آخر الأخبار
الرئيسية » يومياً ... 100% » بين المبدع والموظف!

بين المبدع والموظف!

 

د. بسام الخالد

 

قال المدير للموظف: لماذا يتكرّر تأخرك الصباحي عن عملك؟!

رد الموظف بهدوء: أبداً.. فأنا أبدأ عملي مع الآخرين تماماً وأنجز ما لدي قبلهم!

قال المدير: كيف ذلك وتقارير رؤسائك تقول إنك تتأخر باستمرار؟!

قال الموظف: إذا كان المقصود هو التوقيع على سجل الدوام في موعده الصباحي فهذا صحيح.. أما إذا كان المقصود توقيت بدء العمل الفعلي فالأمر مختلف تماماً!

قال المدير: النظام هو النظام وقد حدد القانون ساعات العمل بدقة فهل ستفصّل القانون على مزاجك؟!

الموظف: سيدي المدير.. أنتم تعلمون أن أي عمل إبداعي يقاس بقيمته ونوعيّته وهو مختلف عن العمل الإداري الذي يقاس حجم إنتاجه بالزمن فقط، فإذا كان العمل المطلوب يُنجز في وقته المحدد وبجودة عالية فلا يوجد مشكلة، وطالما لا يوجد تقصير في حجم هذا العمل فما هو المسوِّغ لتقييد المرء بساعات محددة؟!

ردّ المدير بشيء من نفاد الصبر: لمؤسستنا أنظمتها وقوانينها، وأنت تفلسف الأمور على طريقتك! الموظف: سيّدي.. أنا لا أفلسف الأمور وإنما أضع الأمور في إطارها الواقعي.. أليست مؤسستنا تعنى بالشأن الإبداعي.. إذن فلنناقش الأمر من وجهة النظر العملية. المدير: كيف؟

ردّ الموظف: أنت تعلم سيدي المدير، بصفتك تمارس جانباً من جوانب العمل الإبداعي، أن أي عمل فكري يحتاج لصفاء الذهن ويحتاج إلى مزيد من الاطلاع والقراءة وتثقيف الذات، وفي ظل هذه الظروف المعيشية القاهرة التي يعيشها أصحاب الدخل المحدود، ومنهم المشتغلون في الأعمال الإبداعية، فإن فترات تثقيف الذات لا يمكن استغلالها إلاّ بعد تأمين حاجيات الحياة اليومية الضاغطة من طعام وشراب ومواصلات ومتطلبات أخرى تستهلك معظم ما تبقى من اليوم بعد ساعات الدوام.. فإذا كان المرء حريصاً على تثقيف ذاته وتجديد عطائه لا بد له من استغلال جزء من ساعات الليل ليقرأ ويتثقف ويطّلع على الأخبار ويكتب، وأحياناً ينسى نفسه أمام موضوع يقوم بإنجازه فيضطر للتأخر أحياناً عن الدوام الرسمي، لكنه يكون قد حضّر أفكاره وأنجز أعماله المقررة لليوم الذي تأخر فيه، وما هي إلا ساعة حتى يكون قدّم حجم هذا العمل بأكثر مما هو مطلوب.

المدير: هل تقصد أن نترك الحبل على الغارب لجميع الموظفين بحجّة حجم العمل ونوعيته ونقول للنظام وداعاً؟!

سيدي المدير: ألا ترون معي أن كلمة “موظف” تنفي كل المؤهلات الأخرى للعمل الإبداعي.. فبهذه الكلمة يكون تعريف الموظف هو الذي وُظِّف لأداء عمل محدد ومرسوم سلفاً، لكنه لا ينطبق على أصحاب المهن الإبداعية الأخرى بدءاً من النجّار وانتهاء بالشاعر!قاطعه المدير بنزق: ألا يعمل النجّارون والفنانون والصحفيون والكتاب والشعراء في مؤسسات الدولة؟

الموظف: نعم يعملون.. لكن حتى بين هؤلاء فوارق في الأداء ونوعية العمل.. فمنهم من يقوم بعمله على أكمل وجه وفي ساعات أقل من ساعات الدوام المقرّرة ليتيح لنفسه وقتاً للتأمل، ومنهم من يحرص على أن يكون توقيعه هو الأول على سجل الدوام وشعاره هو: “غيّب شموس واقبض فلوس”.. وهذا ما يفسّر سّر البطالة المقنّعة في مؤسساتنا.

رمق المدير الموظف بنظرة ذات مغزى وطوى تقرير التأخر وقال له: إذهب إلى عملك.. والتزم بساعات الدوام المحددة.

خرج الموظف من غرفة المدير وهو يعلم أن المدير يمارس عكس قناعاته!

(سيرياهوم نيوز1-خاص)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

آن الآوان لتعديل قانون الانتخابات؟

  علي عبود للمرة الأولى يفعلها مجلس الشعب ويقترح فقدان عضوية ثلاثة فائزين بالدور التشريعي الرابع لفقدانهم أحد شروط العضوية في المجلس، وهو حملهم لجنسية ...