منذ النكبة، والأديب الفلسطيني على قدرٍ كبير من المسؤولية، فهو ورغم انشغاله بقضيّته، لم ينغلق على عالمه وذاته وهمومه، بل قام برصد تحوّلات واقعه، مثلما معاناة مجتمعه، وسواء كان في أرضه المحتلّة، أم خارجها ويرنو إلى وطنه، أملاً بالعودة وطردِ المحتلّين الصهاينة،
إذاً، للمنفى أدبه، وهو أدبٌ أغلبه مقاوم لدى أدباء فلسطين.. لدى «فدوى عباس» مثلاً، الروائية التي جمعت في أعمالها، بين المنفى والمقاومة، ولاسيما أعمالها الأخيرة «خبز المنافي» و«غواية الحرب» و«لبنان ياوجه القمر» و«عيون الياسمين»..هذا ما فعلته «عباس» البعيدة عن وطنها، وضمن رواياتٍ حمّلتها صرختها: «أنا صاحبة الأرض». الصرخة التي ترجمتها إلى كلماتٍ غاضبة، سببها شعورها أن كلّ شيءٍ في المنفى، يذكّر أبناء فلسطين بوطنهم، حتى الزاد أو «خبز المنافي» الذي رأته:«الزادُ خبزٌ يُصنع ليذكّرهم، بالرائحةِ البعيدة لأرضٍ قد لا يدخلونها أبداً، رغم أنها تحملُ آثار أقدامهم».. إنها الرواية التي حمّلتها، رفضها وأبناء شعبها في المنفى، بأن تُضاء بهم سماءٌ غريبة لطالما «النجوم تُطفئ إن طلعت في سماءٍ لا تشبههم، وإذا طلّوا على أرضٍ، لا يجدون فيها صورتهم بسببِ صدأ مرآةِ المنفى»..حملتها أيضاً، إيمانها بأن الكلمة هي السلاح الذي يحرّرها من الصمت، ويجعلها تحاكي مأساتها، وبأن الكتابة تمنحها الأمل بالنصر ودحر المحتل، مثلما حلم العودة اليقظ، لدى كلّ كنعاني سمع أو قرأ دعوتها: «لنعود إلى الأحباب، نقبّل حبّات التراب».إنه ما فعلته أيضاً، في سرديّتها الطويلة «غواية الحرب». الرواية التي كتبتها بصعوبةٍ، سببها هذا الزمن الصاخب بأحداثه، والموغل في دمويّته.. القرن الحادي والعشرين الذي أشعرها، بأن القيم الأخلاقية في خطر، وبأن إنسانه بات يصارع ذاته.في الرواية، توثيق لليوميات الدامية التي يعيشها الفلسطيني، وللمعاناة والأمراض التي تسبّبها له، الغازات السامة التي يُجبر على استنشاقها، كلّما اضطرّ للوقوف أمام حواجز التفتيش الاسرائيلية، وهو ما حصل مع الصحفية «وجد» التي خاطبتها بعد أن رأت أن هذه الغازات، هي السبب في تفاقم مرضها، وتأزّم حياتها الاجتماعية:«ستشفين يا «وجد». الأوغاد حبسوا الأوكسجين عنكِ، لكنّ هواء فلسطين كفيلٌ أن يعيد الحيوية إلى فتاتها الحرّة»..هذا وغيره مما في الرواية، ويدعو إلى التسلّح بالاصرار على مواجهة التوحش الصهيوني، هو ما جعل «عباس» ترنو إلى الوطن فتوثّق صور نزيفه، مثلما صور المقاومة والنضال والشهادة، والتمسّك بالأرض التي وصفت شوقها إليها:»إنني أتوقُ لعودةٍ عظيمة إلى فلسطين، لا أستطيع أن أعيش بعيداً عنها.. فلسطين في قلبي.. إنها وطني الجريح الذي ترك لديّ ندوباً سرمدية، وجراحاً مستمرّة، فمتى نعود؟.. متى أعود لأرضي المباركة؟..
بين المنفى والمقاومة.. أدبٌ يرنو إلى وطنه
سيرياهوم نيوز 2_الثورة