلان كالسنديان وفلان هش كحب التين . فلان مستقيم كالحور وفلان باكي كالصفصاف..وقلت له : إن كان ذاك الفلاح يشبه الناس بالأشجار ..فإن كبيرنا بالرعي كان يشبه الناس بما ملكت يمينه ، فكان يقول : انظر : العنزة الجرباء لا تشرب الا من رأس النبع ، وفلان كالجاموسة ( الآن ، لم يعد لدينا جاموس )..وفلان صبور كالجمل . وفلان ماكر كالثعلب . وفلان كالصوص يظن نفسه ديكاُ ، وفلان كالديك المنتوف يظن نفسه طاووساً..
وأما الحرباء ، ياحنظلة ، فهي وحدها من بنات جنسها التي تستطيع تغيير لون جلدها .. الحرباء ، هذه الزاحفة الصغيرة ، التي هي بطول شبر اليد ، لا تعرف أنه يُضرب بها المثل ؛ أو يشبهون بعض الناس بها ، أولئك الذين يتلونون ويتغيرون ويبدلون مواقفهم ومواقعهم كما تقتضي مصالحهم الشخصية ،أو كما يملى عليهم ، أو يؤمرون .
الحرباء الصغيرة ، حبتها الطبيعة هذه الميزة ، وهي تغير لونها ، كرد فعل طبيعي ، دفاعاً عن نفسها ، متوهمة إن هي غيرت لونها ، ما عاد الإنسان أو سواه يراها أو يميزها عن لون العشب الأخضر أو الياببس أو لون التراب أو على لون أي ساق شجرة تتسلق عليه .
أما الأشخاص ( الحرابي) من ذكور وإناث فلا يفعلون ذلك فطرياً كما الحرباء التي تغير لونها وفق لون المكان ، أما هم فيتلونون وفق الموقف ، معتقدين أنهم غير مكشوفين ، مع أنهم (مفضوحون) ..
في هذه الأيام ما عدنا نرى الحرباء على البيادر ، وفي الحواكير ، وعلى الشجيرات قرب البيوت ، ربما انقرضت أو تكاد .. فهل انقراضها في الطبيعة ، جعلها تتكاثر في المجتمع …
بالمناسبة ، يا حنظلة ، كتب الأديب الروسي الشهير أنطون تشيخوف قصة بعنوان ( الحرباء ) عام 1884 . وكان في الرابعة والعشرين من عمره . وما زالت هذه القصة تحتفظ بقيمتها الفنية ومضمونها الرائع ..
وهذا موضوع الزاوية القادمة ..
(موقع أخبار سوريا الوطن-٢)