الإخراج باريسي والتنفيذ حريري. ولذلك، فإن موافقة الرئيس سعد الحريري على أن تكون وزارة المالية بعهدة وزير من الطائفة الشيعية، سرعان ما لاقت ترحيباً فرنسياً استثنائياً، قُرن بالإشارة إلى ضرورة تأليف الحكومة «الآن». لكن بيان رئيس الجمهورية أعاد التذكير بأن عقدة «المالية» ليست الوحيدة، وإن حجبت خلفها العقد الأخرى. أبرز هذه العقد التمثيل المسيحي. لن يقبل الرئيس ميشال عون توقيع مرسوم تأليف حكومة لم يوافق مسبقاً على أسماء الوزراء فيها، وتحديداً منهم المسيحيين
الرسائل غير المباشرة على خط عين التينة – بيت الوسط أوحت أن التأليف صار في عهدة الطرفين. متى اتفقا صارت الحكومة جاهزة. ولذلك، خرجت رئاسة الجمهورية أمس ببيان اعتراضي، أعادت التذكير فيه بأن «الدستور ينصّ صراحة في مادتيه 53 (فقرة 4) و64 (فقرة 2) على أن رئيس الجمهورية يصدر بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء، مرسوم تشكيل الحكومة، وأن رئيس الحكومة المكلف يجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة ويوقّع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها، ما يعني من دون أي اجتهاد أو اختزال أو تطاول على صلاحيات دستورية، أن رئيس الجمهورية معنيّ بالمباشر بتشكيل الحكومة بإصدار مرسوم التشكيل بالاتفاق مع رئيس الحكومة المكلف»، علماً بأن مصطفى أديب لم يكن بعيداً عن موقف رئيس الجمهورية، فأكد، في بيان، حرصه على الوصول إلى تقديم تشكيلة من ذوي الاختصاص وأصحاب الكفاءة القادرين على نيل ثقة الداخل كما المجتمعين العربي والدولي، بالتشاور مع رئيس الجمهورية ضمن الأطر الدستورية. وكما أبدى عون حرصه على المبادرة الفرنسية وتأليف حكومة مهمة من اختصاصيين مستقلين للقيام بالإصلاحات اللازمة لإنقاذ لبنان من أزماته المعقّدة، كذلك أكد أديب تأليف حكومة «تساعد اللبنانيين على وضع حد لآلامهم اليومية، وتعمل على تنفيذ ما جاء في المبادرة الفرنسية من إصلاحات اقتصادية ومالية ونقدية وافقت عليها جميع الأطراف».
رئيس الجمهورية لبرّي والحريري: مرسوم التأليف في عهدتي
وفيما بدا موقف الحريري بمثابة الانطلاقة الجديدة للمبادرة، كانت فرنسا تلقي بثقلها لإنجاحها، تارة بالترغيب وأخرى بالترهيب. سارعت وزارة الخارجية الفرنسية إلى الترحيب «بالإعلان الشجاع» للحريري. وقالت إن «هذا الإعلان يمثل فرصة وينبغي أن تدرك كل الأحزاب أهميته حتى يتسنى تشكيل حكومة مهام الآن». ثم عمد وزير الخارجية جان إيف لودريان إلى الذهاب باتجاه معاكس للوصول إلى النتيجة نفسها، أي «تشكيل حكومة الآن». فدعا «الشركاء الدوليين إلى زيادة الضغط على القوى السياسية اللبنانية لتشكيل حكومة جديدة»، محذراً «مرة أخرى من أن وصول المساعدات المالية الحيوية مشروط بإجراء الإصلاحات».
وقال لو دريان، في كلمة ألقاها أمام أعضاء مجموعة الدعم الدولية للبنان: «إن القوى السياسية لم تنجح بعد في الاتفاق على تشكيل الحكومة. ولذلك، فإن الضغوط القوية والمتحدة من جانبنا ضرورية لدفع المسؤولين اللبنانيين إلى احترام التزاماتهم». أضاف: «مستقبل لبنان على المحك، ومن دون إصلاحات لن تكون هناك مساعدات مالية دولية».
هل ينساق الحريري خلف التحريض السعودي على حزب الله؟
وعليه، فقد أكدت مصادر مطلعة أن التفاؤل المستجد مرتبط بمسعى فرنسي جدي لحسم تأليف الحكومة، لأن التأخير صار يشكل استنزافاً لباريس، التي وضعت كل ثقلها في الملف اللبناني ولن تقبل بالخروج خائبة. لكن السؤال الرئيسي: هل تفتح الطريق أمام تأليف الحكومة بمجرد حل عقدة المالية، أم أن عقداً أخرى ستظهر بعدما كانت محجوبة بعقدة «المالية»؟ بيان رئيس الجمهورية، وإن كان يؤكد المسار الدستوري للتأليف، إلا أنه يخفي أيضاً معركة لن تكون بسيطة على التمثيل المسيحي. فعون، بالرغم من حرصه على نجاح المبادرة الفرنسية، لن يقبل توقيع مرسوم تأليف حكومة، لا يكون موافقاً على أسماء أعضائها، أقله المسيحيون منهم. مصادر رئاسة الجمهورية تؤكد أنه لم يُصر بعد إلى مناقشتها في أي اسم للتوزير. وهذا يؤكد أن معركة التأليف ما بعد حلّ «المالية» لن تكون سهلة أيضاً.
لكن أبرز الإشارات السلبية أتت أمس من خارج البلاد، وتحديداً من السعودية. ففي كلمة مسجلة ألقاها الملك سلمان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ربط بين انفجار مرفأ بيروت و«هيمنة حزب الله الإرهابي التابع لإيران على اتخاذ القرار في لبنان بقوة السلاح، ما أدى إلى تعطيل مؤسسات الدولة الدستورية». واعتبر أن تحقيق ما يتطلع إليه الشعب اللبناني من أمن واستقرار ورخاء يتطلب «تجريد هذا الحزب الإرهابي من السلاح». وفيما لم يعرف بعد كيف ستكون تبعات هذا الكلام على الداخل اللبناني ومواقف الأطراف، فإن السؤال الأبرز سيكون: هل سيتمكن سعد الحريري من تجاهل هذا السقف السعودي؟ أم أنه سيبقى مراهناً على المبادرة الفرنسية، الوحيدة القابلة للحياة اليوم، من دون المس بالمعادلات السياسية الراهنة، ولو إلى حين؟
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)