هيام القصيفي
لا يمكن التعاطي مع القمة العربية على أنها نهاية المطاف بالنسبة الى الملف الرئاسي في لبنان. هذه ثابتة، لا تراجع عنها قبل القمة وبعدها، بالنسبة الى قوى سياسية تواكب عن كثب تطورات العلاقات السعودية – السورية، وعلى تماس مع نقاشات تدور بين واشنطن وباريس وقطر. وهناك، كما يؤكد هؤلاء، خلاصات انتهت إليها النقاشات بين قوى لبنانية وأعضاء في اللقاء الخماسي، لا تتوقف عند أي تحول يمكن أن تنتهي إليه قمة جدة.
ثمة خلاصة أولى تتحدث عن أن حجم الضغط لانتخاب رئيس تيار المردة سليمان فرنجية يعادل حجم التسليم بالشغور الطويل. يعرف حزب الله، وليس الثنائي الشيعي، لأنه الأكثر تماساً مع ما يجري في المنطقة وتداعيات التسوية السعودية – الإيرانية، أن معركة إيصال فرنجية لا تزال قاسية، ويدرك أن الولايات المتحدة لا تقف مكتوفة اليدين تجاه التسوية المذكورة ولو اطّلعت عليها قبل نفاذها وتبلّغت من الصين حجم مساهمتها والغاية الاقتصادية منها فقط. وهي لن تسلّم بأيّ ترجمات لا تنظر إليها بارتياح، وخصوصاً بالنسبة الى سوريا، أو بأيٍّ من أوراقها لبنانياً. ويعرف أن خصومه، محلياً وخارجياً، يحاولون التعجيل بطرح خيارات أخرى يعوّلون على الرئيس نبيه بري للاتفاق عليها، لذا يصبح الخيار الأكثر إثارة للراحة هو إطالة أمد الشغور الى ما بعد انتهاء ولاية قائد الجيش العماد جوزف عون لتطيير أحد بنود المساومات. بذلك، يمكن إصابة أكثر من عصفور بحجر واحد. وفي المحصلة، لم يعد هناك سوى سبعة أشهر لانتهاء ولاية قائد الجيش، وقد مرّ من عمر الشغور نحو سبعة أشهر، فيما بلغ عمر الشغور السابق سنتين ونصف سنة، ما يمكن التعويل معه على أن تكرار ما جرى لن يحمل معه تداعيات أكثر سلبية عليه. وبذلك، يخرج الحزب من حملة الضغط الحالي لتطيير خيار المواجهة، أميركياً وقطرياً ومصرياً، بين فرنجية وقائد الجيش.
ad
في المقابل، تتصرف المعارضة باهتمام مع ما يجري إقليمياً. فالتسوية السعودية – الإيرانية أثارت لديها في اللحظات الأولى احتمالات تطيير فرنجية، وتدريجاً بدأت تعبّر عن قلق من التحول الذي تشهده الرياض. إذ يظهر بوضوح يوماً بعد آخر حجم الاهتمام السعودي بسوريا، إعلامياً وسياسياً، مع أن المملكة كانت الى أيام قليلة لا تزال تؤكد لسائليها، أن لبنان ليس على جدول أعمال الحوار مع سوريا أو الاتفاق مع إيران. لكن الكلام الرسمي الذي تكرر في الأيام الأخيرة، بات يترك تساؤلات لبنانية لدى قوى معارضة ومستقلة معاً، حول إمكان أن تكون للرياض لغتان، واحدة رسمية يجري التعبير عنها في اللقاء الخماسي، وأخرى تستخدم في إيران وسوريا ومع قوى لبنانية سمعت كلاماً سعودياً غير مطمئن بالنسبة الى التسوية الرئاسية.
ad
الكلام عن عقوبات خارجية وتمنيات سعودية قد يعطي مفعولاً عكسياً
هذا التوجس من الموقف السعودي يقابله تأكيد مجموعة ثوابت لا يمكن للقوى المعارضة المسيحية، ولا حتى التيار الوطني الحر، القفز عنها. فالهاجس الذي يقلق هذه القوى يتعلق بــ«فرض» سعودي لحضور الجلسات الرئاسية وتأمين النصاب. فرغم أن موقف القوات اللبنانية، مثلاً، تدرّج من قبول تأمين النصاب الى رفض تأمينه إذا كانت التسوية تقضي بانتخاب فرنجية، إلا أنه ليس بإمكان القوات أن تعود خطوات الى الوراء، وترتضي أي تسوية تأتي به تحت ذريعة العقوبات على معرقلي عقد الجلسات. لا العقوبات الأوروبية ولا المطلب السعودي من شأنهما تحقيق النصاب. حتى الآن، لا يمكن الرهان على قبول المعارضة المسيحية بذلك. فمنذ إعلان ترشيح فرنجية، كان موقف القوات مدار تكهنات. علاقة الرئيس نجيب ميقاتي بالقوات وعلاقتها بالرئيس نبيه بري فتحتا باب التساؤلات حول إمكان تدوير الزوايا معها. لكن القوات لا تزال تؤكد، أقلّه حتى اللحظة، أنها واضحة في موقفها المعارض حكماً لفرنجية، ولن تقبل موقفاً سعودياً يخيّرها بين السيئ والأسوأ، علماً أن على كتف القوات أكثر من حمّال، كحزب الكتائب الذي تصرّف أكثر من مرة على أنه خارج أي تسوية تُفرض من الخارج، سواء من باريس أو الرياض، ما يعطيه صدقيّة في الشارع السياسي والمسيحي، والتيار الوطني الحر الذي يكرر موقفه الرافض تأمين النصاب لانتخاب رئيس المردة. ورغم أن موقف التيار حمل التباسات عدة لجهة الاعتقاد بأنه يبالغ في شروطه لرفع ثمن المقايضة. إلا أن باسيل يذهب كل يوم أبعد من اليوم الذي سبقه في تأكيد رفض فرنجية، وموقفه من حزب الله لم يعد يحتمل تأويلات، وهو مدرك لأهمية موقعه الحالي، وهو الذي يحاول توجيه رسائل سورية وسعودية، لا يزال عند المربع الأول، وقادر في لحظة ذهاب حزب الله الى مواجهة حاسمة بفرنجية على التلاقي الحاسم مع المعارضة. الى هذا الحدّ، يمكن أن يعطي الكلام عن عقوبات خارجية وتمنيات سعودية مفعولاً عكسياً، ليس على طريقة اتفاق معراب وتقاسم الحصص فيه. فردّة الفعل على مبادرة باريس وتحرك إدارة الإليزيه أظهرت أن القوى المسيحية لا تزال قادرة على رفض ما يفرض عليها. فهناك خطوط حمر، تذكّر مصادر سياسية بها، جعلت القادة الموارنة يختارون في التسعينيات الفوضى على انتخاب النائب الراحل مخايل الضاهر، وهم اليوم قاب قوسين من تجربة مماثلة، تجعلهم، على اختلاف مواقعهم، يتصرفون بالطريقة ذاتها.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية