انتهت القطيعة شبه الكاملة بين تركيّا وإسرائيل، والتي استمرّت أكثر من عقدٍ، فقد قدّم السفير التركيّ الجديد لدى إسرائيل أوراق اعتماده إلى رئيس الكيان، يتسحاق هرتسوغ في القدس المُحتلّة، ليملأ رسميًا منصبًا بقي خاليًا لأكثر من أربع سنوات.
وبحسب تل أبيب، فإنّ شاكر أوزكان تورونلر، الذي وصل إلى إسرائيل في تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت، هو دبلوماسيٌّ مخضرمٌ شغل في السابق منصب القنصل العّام لتركيّا في القدس المُحتلّة، أيْ سفير تركيا لدى الفلسطينيين عمليًا، وكان مؤخرًا سفيرًا لبلاده في الهند.
مجلّة (تايمز أوف إسرائيل) أشارت إلى أنّه في خطابه إلى جانب تورونلر بعد استلام أوراق اعتماده، دعا هرتسوغ الرئيس التركيّ رجب طيب إردوغان لزيارة إسرائيل، وقال: “إنّها علاقة عرفت أزمات في الماضي ولكنها الآن تسير في مسارٍ مُشجّعٍ للغاية”، مشيرًا إلى إمكانات التعاون في مجالات السياحة والأكاديميّة والطاقة والعلوم والثقافة والزراعة.
وأشارت المصادر في تل أبيب إلى أنّه في الأسبوع الماضي، قال وزير الخارجيّة التركيّ مولود تشاووش أوغلو لنظيره الإسرائيليّ إيلي كوهين إنّ زيارة وزير الأمن القوميّ إيتمار بن غفير إلى الحرم القدسيّ “غير مقبولة”.
في خطابه باللغة التركية، شدّدّ تورونلر على أهمية الحفاظ على الوضع الراهن في الحرم القدسي، لكنّه لم يذكر القضية الفلسطينيّة على وجه الخصوص، مُعربًا عن أمل تركيا في أنْ تنمو التجارة الثنائية بين البلدين إلى 15 مليار دولار في المستقبل القريب، إذْ أنّه في عام 2021، بلغ هذا الرقم 7.7 مليار دولار، بزيادة حوالي 30 بالمائة مقارنة بالعام السابق.
وكتب تورونلر في سجل زوار مقر رؤساء إسرائيل أنه يعتقد أنّ “العلاقات الوديّة القائمة بالفعل بين بلدينا ستستمر في التوسع”.
جديرٌ بالذكر أنّه في أيّار (مايو) 2018، استدعت تركيا سفيرها وطلبت من سفير إسرائيل مغادرة البلاد احتجاجًا على ردّ إسرائيل على احتجاجات على حدود غزة، والتي قُتل فيها عشرات الفلسطينيين.
وفي شهر آب (أغسطس) الأخير، أعلنت إسرائيل تعيين إيريت ليليان، وهي دبلوماسيّة بارزة لعبت دورًا رئيسيًا في المصالحة بين إسرائيل وتركيا، سفيرة جديدة في تركيا، وقدّمت أوراق اعتمادها لأردوغان قبل أسبوعين في أنقرة.
ليليان شغلت منصب القائم بأعمال السفارة الإسرائيلية في أنقرة منذ فبراير 2021، وخلال هذه الفترة تحرك الجانبان ببطء ولكن بثبات لاستعادة العلاقات الدبلوماسيّة الكاملة.
المصادر أكّدت أنّ إسرائيل كانت حليفًا إقليميًا لتركيا لفترة طويلة قبل أنْ تبدأ العلاقات بينهما في التدهور بعد انتخاب أردوغان، ووصلت التوترات إلى ذروتها خلال مداهمة للكوماندوز الإسرائيليّ في عام 2010 لسفينة (مافي مرمرة) المتوجهة إلى غزة، وهي جزء من أسطول هدف لخرق الحصار المفروض على غزة، وخلّفت المداهمة 10 نشطاء أتراك قتلى في أعقاب اشتباكٍ عنيفٍ مع جنود إسرائيليين على متن السفينة.
وعلى الرغم من الاعتذار الرسمي الذي قدّمه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، اتهم أردوغان الدولة العبريّة بـ “الحفاظ على روح هتلر حية” خلال عملية “الدرع الواقي” في يوليو 2014 ووصفها بأنّها “دولة إرهاب”.
وتعافت العلاقات في وقتٍ لاحقٍ إلى حدٍّ ما، لكن كلا البلدين سحبا سفيريهما بعد أنْ اتهم أردوغان في عام 2018 إسرائيل بـ “إرهاب الدولة” و”الإبادة الجماعية”، عندما قُتِل عشرات الفلسطينيين في احتجاجات عنيفة وقعت في غزة في أيّار (مايو) من ذلك العام، بعد قيام الرئيس الأمريكيّ آنذاك دونالد ترامب بنقل السفارة الأمريكيّة في خطوةٍ مثيرةٍ للجدل من تل أبيب إلى القدس المُحتلّة.
ووسط مؤشراتٍ دبلوماسيّةٍ العام الماضي أكّدت أنّ إردوغان يسعى إلى انفراجٍ في العلاقات مع إسرائيل، قام هرتسوغ بزيارةٍ رسميّةٍ لتركيّا في آذار (مارس)، وتمّ استقباله في العاصم أنقرة بموكبٍ عسكريٍّ كاملٍ وعزف النشيد (الوطنيّ) الإسرائيليّ.
وزار رئيس الوزراء السابق يائير لبيد أنقرة عندما كان وزيرًا للخارجية في حزيران (يونيو) الماضي، حيث التقى مع تشاووش أوغلو، وبعد المحادثات رفيعة المستوى التي هدفت إلى تعزيز التقارب بين البلدين، أشاد لبيد بالتعاون الأمنيّ مع تركيا الذي ساعد في إحباط مخططٍ إيرانيٍّ لاختطاف أوْ قتل مواطنين إسرائيليين في إسطنبول، بحسب المزاعم الإسرائيليّة.
وبحسب (تايمز أوف إسرائيل) يسعى أردوغان إلى تحسين العلاقات مع إسرائيل والخصوم الإقليميين الآخرين لتقليل العزلة السياسيّة والاقتصاديّة المتزايدة لتركيا، لافتةً إلى أنّ العملة التركيّة تراجعت في السنوات الأخيرة بشكلٍ حادٍّ، مما أدخل تركيّا في حالة اضطرابٍ اقتصاديٍّ قبل انتخاباتٍ مقررة هذا العام.
سيرياهوم نيوز 4-راي اليوم