- ليا القزي
- الأربعاء 16 حزيران 2021
«ينبغي السماح للحكومات باستخدام الضوابط على حركة رأس المال («الكابيتال كونترول») لعزل اقتصاداتها وحمايتها من المضاربات والتقلّبات في السوق» ــــ مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، تشرين الأول 1998.
كانت تلك المرّة الأولى التي تطلب فيها منظمة دولية تدخّل «الدولة» لتقييد حركة الأموال، في أعقاب الأزمة المالية الآسيوية. ويُضيف التقرير الصادر عن المؤتمر بأنّ وجود أسس اقتصادية متينة وتنظيم مالي فعّال يُساعدان في تجنّب حصول أزمات مالية، «ولكن ذلك ليس كافياً. التجربة تُظهر أنّه لتجنّب الأزمات، يجب فرض ضوابط على رؤوس الأموال والمزيد من التدابير المُتعلقة بالاقتراض الخارجي وحيازة الأصول». وتُفرض القيود «كجزء من إدارة الاقتصاد الكلّي، ولتحقيق أهداف التنمية على المدى الطويل». هذا الموقف يُمثّل عيّنة عن تطوّر موقف «العالم الحُرّ» من «الكابيتال كونترول».
الضوابط على رؤوس الأموال تعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي حين كان هدفها تقييد تدفق الأموال خلال الكساد الكبير. ثمّ ذاعت شُهرتها مع الأزمة الآسيوية في تسعينيات القرن الماضي. الإجراء ليس حديثاً، والأهم أنّ تطبيقه غير محصورٍ بالحكومات اليسارية. استُخدم «الكابيتال كونترول» على نطاقٍ واسع، «فبين الـ 1995 والـ 2010، فرضت 37 دولة قيوداً على حركة رأس المال»، بحسب تقرير نشرته «بلومبرغ» سنة 2015… حتى الولايات المتحدة الأميركية لم تَسلم. 250 اقتصادياً، سلّموا سنة 2011 رسالةً إلى وزيرَي الخزانة والخارجية لحثّ إدارة الرئيس السابق باراك أوباما على «إصلاح قواعد التجارة الأميركية التي تُقيّد استخدام ضوابط رأس المال، لكونها أداة سياسية مشروعة لمنع الأزمات المالية والتخفيف من حدّتها، وارتفاع قيمة العملات المحلية، ومنح الدول المزيد من الاستقلالية في صنع سياساتها النقدية».
رُفعت القيود عن رأس المال في قبرص، بعد سنتين من تطبيقها وتحقيق النتائج المرجوّة منها
الهدف الرئيسي من «الكابيتال كونترول» يتمثّل بوقف استنزاف العملات الأجنبية والتقلّب في أسعار العملات وحماية الاقتصاد من التقلبات… من البرازيل والأرجنتين وآيسلندا واليونان وشيلي وكولومبيا وتايلند وإسبانيا والصين والهند ونيجيريا وجنوب إفريقيا، «اعتاد المُستثمرون التأقلم مع وجود الضوابط على حركة رأس المال»، تقول وكالة «بلومبرغ»، لتدحض بذلك الدعاية بأنّ القيود مُضرّة بـ«الاقتصاد الحرّ» وتؤدّي إلى «تهشيل» الاستثمارات.
في ما يلي، تجارب الصين والهند والبرازيل وقبرص مع «الكابيتال كونترول».
الصين:
تاريخ الصين المالي هو عبارة عن ضوابط على حركة رأس المال، خُفّفت في سنوات مُعينة، قبل أن تُشدّد مُجدّداً منذ الـ 2016 لمنع العملات الصعبة من الخروج. هدف الصين الأساسي هو الحدّ من انخفاض احتياطي العملة الأجنبية، مع الحفاظ على استقرار في سعر صرف اليوان، والسيطرة على ميزانيتها العامة.
فرضت الصين حدّاً أقصى قدره 50 ألف دولار سنوياً، لتحويل الأموال من اليوان إلى العملات الأخرى، كما أنّها أجبرت الشركات الصينية الخاصة، التي قامت باستثمارات خارجية كبيرة، على إعادة الأموال إلى داخل الصين. في المقابل، لا تفرض الدولة قيوداً على الشركات الأجنبية التي تُريد الاستثمار داخل البلد.
الهند:
بعد الانهيار السريع للعملة المحلية سنة 2013، فرض المصرف المركزي الهندي ضوابط لخروج الأموال من البلد، فتدنّى الحدّ الأقصى للتحويلات من 200 ألف دولار إلى 75 ألف دولار. خُفّض أيضاً الاستثمار في الأصول الأجنبية. أما الاستثناءات فكانت بحاجة إلى موافقة البنك المركزي، الذي سمح للمصارف بعدم تكوين احتياطي لديه على الودائع بالدولار، لتشجيعها على جذب المزيد من الودائع بالعملات الأجنبية.
بالنسبة إلى الأجانب، سُمح لهم شراء وبيع الأسهم، مع فرض حدّ أقصى لنسبة الاستثمار في سندات الدين المحلي. بمُجرّد أن بدأت العملة المحلية تستقر، خفّفت الهند من القيود والإجراءات ولا سيما تلك المفروضة على الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاعات مثل البيع بالتجزئة والتصنيع والتعدين.
البرازيل:
مشكلات عدّة واجهتها البرازيل أدّت إلى فرض ضوابط على حركة رأس المال في التسعينيات: سعر الصرف، غياب القدرة التنافسية للصادرات، ارتفاع التضخم، ارتفاع أسعار الأصول… نوع القيود الذي اختارته البرازيل كان زيادة الضرائب التي تدفعها الشركات البرازيلية على السندات الخارجية، والضرائب على استثمار الأجانب في الأوراق المالية، والضرائب على المشتريات الأجنبية من السلع المحلية.
عزّزت البرازيل الضوابط أواخر 2009 إلى منتصف 2011، من دون أن تؤدّي إلى تحسّن في سعر الصرف. وقد أدّت الضوابط على حركة رأس المال إلى انخفاض عوائد الشركات التي تعمل في السوق المحلي حصراً، فيما لم تتأثر الشركات المُصدّرة كثيراً، لإمكانية حصولها على العملات الأجنبية. على العكس من ذلك، انخفاض قيمة الريال البرازيلي عزّز من القدرة التنافسية للصادرات. أما الشركات المُعتمدة على التمويل الخارجي، فقد تأثّرت مداخيلها بعد فرض الضوابط. رغم ذلك، اعتُبرت الضوابط «الخيار المُناسب» لوقف اللااستقرار في الأسواق المالية الناتج من التدفقات الرأسمالية القصيرة الأجل.
قبرص:
عانت قبرص من أزمة اقتصادية حادة، لم تبدأ من التخلص منها إلا بعد بدء تطبيق خطة الإنقاذ المالي سنة 2013، وتضمّنت قصّ نسبة من الودائع التي تتخطى الـ 100 ألف يورو، وفرض «الكابيتال كونترول» لسنتين. كان الهدف مواجهة مُسارعة العملاء إلى سحب أموالهم من المصارف خوفاً من انهيارها أو إفلاسها، وإنقاذ الدائنين غير المضمونين. وقد تمّ تطبيق «الكابيتال كونترول» بإجماع سياسي في الجزيرة. أبدت السلطات المحلية التزاماً قوياً بتنفيذ خطة الإنقاذ، ما أدّى إلى نتائج إيجابية على الاقتصاد الكلّي والتأثير السلبي كان أقل من المتوقع. تُشير دراسة لـ«يوروبنك» إلى استمرار النشاط الاقتصادي السياحي والخدمات المهنية «لأنهما أقلّ اعتماداً على الائتمان وأكثر قدرة على المنافسة من قطاعات محلية أخرى». رُفعت كامل القيود عن رأس المال في قبرص، بعد سنتين من تطبيقها وتحقيق نتائج.
(سيرياهوم نيوز-الاخبار اللبنانية)