احمد يوسف داود
لاأُريدُ الحَديثَ عنْ (عُمقِ وكِبَرِ سَعادتِنا!)، وعن مَدى أَفراحِنا الغامِرةِ إلى حَدِّ اختِناقِنا بها: نَحنُ – غالبيّةَ السُّوريّينَ – في عيدِ الفِطرِ الذي كُنّا فيهِ شِبْهَ مَغمورينَ بالكَرمِ الإداريِّ الكَهربائيِّ إِلى حدِّ أنّنا كِدنا “نَفطَسُ” فَرَحاً بأَلوانِ السّعادَةِ الوَطنيّةِ الكُبرى جِداً، أو لِنَقُلِ: (الخانِقَةِ جِداً، لافَرْقْ!) – فَكِلا الأَمرَينِ قَضيّةٌ وَطنيَّةٌ كُبرى، كانَ يُمكِنُها أَنْ تَخنِقَنا جَميعاً بفَيضِ بَهائِها الرائعِ الغامِرْ!.
ولَمّا كُنّا، وربَّما لم نَزلْ – أَو إنَّنا سَنَبقى! – منَ القادِرينَ على فَيضِ الاخْتِناقِ بأيَّةِ (مَكرُمَةٍ!) حُكوميّةٍ زائِدةٍ عنْ حاجَتِنا إِلى (الصُّمودِ والتَّصدّي!) – إذ: نَحنُ صامِدونَ في هزيمَتِهم إِيّانا، وهم صامِدونَ في نَصرِهِمُ المُبينٍ علَينا، حَسبَما هَمَسَ لي أَحدُهم قائلاً: (لاتَحزَنْ، كَهرَباؤنا تلتزم بقَولِ شاعرٍ مِصرِيٍّ في بِداياتِ مَعرِفَةِ مِصر لِلكَهرَباءِ:
(ياكَهرَباءَ الحُبِّ رِفقاً إنَّما/هذي الأَنابيبُ الضِّعافُ عِظامي)!..
ففَهِمتُ مِنهُ فَوراً إِنَّ كَهرَبَتَنا رومَنسِيَّة المزاجِ كَحالِ القَيِّمينَ عليها، وقد تَراجَعَ فَورَ انتِهاءِ (أَيّامِ رَمضانَ في العيدِ.. السَّعيدِ طبعاً!): من ساعتَينِ تَقريباً في كلِّ ست ساعاتٍ إلى نِصفِ ساعَةٍ فقط في نَفسِ المُدّةْ!.
وهكذا تَمّ لمن يَهمُّهمُ الأمرْ:
إِخمادُ نيرانِ أفراحِنا بِعيدِ الفِطرِ الذي كُنّا نأملُ أن يكونَ سَعيداً ولو بِبعضِ مَكرُماتِ الحُكومةْ، لكنَّ همًّها الوَحيدَ كان أَنْ تَتَسلّى هيَ برفعِ أَسعارِ كُلِّ مايَعنينا، ونَحنُ هَمُّنا أَنْ تَكونَ هذِهِ الحُكومةُ العَليّةُ راضيَةً مَرْضِيَّةْ، والباقي نُسلِّمُ أَمرَنا للهِ فيهْ: طالِبينَ من كَرَمِهِ أَنْ يَمُنَّ عَلَينا بالصَّبرِ حتّى نِهايَةِ أَعْمارِنا الغَبيَّةِ التي لايَسُرُّ طولُها أَحَداً منْ (أُولي الأمرْ)، لأنَّ بَقاءَنا هوَ نَوعٌ من العَبثِ الذي لايشبِهُ إلّا فَرضَ العُقوبَةِ علَيهِمْ!.
وهكذا مرّتْ أَيّامُ (عيدِنا!) مُكلَّلةً بالقِلّةِ والذِّلَّةِ، وصارَ زَمَنُنا الأَعجَفُ يَمُرّ بِلا طَعمٍ ولالَونٍ ولا رائِحَةْ.. وللهِ الأمرُ، مِنْ قَبلُ ومِنْ بَعدُ، على أيِّ حالْ، ونأًمل أَنْ تكونَ أًحزانُنا كما هي أَفراحُ الشامتين بنا: سائِرةً إِلى زَوالْ، والحمدُ للهِ على كلِّ حالْ!.
(موقع سيرياهوم نيوز)