تعيش منطقتنا والعالم مخاض ولادة عالم جديد متعدد الأقطاب، وسواء تأخرت الولادة أم تعثرت إلاّ أنها قادمة لا محالة، فسياق الأحداث يشير إلى ذلك بوضوح، خصوصاً أن الولايات المتحدة التي تتزعم القطبية الأحادية منذ ثلاثة عقود تبدو اليوم غير قادرة على الاستمرار بفرض النظام القائم مع إصرار روسيا والصين ومعهما العديد من دول العالم على فرض إرادتها كلاعب يحسب له حساب في الساحة الدولية.
وفي خضم صراع الولادة في الحرب التي تقودها موسكو ضدّ الغرب في سورية وأوكرانيا، بدأت معظم دول العالم البحث عن مكان لها في النظام العالمي الجديد، وهذا ينبغي أن يكون حال الدول العربية.
القوى الكبرى المتصارعة بدأت تخطب ودّ الدول العربية لحشدها إلى طرفها في الكباش الدولي الحامي نظراً لموقعها الإستراتيجي ولقدراتها الاقتصادية(نفط وغاز) التي تشكل رافعة لأي جانب تقف فيه خصوصاً في ظلّ حرب الطاقة بين روسيا والدول الغربية مضافة إلى أزمة الغذاء العالمية الناشئة.
جال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على دول الخليج والمغرب العربي وبعض الدول الأفريقية، وعقدت دول البريكس( روسيا والصين والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل) قمتها الرابعة عشرة في بكين وسط أنباء عن انفتاح المجموعة لتوسعتها وضمّ المزيد من الدول الرافضة للهيمنة الأميركية وتوقعات بانضمام إيران والأرجنتين إلى المجموعة التي يشكل عدد سكانها اليوم 3.2 مليار إنسان. كما عقدت دول بحر قزوين (روسيا وإيران وتركمانستان وكازاخستان واذربيجان) اجتماعها في تركمانستان لتعزيز التعاون في محيط روسيا.
في المقابل عقدت الدول الصناعية السبع قمتها في ألمانيا وتركزت على تدارك تداعيات الحرب الاقتصادية مع روسيا على القارة الأوروبية، وعقد حلف الناتو قمته غير المسبوقة في مدريد التي تمّ خلالها تبني إستراتيجية جديدة عسكرية للحلف تعتبر موسكو عدوها الرئيسي وبكين في المقام الثاني في تجاهل حقيقي لمشاكل العالم والتركيز فقط على المصالح الغربية مع تزايد الحديث عن تشكيل ناتو شرق أوسطي لمواجهة إيران، ما يعكس مفهوم الغرب الحقيقي القائم على العسكرة وإخضاع الأصوات التي لا توافق السياسات الغربية.
فهل تغتنم الدول العربية اللحظة التاريخية وتختار الجانب الصحيح الذي تقف فيه؟ وهل تستعيد فكرة أن قوة العرب بوحدة موقفهم وضعفهم في تفرقهم؟ وتنضم إلى تحالف الإرادة الذي تحدث عنه الرئيس بشار الأسد عندما وصف العلاقة السورية الإيرانية؟.
لقد تبنت معظم الدول العربية مواقف نأت بنفسها عن الهيمنة الغربية والأميركية ورفضت الدخول في الحلف الغربي ضدّ روسيا عسكرياً واقتصادياً، وهذا يعتبر موقفاً متقدماً يصبّ في مصلحة الدول العربية وشعوبها، فهل تحافظ عليه؟ أخذت سورية منذ البداية موقفها الواضح من أنها جزء من تحالف الإرادات ضدّ الهيمنة الغربية وأساس في ولادة النظام العالمي الجديد.
يعلم العرب أن الأطماع الإسرائيلية والتركية في الأرض العربية وثرواتها لم تتغير، بل ربما في تزايد ناهيك عن سياسات الهيمنة الأميركية، فهل يستغل العرب الفرصة التاريخية اليوم ويستعيدون التضامن العربي من جهة وينضمون إلى تحالف الإرادات المتمثل بروسيا والصين للمساهمة في صياغة عالم جديد متعدد وديمقراطي يضمن لهم موقعاً بين الأمم؟.
لقد أعلنت سورية أنها منفتحة على الدول العربية التي تشكل حاضنة طبيعية وبعداً أمنياً واقتصادياً مشتركاً متغاضية عن أخطاء السياسات العربية الماضية ومتطلعة للمستقبل لتعويض الخسائر وترميم الضعف الذي أصاب العرب جميعاً، وتلافي المزيد من الخسائر عبر الحوار والاحترام المتبادل وبناء العلاقات التي تخدم العرب جميعاً والمنطقة أيضاً لأنها تضمن السلام والأمن وتمنع الحروب والأطماع.
ضمن هذا الإطار والمفهوم، تشكل العلاقة الإستراتيجية بين سورية وإيران نوعاً من تحالف الإرادة الذي تحدث عنه الرئيس بشار الأسد في مواجهة سياسات الهيمنة والإملاء الغربية، وهي تشكل قاعدة لحماية الأمن وتحقيق السلام لشعوب المنطقة.
إن استعادة سورية عافيتها وقوتها هي قوة للعرب جميعاً وتحصين لمستقبلهم وضمان لمصالحهم ولأمنهم القومي، لذلك فإن ترميم الصف العربي على أسس من الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة ينبغي أن تشكل أولوية عربية وقاعدة أساسية للدخول في تحالف الإرادات الذي بدأ يقول كلمته.
سيرياهوم نيوز 1-سانا