آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » تباكي الغرب على حقوق الإنسان الأفغاني بعقلية خيار وفقوس

تباكي الغرب على حقوق الإنسان الأفغاني بعقلية خيار وفقوس

عبدالسلام بنعيسي

أثار الدخولُ المظفَّرُ لمقاتلي حركة طالبان العاصمة الأفغانية كابول ردود أفعالٍ متباينة. الردُّ الذي يستقطب الأنظارَ ويشدُّها إليه هو ذاك الذي يُحذِّرُ من عودة طالبان للاستيلاء على السلطة في أفغانستان، ويُنبِّهُ من مخاطر الانتهاكات الجسمية لحقوق الإنسان التي قد تطال الأفغان في ظل حكمها، ويتمُّ التذكير، في هذا السياق، بالممارسات القمعية التي كانت الحركة المذكورة تحكم بواسطتها أفغانستان، قبل الإطاحة بها من طرف القوات الأمريكية سنة 2001.

حين غزت القوات الأمريكية أفغانستان، فإنها لم تقم بغزوه على أنغام الموسيقى وإلقاء الورود على الأفغان. الغزو الأمريكي جرى برمي القنابل وبالقصف السجادي الماحق على المدن والقرى والبوادي الأفغانية، ولقد طال القصف الطرق، والمسالك، والخيم المهترئة، والمساكن البائسة، والأسواق الشعبية، ولم تكن الطائرات الأطلسية وهي ترمي حممها النارية على الأرض الأفغانية تميز بين المرأة والرجل، والطفل، والشيخ، والكهل، ولم تكن تعزل المقاتلين الطالبان في أماكن محددة لكي تقوم بقصفهم لوحدهم، باعتبارهم أشخاصا مسلحين، وأنها مجبرةٌ على تحييدهم للدخول إلى أفغانستان.

 لقد جاءت القوات الأمريكية إلى أفغانستان، تسكنها القوة الغاشمة، وتحذوها الرغبة الجنونية والغريزة العالية في الانتقام مما جرى لأمريكا بتاريخ 11 شتنبر 2011 في تفجيرات مركز التجارة العالمي بنيورك، ومقر وزارة الدفاع بواشنطن، وكان الذين يحكمون في البيت الأبيض وقتها عصابةٌ من اليمنيين المتطرفين، يرأسهم جورج بوش الابن، وإلى جانبه الأيمن نائبه ديك تشيني، وعلى جانبه الأيسر وزير دفاعه، سيء الذكر، دونالد رامسلفد، وكانت معهم السليطة اللسان كونداليزا رايس..

وفي تجاوز كاملٍ لمبادئ حقوق الإنسان، وعلى رأسها الحق في حرية الرأي والتعبير والاختلاف، ورضوخا لمقولة الرئيس الأمريكي بوش الصغير: من ليس معنا فهو ضدنا، اصطف العالم الغربي كله وراء هؤلاء اليمينيين المتعصبين، وتجندت الدعاية الأمريكية للترويج لمخططاتهم، وإيجاد المبررات والمسوغات للغزو الأمريكي لأفغانستان، بكل ما رافق الغزو من قتلٍ جماعي، وقصفٍ شاملٍ، وتدمير طال هذا البلد، وشمله من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه، ومن أقصاه إلى أقصاه، ولم تكد تبقى نقطة واحدة فيه لم يطلها القصف الأمريكي العنيف والمدمر..

وكان آخرُ همِّ الأوروبيين والأمريكيين حينئذ، هي حقوق الإنسان الأفغاني، فلا أحد تجرأ على إثارة هذا الموضوع، ولم تذرف الصحافة الغربية، وقتها، دمعة واحدة على هذه الحقوق، وإنما كانت متحمسة ومنخرطة بالتحريض على الأفغان، ضاربةً عرض الحائط بحقوقهم الإنسانية البسيطة التي أخرجتها اليوم من الدولاب وباتت تلوح بها في وجه العالم.

نعم، نحن مع حقوق الإنسان الأفغاني وضرورة احترامها، ونحن مع حرية المرأة الأفغانية، ومع حقها في التعليم والشغل، وأن تنعم بالمساواة، وأن تكون لها ذات الحقوق التي للرجل، ولكن أين كانت هذه اللغة عن حقوق الإنسان الأفغاني حين كانت الآلة الحربية الأطلسية تسفك دمه، وتمزق لحمه، وتطحن عظامه؟ لماذا غاب هذا الخطاب خلال الفترة المديدة للاحتلال الأمريكي لأفغانستان؟ هل كانت حقوق الإنسان الأفغاني محترمة ومحفوظة في ظل هذا الاحتلال؟

وغزو أفغانستان واحتلاله، أليس هو في حد ذاته، ضربٌ لحق هذا الشعب في الحرية والاستقلال، وأن الغزو كان بمثابة عقاب جماعي لشعب بأكمله، بجريرة اقترفها أشخاص محددين كانوا يعيشون فوق أرضه؟ حين تمكنت القوات الأمريكية من الوصول إلى ابن لادن واغتياله، تبيّن أن الغزو الأمريكي لأفغانستان كان عملا لا لزوم له، ما دام الوصول إلى ابن لادن مقترفُ تفجيرات نيورك في المتناول الأمريكي. وحتى حركة طالبان التي أزاحتها أمريكا عن الحكم عادت وتفاوضت معها، وأقرت لها بالسلطة. فلماذا غزوُ أفغانستان وقتلُ شعبه، وانتهاك حقوق هذا الشعب لمدة تفوق العشرين سنة؟

وأين هو احترام حقوق الإنسان وصونها في دول عربية وإسلامية وغير إسلامية تداس فيها هذه الحقوق بالنعال على مرأى ومسمع من العالم؟ المثير هو أن بعض هذه الدول محمية من طرف الغرب، ومن أمريكا تحديدا، لأنها تضع مقدرات وخيرات وثروات شعوبها تحت الهيمنة الغربية، وعندما يثار موضوع الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان مع هذه الدول، فإن إثارة الموضوع تتم بغاية ممارسة الضغط والابتزاز للاستمرار في إخضاعها وفرض السيطرة عليها، وليس بغاية دفعها لاحترام حقوق الإنسان فعلا..

هذا التعامل الانتقائي مع الدول، وبعقلية خيار وفقوس، في موضوع حقوق الإنسان، هو الذي يجعل أي حديث في الوقت الراهن عن حقوق الإنسان الأفغاني من طرف الغرب حديثا بلا طعمٍ ولا مذاق. إنه حديثٌ تُشتَمُّ، رائحة النفاق، منبعثة بقوة منه، ويبدو حديثا لا مصداقية له، ولا يمتلك القدرة على الإقناع بمحتواه..

الغرب لا يختلف في التعامل مع موضوع حقوق الإنسان عن طالبان التي ينتقدها بسببه. طالبان تمكنت من تحرير شعبها من احتلال أمريكي بغيض للأرض الأفغانية التي عاث فيها كل أشكال الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان الأفغاني، وأمنّت طالبان لشعبها، كباقي شعوب الأرض، حقَّه الأساسي في حريته، واستقلاله، وسيادته على أرضه، كما أنها هشّمت الغطرسة الأمريكية وأبانت لفقراء العالم، أن بالإمكان هزمَ أمريكا وعدم الرضوخ لإرادتها، وهذا إنجازٌ لا يملك المرء الموضوعي، إلا الاعتراف لطالبان به، حتى وإن كان يعارضُ كيفية تدبيرها للشأن المحلي الأفغاني، مع التمني بأن تطور الحركة طريقة أدائها في حكمها لأفغانستان، وأن تعتمد الإسلام المنفتح، والمعتدل، والمؤمن بالحرية، وبالعدل، والتسامح، وعدم اللجوء إلى العنف، والقهر، والاستبداد..

لقد خرجت اليوم طالبان من الجهاد الأصغر، ودخلت في الجهاد الأكبر المتمثل في إعادة بناء الدولة الأفغانية وإعادة إعمار أفغانستان المدمرة بالحرب، ومن حق الحركة أن تطالب الأمريكيين والأوروبيين بتعويضات مالية عن كل ما اقترفته أيديهم، من قتلٍ ودمار في أفغانستان طوال المدة التي كانوا فيها محتلين للبلد، وعلى أمريكا والغرب تقديم التعويضات المطلوبة لأفغانستان من أجل إعادة إعماره، إن كانت حقوق إنسانه تهمُّ فعلا، لا نفاقا، أمريكا والغرب..

سيرياهوم نيوز 6 – رأي اليوم

x

‎قد يُعجبك أيضاً

ليلة وقف النار… ليلة القدر

    نبيه البرجي   ايلون ماسك، الرجل الذي قد نراه قريباً يختال على سطح المريخ، هدد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بـاحراق شاربيه من الفضاء. ...