عندما يتجه رئيس دولة إلى بلد عملاق كالصين، يشعر العالم بالترقب والاهتمام، وهكذا حدث مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الذي وصل إلى بكين قادماً من الدوحة في زيارة رسمية تستمر لمدة خمسة أيام. تلك الزيارة تعتبر الأولى لرئيس جزائري إلى الصين منذ 15 عاماً، وهي تحمل وعوداً وآفاقاً جديدة للعلاقات بين البلدين.
يتناول الرئيسان خلال هذه الزيارة ملفات سياسية ثنائية ودولية تعكس تحولاً في العلاقات الثنائية. فما هو مضمون تلك المحادثات الهامة؟ هل ترتكب الصين دوراً جديداً في ملفات السلم والأمان في منطقة الشرق الأوسط؟ وماذا عن التعاون الاقتصادي والاستثمار المشترك بين الجزائر والصين؟ هل ستنعكس هذه الزيارة على ملف الطاقة والتجارة بين البلدين؟
في هذا المقال، سنستعرض تفاصيل الزيارة وما يمكن أن تحمله من أثر وتأثير على العلاقات الجزائرية الصينية. سنناقش تطورات العلاقات بين البلدين على مر العقود، ونبحث في الفرص والتحديات التي تنتظرهما في المستقبل.
بين الرهانات والتحديات.. الجزائر وانضمامها إلى بريكس
تتجه الأنظار نحو الجزائر في الآونة الأخيرة، حيث تستعد للدخول إلى مشهد جديد ومحفوف بالتحديات. الرئيس عبد المجيد تبون يبدو واثقًا من قوة الدعم الصيني داخل منظمة بريكس، حيث تسعى الجزائر إلى الانضمام إليها كعضو ملاحظ أولاً، ثم عضو كامل الصلاحيات.
تعد الصين وروسيا الداعمين الأساسيين للجزائر في مسعاها للانضمام إلى بريكس، وتتطلع الجزائر إلى تعزيز تعاونها وشراكتها مع هاتين الدولتين الكبريين. بينما تواجه الجزائر تحديات تتعلق بمتطلبات الانضمام، فهل تتمكن من تحقيقها وتجاوز التحديات؟
قمة بريكس المقبلة في جنوب أفريقيا ستكون المناسبة المثالية لاستعراض ملف انضمام الجزائر، وهنا تتجلى أهمية الاقتصاد الجزائري وتنوعه. وفي ظل استقلالية القرار السياسي للبلاد واعتمادها على الغاز الطبيعي كأكبر منتج ومصدر في إفريقيا، تبقى المسألة مثيرة للجدل وتشكل تحديًا.
من جهة أخرى، تظل الجزائر محدودة في اعتمادها على مداخيل النفط والغاز، وتواجه صعوبات في انفتاحها على الأسواق العالمية بشكل كافٍ. هل ستتمكن الجزائر من تجاوز هذه العقبات والانضمام إلى بريكس؟ أم ستواجه تحديات أكبر على طريق الانضمام؟
في هذا السياق، يتوجب على الجزائر تحقيق التوازن بين تعزيز اقتصادها وتنويعه، والعمل على فتح الأبواب أمام الاستثمارات والتجارة الدولية. إن انضمامها إلى بريكس يتطلب رؤية استراتيجية شاملة وخطط عمل واضحة، لتكون الجزائر شريكاً موثوقاً وقويًا داخل هذه المنظمة الاقتصادية الصاعدة.
زيادات استثنائية في الأجور والمعاشات ومنحة البطالة في الجزائر: هل تقف واجهة التحديات الاقتصادية؟
أعلنت السلطات الجزائرية عن قرار جريء ومبهج للمواطنين في إطار مواجهة التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد. تضمنت موازنة عام 2023 زيادات كبيرة في أجور العمال، معاشات المتقاعدين، ومنحة العاطلين عن العمل، وهي الزيادات الأولى من نوعها في البلاد منذ أكثر من 15 عامًا.
تهدف هذه الزيادات الكبيرة إلى حماية جيوب المواطنين في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة وارتفاع معدلات التضخم. وتمت الموافقة على هذه الزيادات بنسبة 47% للقطاع العام على مدى السنتين 2023 و 2024، مما يساهم في تخفيف الضغوط المالية على المواطنين.
تشمل الزيادات رواتب العاملين بين 4500 و8500 دينار، وهذه الزيادات ستنفذ على مدى السنوات الثلاث المقبلة. كما ستشهد معاشات المتقاعدين زيادة مرتبطة بالحد الأدنى المضمون للأجور في الجزائر، وسترتفع منحة البطالة أيضًا.
من المتوقع أن تستفيد زيادات الأجور من حوالي 2.8 مليون عامل في القطاع العام، و1.9 مليون شخص بطالة، ونحو مليوني متقاعد يتلقون معاشات ضعيفة. هذه الخطوة تأتي في إطار الجهود الحكومية لتحسين الأوضاع المعيشية لهؤلاء الفئات وتحفيز الاقتصاد المحلي.
وفي ظل التحديات الاقتصادية التي يواجهها البلد، فإن هذه الزيادات الجريئة تلعب دورًا مهمًا في مساعدة الجزائر على تجاوز الصعاب وتعزيز قوتها الاقتصادية.
تحديات التضخم في الجزائر: بين الزيادات الهدية والمستويات المتصاعدة
على الرغم من وعد الرئيس عبد المجيد تبون بزيادات الرواتب والمعاشات كهدية للجزائريين، إلا أن هذه الزيادات تأتي في ظل تحديات جديدة تواجه الاقتصاد الجزائري. تزامنت هذه الزيادات مع ارتفاع مستويات التضخم التي تجاوزت توقعات الحكومة.
وفقًا للديوان الجزائري الحكومي، بلغت نسبة التضخم 9.7 بالمائة في نهاية نوفمبر الماضي، مما يعكس ارتفاع تكاليف المعيشة وضغوط الأسعار على المواطنين. وتستمر العملة الجزائرية، الدينار، في استقرارها على مستويات منخفضة أمام العملات الأجنبية، حيث فقد نحو 37 بالمائة من قيمته أمام الدولار واليورو خلال عام 2022.
وبالتالي، يواجه الجزائريون تحديات اقتصادية جديدة في ظل ارتفاع التضخم وتدهور قيمة العملة. قد تؤثر هذه الظروف على القدرة الشرائية ومستوى المعيشة للمواطنين، مما يتطلب من الحكومة اتخاذ إجراءات اقتصادية واحتياطية لمواجهة هذه التحديات وتعزيز استقرار الاقتصاد الوطني.
الجزائر تتجاوز اقتصاد النفط لأول مرة منذ استقلالها
عبدالمجيد تبون، الرئيس الجزائري، يخطو خطوة جريئة وتاريخية في تحقيق رؤية طموحة تهدف إلى تحرير اقتصاد البلاد من الاعتماد الشديد على النفط، لأول مرة منذ استقلالها. هذا القرار الجريء يأتي في ظل التحديات الاقتصادية والتقلبات العالمية في سوق الطاقة.
منذ عقود طويلة، كانت الجزائر تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط والغاز الطبيعي كمصدر رئيسي للإيرادات المالية. وعلى الرغم من أهمية هذا القطاع في تحقيق الاستقرار الاقتصادي للبلاد، إلا أن الاعتماد الشديد عليه أدى إلى ضعف التنوع الاقتصادي وجعل الاقتصاد الجزائري عُرضة للتقلبات السعرية في سوق النفط العالمية.
ومع تزايد التحديات الاقتصادية والتباطؤ في نمو القطاع النفطي عالميًا، أدركت الجزائر ضرورة تنويع اقتصادها والبحث عن مصادر جديدة للإيرادات وتعزيز الاستقلالية المالية. لهذا السبب، أعلن الرئيس عبدالمجيد تبون عن مبادرة جريئة لتحرير الاقتصاد من الاعتماد الشديد على النفط، وتعزيز التنوع الاقتصادي وتطوير قطاعات جديدة.
تتضمن خطة تحرير الاقتصاد إصلاحات هيكلية واستراتيجيات تهدف إلى تنمية قطاعات أخرى مثل الصناعة والزراعة والتكنولوجيا والسياحة. بالإضافة إلى ذلك، تسعى الجزائر إلى تشجيع الاستثمارات الأجنبية وتحسين بيئة الأعمال لجذب رؤوس الأموال والتكنولوجيا الحديثة.
على صعيد آخر، تأتي هذه الخطوة في إطار رؤية استراتيجية تهدف لضمان أمن البلاد واستقرارها، حيث يعتبر التحرر من الاعتماد على النفط خطوة هامة في تحقيق الاستقلال الاقتصادي والتخفيف من تبعات التقلبات العالمية في أسعار النفط.
ويأتي هذا القرار في وقت حرج للجزائر، حيث تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة. ولكنه يمثل أيضًا فرصة لتحقيق التطور والازدهار، وتحسين مستوى المعيشة للشعب الجزائري.
بالتزامن مع تحرير الاقتصاد، يسعى الرئيس تبون لتحقيق شراكات دولية جديدة وتوسيع آفاق التعاون مع دول أخرى، وخاصة دول البريكس التي تمثل مجموعة من الدول الناشئة والاقتصادات الصاعدة في العالم.
وفي خطوة استباقية وجريئة، أعلن الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون أن البلاد كانت تعتمد بنسبة 97 بالمئة من صادراتها على المحروقات حتى عام 2019. ولكن تحت رؤيته الجديدة والتطورات الاقتصادية، هذه النسبة باتت تتراجع بسرعة. في عام 2022، وصلت الصادرات بعيدًا عن المحروقات إلى 11 بالمئة، مما يعكس التحول الجذري الذي يسعى تبون إلى تحقيقه في اقتصاد البلاد.
طموحات تبون تتمثل في زيادة هذه النسبة إلى 16-22 بالمئة بحلول عام 2024، وهو هدف يُعد تحدٍّا مهمًا في تحقيق التنويع الاقتصادي وتطوير قطاعات أخرى غير النفطية. هذا الانتقال الهام يهدف إلى تقليل الاعتماد الشديد على النفط وتوسيع نطاق الصادرات إلى قطاعات مختلفة ومتنوعة.
في مسعى طموح نحو التحرر من الاعتماد الشديد على النفط، يراهن الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون على تحقيق تحول اقتصادي ذي موازين جديدة. يسعى تبون إلى رفع الناتج الداخلي الخام فوق حاجز الـ 200 مليار دولار، وهو رقم هائل يبرز الطموحات الكبيرة للبلاد في الوصول إلى الاكتفاء الذاتي وتحقيق أمنها الاقتصادي.
منذ بداية تولي تبون للرئاسة، تم تحقيق تقدم ملحوظ في الناتج الداخلي الخام، حيث ارتفع من 145.74 مليار دولار في عام 2020 إلى 191.9 مليار دولار في 2022، ومن المتوقع أن يصل إلى 206 مليارات دولار بنهاية العام الجاري. هذا الانتعاش الاقتصادي يرجع بشكل أساسي إلى ارتفاع مداخيل النفط والغاز بعد تجاوز تداعيات جائحة كورونا والتوترات الجيوسياسية العالمية، وكذلك نتيجة لزيادة الصادرات خارج المحروقات.
في إنجاز ملفت، نجحت الجزائر في تعزيز صادراتها خارج المحروقات من 1.7 مليارات دولار في عام 2019 إلى 5 مليارات دولار في عام 2021، ثم ارتفعت إلى 7 مليارات دولار في 2022، مما يدل على التحول الكبير الذي تشهده استراتيجية البلاد الاقتصادية.
شراكة متجددة: الصين والجزائر يستعدان لمشاريع مستقبلية مبهرة
تراهن الجزائر على العلاقة الاستراتيجية مع الصين لاستغلال قدراتها المنجمية وتحقيق تطور اقتصادي طموح. تمتاز الصين بأنها الرهان الكبير للجزائر في مجال استثمارات المحاجر والمناجم، حيث تم تخصيص ملياري دولار لاستثمار منجم الحديد في غار جبيلات ومبلغ يقدر بنحو 7 مليارات دولار لاستغلال وتحويل الفوسفات في منجم وادي الهدبة. بالإضافة إلى ذلك، تتمثل أحدى اللآلئ الصينية في الجزائر في إنشاء ميناء الحمدانية بمدينة شرشال، والذي يعد أكبر ميناء في إفريقيا وجزءًا من مبادرة الحزام والطريق.
جميع هذه المشاريع تمت من خلال شركات صينية، وتهدف زيارة الرئيس تبون إلى تعزيز وتسريع تنفيذ هذه المشاريع التي تأتي ضمن الخطة الخماسية الثانية للشراكة الاستراتيجية بين البلدين ومبادرة الحزام والطريق. ومن المتوقع أن يتم توقيع اتفاقيات جديدة في قطاع المناجم، حيث تحتوي الجزائر على خامات مهمة مثل الذهب واليورانيوم، بالإضافة إلى المعادن النادرة التي تشهد منافسة بين الصين والولايات المتحدة.
تسعى الجزائر أيضًا للاستفادة من الخبرة الصينية في الصناعات الدفاعية والفضاء والتكنولوجيات الحديثة، ومن المرتقب أن يتم إعلان عن تأسيس “مجلس أعمال مشترك” بين البلدين لتعزيز التعاون وتنفيذ مشاريع شراكة مثمرة.
ويشكل موضوع هيمنة الدولار على المعاملات التجارية الدولية محورًا مهمًا في المحادثات بين الرئيسين الصيني والجزائري، حيث يسعى الجانب الجزائري لتحقيق استقلالية أكبر في العملات وتنوي تنويع العملات المستخدمة في المعاملات التجارية والتعاون الاقتصادي الدولي.
في النهاية، إن الزيارة إلى الصين تمثل خطوة جريئة ومثيرة للجدل للجزائر، والتحديات المستقبلية ستكون محط اهتمام ومتابعة. إنها فرصة للبلدين لتعزيز التعاون والشراكة وتحقيق الاستفادة المتبادلة. سيكون لنا الانتظار لرؤية نتائج هذه الرحلة وتأثيراتها على مسار تطور الجزائر واقتصادها في السنوات المقبلة.
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم