.
نادر عزالدين
بانتظار ما قد يخرج به اللقاء العاجل للرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، اليوم الاثنين، والذي ستُفرد فيه ملفات حامية على الطاولة، بدءاً من غزة والأسرى، مروراً بإيران وبرنامجها النووي، والصدام الإسرائيلي – التركي في سوريا، وصولاً إلى التعريفات الجمركية الأميركية على إسرائيل بنسبة 17%، تتجه الأنظار إلى ما يحدث في القطاع الفلسطيني، إذ مضى أكثر من أسبوع على اشتعال غزة مجدداً، بعدما فشلت الوساطات والطروحات المتعددة في جعل الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق الذي أوقف الحرب بين “حماس” وإسرائيل أمراً ممكناً.
وبذريعة الضغط لاستعادة ما تبقى من أسرى لدى الحركة، فتح نتنياهو النار وأوعز بتوغّل بري واسع النطاق أعاد سيطرة الجيش الإسرائيلي على مساحات واسعة كان قد انسحب منها، محاولاً تقطيع أوصال القطاع وعزل مدينة رفح، الشريان الحيوي للفلسطينيين ورابطهم الوحيد بالعمق العربي من بوابة مصر. ومع عودة المجازر والقتال والحصار وانقطاع المواد الغذائية وسط تمسّك الجانبين بمطالبهما، كان لافتاً خروج المئات في تظاهرات نادرة ضدّ “حماس” في بيت لاهيا ودير البلح، ردد المحتجون خلالها هتافات تطالب بإسقاط الحركة وإنهاء الحرب، معبّرين عن استيائهم من استمرار الصراع والدمار، ما شكّل نذيراً لانقسام فلسطيني.
احتمالية الاقتتال الداخلي
ويتخوّف مراقبون من أن يكون الهدف الإسرائيلي المعلن من العودة إلى استخدام الآلة العسكرية، ذريعة لأهداف أكبر، وفي مقدّمها إثارة حالة من الغضب العارم لدى الفلسطينيين الذين يعيشون في ظروف قاهرة على “حماس” المتفاخرة بخطاب النصر والمتمسكة بالحكم وبشروطها، ما قد يضع غزة على حافة انفجار داخلي.
ويقول المحلل السياسي أمير مخول لـ”النهار” إنّ “الحكومة الإسرائيلية تفاوض تحت القصف والضغط العسكري، ما يجعلها تبدو وكأنها تدير الحرب بفعالية أكبر في ظل الضعف الفلسطيني. هذا قد يدفع الفلسطينيين إلى اقتتال داخلي بسبب الغضب على حماس، التي لا تعترف بالهزيمة بل تستمر في خطاب الانتصار والبطولات، وهو ما يتناقض مع نفسية الشعب في هذه المرحلة”، واصفاً الذهاب نحو اقتتال داخلي بأنه “خطير” لأنه قد يؤدي إلى “تدمير معنوي للفلسطينيين، وربما يمهد للهجرة، حتى وإن كانت طوعية، كما ترغب إسرائيل”.
ويرى مدير “مركز القدس للدراسات الإسرائيلية” عماد أبو عواد أنّ “الوضع الاجتماعي في غزة سيتفاقم نتيجة الأزمة الاقتصادية”، مضيفاً أنّه مع مرور الوقت “ستظهر بعض الظواهر الاجتماعية غير الطبيعية، وهو ما نتوقعه في غزة خاصة في ظل الأوضاع الحالية”.
ويؤكد أبو عواد في حديث لـ”النهار”، أنّ “إسرائيل تلعب دوراً خبيثاً قد يؤدي إلى مناوشات داخلية في غزة إذا استمر الضغط الكبير على الفلسطينيين”.
ويقلل مدير “مركز ثبات للبحوث واستطلاعات الرأي” جهاد حرب من إمكانية الذهاب نحو اقتتال داخلي.
ويقول لـ”النهار” إن أحد أهداف التصعيد الأخير هو “زيادة معاناة المواطنين الفلسطينيين، وهذا ما رأيناه من إغلاق للمعابر ووقف إدخال المساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية، خصوصاً نظام الرعاية الصحية. والهدف من ذلك هو عزل الحاضنة الشعبية للمقاومة الفلسطينية وتحميل حماس مسؤولية معاناة الشعب”. وفي حين يعرب عن اعتقاده أنّ “الاحتجاجات ضد حماس وإدارتها ستستمر”، إلا أنّها “لن تتحول إلى دعوات لإنهاء المقاومة أو للانقلاب” على الحركة.
ويضيف حرب: “ربما تساعد هذه الاحتجاجات في عقلنة الخطاب السياسي لحماس وتسريع اتخاذ القرارات المتعلقة بالمفاوضات مع إسرائيل أو الولايات المتحدة”.
التهجير والاحتلال
وفي حين لا تتوقف رغبات إسرائيل على استعادة أسراها وتعزيز الانقسام الفلسطيني الداخلي، يُحذّر مراقبون من أن يكون الهدف الأساس هو جعل غزة مكاناً غير صالح للعيش يؤدي حُكماً إلى هجرة أهالي القطاع، ما يُشكّل عودة إلى طرح ترامب الذي عاد وتراجع عنه جزئياً، لكن يبدو أن نتنياهو لا يزال متمسّكاً به.
وفي هذا الإطار، يؤكد مخول أنّ إسرائيل تريد “نسف مخرجات قمة القاهرة الاستثنائية، ومنع أي مشروع لإعادة إعمار غزة مع الإبقاء على الفلسطينيين تحت إدارة فلسطينية – عربية تكون فيها السلطة الفلسطينية شريكاً، ما يعني ربط الضفة الغربية وغزة في كيان واحد، وهو ما يتناقض مع مشروع نتنياهو الأساسي الذي يسعى إلى منع إقامة دولة فلسطينية”.
كذلك، تسعى إسرائيل، وفقاً لمخول، إلى “تعميق احتلالها للضفة الغربية، وضم أراضٍ جديدة، والتهجير القسري والتطهير العرقي في شمال الضفة، ثم في الأغوار وجنوبها، ما يمهد لإمكانية تهجير واسع النطاق”.
ويقول حرب إنّ إسرائيل تريد “تصفية أكبر عدد من القيادات المدنية لحماس، سواء في الحكومة القائمة أو في المؤسسات التي تدير شؤون غزة”، مشدداً على أنّها تسعى “لإنهاء الوجود الفلسطيني في المنطقة من خلال عملية التهجير، سواء كانت قسرية أو طوعية، وهو ما يعد تطهيراً عرقياً للفلسطينيين بغية إقامة دولة إسرائيل من النهر إلى البحر”.
أما أبو عواد فيرى أنّ الأزمات التي تمرّ بها الحكومة الإسرائيلية “فرضت عليها الاستمرار في الحرب إلى ما لا نهاية، وتطوير الأهداف شيئاً فشيئاً، مع إضافة أهداف جديدة في كل مرحلة لإطالة أمد الحرب وتحقيق أهداف استراتيجية في الضفة الغربية وفي الداخل الإسرائيلي”.
ويتابع: “قبل أشهر عدة، كانت الحرب تهدف إلى الضغط العسكري على حماس واستعادة الأسرى، ولكن بعدما طرح ترامب فكرة التهجير، بدأت إسرائيل تفكر جدياً في الموضوع. ورغم أن الرئيس الأميركي تراجع عن تصريحاته، إلا أن إسرائيل استمرت في هذا الاتجاه، إذ إن الهدوء بالنسبة لها يعني أزمات داخلية، بينما التصعيد هو طوق نجاة”.
هل ستستمع “حماس” إلى أهالي غزة وتذهب نحو عقلنة خطابها تجنّباً للانقسام والصدام؟ وهل تتمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها أم أنّ ترامب سيضبط إيقاع التصعيد للتوصّل إلى حلّ وسط يرضي الدول العربية والدولة العبرية معاً، ويحقّق طموحه في إكمال مسار التطبيع والسلام في الشرق الأوسط قبل زيارته المقررة إلى المملكة العربية السعودية في أيار/ مايو المقبل؟
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار