آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » بين النصّ الأدبيّ والنصّ النقديّ ومصطلحاته

بين النصّ الأدبيّ والنصّ النقديّ ومصطلحاته

| غسان كامل ونوس

 

تتوزّع أهمّيّة النقد الأدبيّ الكتّابَ أصحاب النتاجات الإبداعيّة؛ بمختلف أجناسها، والمتابعين بمستوياتهم المتفاوتة، وتتّصل الممارسة النقديّة بقدرة الناقد على الدخول إلى مسامات النصّ المتناوَل، والتحرّك المتقرّي في مفازاته ومعابره المنظورة والمستترة، وقابليّة هذا النصّ للتخويض في أحيازه القريبة والبعيدة.. ومن الطبيعيّ، أنّ مردود هذا النقد، لدى المتلقّين، يعود إلى اهتماماتهم، وقدراتهم على الفهم والتفهّم، واستعداداتهم لتطوير ذائقاتهم الأدبيّة، وإغناء أرصدتهم، وانفتاحهم على نصوص إبداعيّة، قد لا تكفي مدياتهم بأبعاد معارفهم واستطالاتها لفكّ عراها، ونثر عبيرها؛ ونصوص نقديّة، لا تقف عند حدود مداركهم واستنتاجاتهم، ولا تنتظر وصولهم؛ ربّما.

لكنّ الأمر لا يتوقّف- دائماً، وحسب- على إمكانيّات المستقبِلين، وأريحيّتهم، وحيويّتهم في التفاعل مع ما يُنشر؛ قراءة أو تدويناً، من أدب، ونقد، والتعامل مع العناصر الظاهرة، وتلك التي يمكن أن تُكتشف، من قبل هذا الناقد أو ذاك؛ بل إنّ النصّ النقديّ ذاته، يمكن أن يكون بخيلاً وعسيراً ومغلقاً؛ وقد يتزيّد على النصَّ الأدبيّ ضبابيّة وعتمة؛ ومن الممكن أن يكون هذا ناجماً عن عدم فهم النصّ الأدبيّ غير الشفّاف أصلاً، ومحاولة الناقد؛ كما الناصّ، التهويم والتعويم؛ تهرّباً من الاعتراف بالعجز، أو بأنّ النصّ لا يحمل تلك القيمة؛ لأنّ صاحبه مشهور ومنظور ومقرّب! وقد ينتج عن عدم قدرة الناقد على صياغة ميسّرة للأفكار المستنتَجة من النصّ المدروس؛ لأنّه مولع باستعمال أدوات وعناصر وعبارات ومفردات غير مألوفة، والأمر هنا يختلف؛ ربّما، عن أدوات الكاتب، التي قد يتميّز بها، في تحويمه، وتطوافه، وتحليقه عالياً، أو غوصه عميقاً، في عوالم ومعالم وكائنات ومكنونات، قد تتكشّف له، من خلال موهبته وانتثاراتها، وقد تفرض هذه العناصر ظلالها وتردّداتها على الناقد، وتهيمن عليه، وتأسره، فلا يستطيع الإفلات منها. لكنّ هناك قدراّ مهمّاً من المسؤوليّة، يقع على الناقد الوسيط المختار من نفسه أو من موقعه ودوره، أو بتكليف من جهة مهتمّة، بين النصّ وفهمه وفاهميه، ومن المهمّ أن تكون الرسالة سلسة مستساغة مستعذبة، وهي تستغور مكنونات النصّ، وتُنشي، وتنتشي، بما تكتشف، ويتكشّف لها، ممّا يكتنف العبارات والكلمات والأشكال، التي خطّها المبدع في لحظات إشراق وتجلّ وتماهٍ واندغام…

ومن المفيد أن يُظهر الناقد خبرته ودربته في هذا المجال، ولا بأس من التعريج على سعة اطّلاعه؛ بمقاربته ما قرأ في النصّ، الذي يدرس، مع نظريّات ومدارس وتجارب عالميّة، ولا ضير في أن يستعمل بعض المصطلحات النقديّة، التي تفيده في مسعاه النبيل، وتدلّل على ثقافته وإمكانيّاته، وتثري ذخيرة الكاتب والقارئ بها. ولكنّ الخطأ الجسيم، يظهر في المبالغة في هذا، والمغالاة في الاستعراض؛ بدلاً من التمحيص، ويحمّل النصّ الدارس وقارئه أكثر ممّا يحتمل؛ بإغراق مقاربته النقديّة بالمصطلحات؛ تلك التي قد لا تنطبق على ما يُدرس، ويحاول ليّ عنقها أو قوام النصّ وكيانه، من أجل هذا؛ فتنقلب القضيّة على صاحبها، وعلى الكاتب والمتلقّي، والمشهد برمّته؛ فلا صاحب النصّ استفاد من الدراسة، ولا القارئ استغنى من العملة العصيّة على الصرف، ولا المصطلح لاقى الصدى الحسن والمستحسن، وأدّى ما يفيد به، ويستفيد منه. وتجدر الإشارة إلى أّنه في الوقت الذي تكون مبالغة من قبل الناقد في استعمال المصطلحات، هناك مبالغة من قبل بعض القرّاء في النفور منها، والتنكّر لها؛ لعجز واستعصاء وتكاسل وتقاعس؛ ربّما!

والمصطلح سلاح ذو حدّين؛ بل مجموعة من الحدود؛ فقد يدلّ على زمن ما، وحيّز ما، ومعنى ما، مفارق أو مباعد، ومبتعد، وقد يكون فيه وحوله ما فات أوانه، وتجاوزته الدراسات والممارسات؛ ربّما، وصارت هناك مصطلحات أخرى أكثر مناسبة ومحايثة؛

كما يمكن استعمال مصطلحات في غير مكانها؛ نتيجة إشكال في فهمها، أو ترجمتها، أو تأخّر في وصولها إلينا، وشحّ في تفسيراتها، وما تكتنفه، وتكتنزه، وما يمكن أن تصل إليه مسابيرها؛ ولا سيّما أنّ غالبيّة المصطلحات أجنبيّة؛ لأنّ إنتاجنا- للأسف- من المعرفة والدراسات الأصيلة ما يزال محدوداً، وما زلنا نعتمد على منتجات الغير، أو تقليدها، أو التفاخر بالفرنجة والتغريب؛ كما أنّ بعض المصطلحات إشكاليّة في الأصل والاستعمال، ولها أكثر من مدلول، حسب البلد، الذي ظهرت فيه، وانتشرت، واستقرّت، وحسب لغته، ومستوى النقد والأدب فيه وانتقالها إلى ما هو أوسع؛ كما أن هناك مصطلحات؛ ربّما، تكون قد تداخلت زمنيّاً ومعرفيّاً، ومنها ما لم يَقَرَّ تماماً، وبقي في حيّز التجريب والتساؤل؛ نتيجة تحوّلات في العناصر، والرؤى، والاقتراحات والاشتقاقات، حسب الجنس المعرفيّ، الذي تستعمل فيه. ويفترض ألّا ننسى أنّ هناك مصطلحات، تتطلّب قدراً مهمّاً من الانفتاح والأريحيّة في التعامل مع أفكار ورؤى ونصوص؛ منها ما يحمل صفات التبجيل والتقديس؛ فهل نتجرّأ؛ على التعامل بها، ومعها، بطريقة مشابهة ونصوص مقاربة، وبيئة مختلفة، أم نداور به، ونناور، حتّى نخفي كثيراً من تردّدنا، وبعضاً من ميّزاته وتجاوزاته المهمّة؟! ومن النقّاد من يبقى أسير مصطلح بعينه، أو أقوال نقديّة بحرفيّتها؛ فيزجّ به، ويَستشهد بها؛ حيث يصحّ أو لا تصحّ! وقد تبدو بعض النصوص النقديّة عرضاً لمصطلح، وبرهاناً عليه، لا يحتاج إليه، أكثر ممّا هي دراسة مسلّحة بالمصطلح لسبر أغوار النصّ الإبداعيّ!

إنّ من المناسب ألّا يضيع الناقد بين المصطلحات، وألّا يُضيّع قرّاءه بها، وألّا يُغرق نصّه ودراساته بسيل من المصطلحات، التي تحتاج إلى شرح أو تفسير، يتعذّر تقديمه في سياق النصّ، ومن غير المستحبّ- وإن كان لا مفرّ منه أحياناً- تذييل النصّ بشروحات، قد تحتاج بدورها إلى تفسيرات؛ هنا قد يتنحّى القارئ عن كلّ هذا، ويكتفي بما رآه في النصّ، أو قد يفرّ من الموضوع كلّه، ومن المشهد إيّاه؛ فماذا نكون قد جنينا؟! إنّها لخسارة بيّنة للنقد والإبداع والمشهد الأدبيّ؛ ولا سيّما إن تكاثرت الحالة هذه هنا وهناك.

(سيرياهوم نيوز ٣-الموقف الادبي)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أنباء سحب الجنسية من نوال الكويتية تثير الجدل.. وحقيقة اعتزالها تكشف!

تصدر اسم الفنانة نوال الكويتية محركات البحث ومواقع التواصل الاجتماعي بعد تداول أنباء عن سحب جنسيتها الكويتية، وهو ما أثار الجدل بين المتابعين والمستخدمين. وتأتي ...