يحيى دبوق
لم يكد يرتفع منسوب التفاؤل بتقدُّم المفاوضات بين حركة «حماس» وإسرائيل، حتى جاءت تصريحات المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، مساء أمس، لتنسف الحديث عن اقتراب التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار. وعلى الرغم من أنّ إشارات واضحة ومباشرة كانت ترد تباعاً خلال اليومين الماضيين، إلى إمكانية التوصّل إلى هكذا اتفاق، في ظلّ ما يشبه «انزياحاً نحو التفاؤل»، عزّزه خصوصاً ما حكي عن تسجيل تقدُّم في بعض النقاط الجوهرية الخلافية، فإنّه بدا واضحاً أن الطريق إلى التسوية لا يزال مليئاً بالتحدّيات التي من الممكن أن تعرقله.
ولعلّ الحدث الأبرز في هذا السياق، كان تسليم «حماس» ردَّها الرسمي إلى الوسطاء، والذي وصفه مسؤولون إسرائيليون بأنه «أفضل من السابق» و«يوجد فيه ما نعمل عليه»، وهو، كغيره من الردود، لا يحمل موافقة كاملة، بل جاء وفق صيغة: «نعم، ولكن»، مرفقاً طبعاً بسلسلة تحفّظات تتعلّق بتفاصيل، بعضها جوهريّ. وعكس ردّ «حماس»، وفقاً لمراقبين، توازناً بين التنازلات والتمسّك بالمبادئ الجوهرية، وهو جاء بعد جولة جديدة من الضغوط، بعدما رفضت الدول الوسيطة (مصر وقطر) الردّ الأول للحركة، واصفة إيّاه بـ«غير الجدّي»، ومطالبةً بردٍّ «أكثر واقعية».
وكانت مجموعة اعتبارات إلى جانب ضغوط داخلية وأخرى خارجية، دفعت إسرائيل إلى تعديل موقفها وتقديم تعديلات على المقترح، خصوصاً في ما يتعلّق بعدد الأسرى الفلسطينيين الذين تعتزم إطلاق سراحهم وهوياتهم، وكذلك جغرافية الانسحاب من القطاع. غير أنّ تلك التعديلات لم تكن كافية من منظور «حماس»، في ظلّ استمرار وجود نقاط أساسية موضع خلاف، إذ وبالإضافة إلى عمق الانسحاب الإسرائيلي، ثمة خلاف حول آلية توزيع المساعدات الإنسانية والضمانات الدولية لإنهاء الحرب بشكل نهائي.
ومن التعديلات التي وافقت عليها إسرئيل بخصوص موضوع الأسرى، إطلاق سراح نحو ألف أسير، من بينهم عدد من المحكوم عليهم بالمؤبّدات بتهم تتعلّق بقتل إسرائيليين. كما أبدت مرونة في مسألة الانسحاب الجغرافي، إذ تراجعت عن بعض المواقف السابقة، لكنها لا تزال تصرّ على الاحتفاظ بمنطقة عازلة بعمق 1.5 كيلومترات على طول الحدود مع مصر، فيما تطالب «حماس» بألّا تتجاوز المنطقة حدود الـ800 متر فقط.
يعكس ردّ «حماس» توازناً بين التنازلات، والتمسّك بالمبادئ الجوهرية
وإذا كان هذا التفاوت في المطالب حول الخرائط الأمنية وغيرها من التفاصيل، يُظهر أنّ الخلافات لا تزال جوهرية، وأنّ التقدّم الذي أُحرز جزئي وغير كافٍ لإنهاء الحرب، فإن زيارة المبعوث الخاص للرئيس الأميركي، ستيف ويتكوف إلى أوروبا، حيث التقى الوزير الإسرائيلي رون ديرمر، في سردينيا الإيطالية، قبل التوجّه إلى المنطقة، تُعدّ واحدة من المؤشرات الحاسمة في هذه المرحلة. وتُفسّر هذه الزيارة كإشارة إلى أنّ التقدُّم في المفاوضات لا يزال جزئيّاً، وأنّ هناك حاجةً إلى جولة جديدة من التنسيق والضغط و«التقريب بين المواقف»، بين إسرائيل وأميركا، قبل الوصول إلى اتفاق نهائي.
وفي خضم ذلك، يسجَّل ظهور ما يمكن تسميته بـ«تحالف دولي لفرض اتفاق على حماس»؛ ففي الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل عملياتها العسكرية في غزة، بما يشمل تقتيل الفلسطينيين يوميّاً، وفرض حصار إنساني خانق، تخرج تصريحات من جانب أطراف أميركية وإقليمية، وتسريبات حتى من لدن الوسطاء العرب في الدوحة والقاهرة، تنتقد موقف الحركة، وتتّهمها بأنها تتسبّب، نتيجة «تعنّتها»، بالمسؤولية عن استمرار معاناة الشعب الفلسطيني، ما يضعها في موقع صعب. وهكذا، تجد «حماس» نفسها تحت تأثير ضغوط متعدّدة الأطراف، تطالبها بالتنازل والموافقة على اتفاق، قد لا يحقّق كل مطالبها ومصالح الشعب الفلسطيني.
فهل نحن على أبواب اتّفاق هدنة؟ الإجابة المختصرة، هي: لا يوجد، إلى الآن، اتّفاق نهائي، فيما يُظهر الوضع الحالي أنّ هناك اتّفاقاً متبلوراً بين إسرائيل والوسطاء، أكثر ممّا هو بين إسرائيل و«حماس» نفسها. والسؤال الأهم الآن، هو: هل ستقبل الحركة بالصفقة المقترحة، على الرغم من تحفّظاتها عليها، أم أنّ الخلافات الجوهرية ستقوّض محاولات التسوية، وتؤدّي إلى تصعيد جديد في المأساة؟ الإجابة حملت مؤشراتها الأولية تصريحات ويتكوف أمس، والتي أعلن فيها سحب الفريق الأميركي من الدوحة بعد «رد حماس الذي يُظهر عدم رغبتها في التوصل إلى اتفاق».
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار