الرئيسية » مجتمع » بين جيلين..صراع “الفناء”

بين جيلين..صراع “الفناء”

حسين صقر:

لكل زمان دولة ورجال، ولكل عصر وأوان ظروفه وإمكاناته وطقوسه وعاداته وتقلباته، ولكن من عاصر جيل ما قبل الأربعينيات، واليوم جيل ما بعد الألفين يعيش صراع الأجيال الحقيقي، ولا سيما أنه اشترى بالفرنك والقرش، واليوم يدفع ثمن نفس السلعة آلاف الليرات، هذا من الناحية المادية، أما معنوياً فقد عاش أياماً صعاب عانى خلالها عدم وجود الكهرباء ولاسيما في القرى، وندرة وسائط النقل أو انعدامها في بعض الحالات، فضلاً عن العيش بالكفاف والقلة والقبول بأقل الحاجات، أضف إلى ذلك ممارسة الأعمال المجهدة والصعبة إلى جانب عائلته في المحلات أو المستودعات إذا كان ابن مدينة، وفي الأراضي وعلى بيادر القرية وبين أشجارها وسنابل زرعها إذا كان من أبنائها.
فجيل اليوم لو استثنينا سنوات الحرب الإرهابية التي شنتها منظومة العدوان على سورية للنيل منها ومن مواقفها، نرى أن جيل ما بعد الألفين أو الذي سبقه بعشر سنوات، توفرت له كل وسائل الراحة والرفاهية، ولم يعش أي ظروف صعبة، حيث يندرج ذلك على توفر الكهرباء والإنترنت والحاسوب، وركوب السيارات الخاصة، والسياحة والتنزه وأفضل اللباس وحرية الاختيار، في الوقت الذي لم يتوفر هذا كله أو سوى أجزاء منه لمن سبقهم.

و عندما نلج دهاليز الذاكرة ونطوف على أجنحة الزمن تمر على شريط الأيام صور كثيرة ومفاصل حياتية عشناها بصعوباتها وبحلوها ومرها، وهو ما يجعلنا نتوقف قليلاً لنسأل ماذا رأى جيل هذه الأيام مما رأيناه، وماذا رأينا نحن مما رآه آباؤنا وأخوتنا الكبار؟! لنرى أنه مهما اشتدت صعوبات اليوم فهي لا تقارن بيوم حصيد تحت عين الشمس أو نقل المحاصيل إلى البيادر والوقوف أياماً على النوارج لدرسها ثم تذريتها على الوابور أو المذراة لفرز القمح عن التبن، ثم طحن الدقيق، أو حراثة يوم أو نكش وتعشيب الخضراوات، أو حتى نقل الحطب على الأكتاف والخبز على التنور وعصر المشمش وإلى آخره، أو أي أعمال مجهدة أخرى في المصانع والمعامل مع عدم وجود الآلات.
ما دعا لذلك الرجوع والسفر إلى الخوالي عدة أسباب، قد لا يكون الحنين إلى تلك الأيام، إذ لا يمكن لعاقل أن يتوق لأوقات الشقاء والتعب، بعد أن دخلت الكهرباء كل منزل، ومعها جميع الأدوات التي تعمل على تلك التقنية، ومع وجود الهاتف النقال والأرضي والإنترنت والحاسب والتلفاز، ووجود السيارات والقطارات السريعة والحصادات والآلات الزراعية بكافة أنواعها وأشكالها، لكن فقط نتوق إلى تلك الأيام لأنها أيام الخير والعطاء، و عندما كان لكل شيء قيمته وأهميته وحاجته.
أما اليوم ومع وجود كل تلك التقنيات نرى أبناءنا، أعود وأكرر باستثناء سنوات الحرب العجاف لا يعجبهم شيء، بل وقد يصل الأمر فيهم إلى معاتبتنا لما جئنا بهم إلى هذه الحياة، ولم نعاتب أهلنا من قبل.
ما دعا أيضاً توافر كل شيء للطفل أو الولد أو البنت من مأكل ومشرب ولباس ورفاهية قدر المستطاع، وتراه أو تراها متذمراً أو متذمرة من كل شيء، ولا يعجبهم العجب.
أحياناً نبرر لهم ذلك بأن ما يمارسونه يندرج في إطار صراع الأجيال والبقاء، ولكن لا أجده أكثر من صراع للفناء والقضاء على كل ما هو جميل في حياتهم، بعد أن اختصروا واجباتهم الاجتماعية كلها برسالة على الهاتف، أو عبر تطبيقات التواصل ضاربين عرض الحائط بالقيم والعادات التي من شأنها تنمية وترسيخ العلاقات الاجتماعية، حيث يعد بعضهم ذلك نوعاً من التصالح مع الذات، في وقت لا يشكل ذلك سوى انطواء وابتعاد عن الواقع الذي نعيشه، مبررين لأنفسهم بأن الحياة تغيرت وبات الناس يبحثون عما هو مفيد، وكأن العلاقات مع الآخرين وصلات القربى أمر مضرّ.

سيرياهوم نيوز 6 – الثورة

x

‎قد يُعجبك أيضاً

“اليونيسيف”: أكثر من 200 طفل قُتلوا في لبنان من جراء العدوان الإسرائيلي منذ نحو شهرين

منظّمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” تعلن استشهاد أكثر من 200 طفل في لبنان من جرّاء العدوان الإسرائيلي منذ نحو شهرين، في وقتٍ “يجري التعامل مع ...