| آلاء الخطيب
قضايا المرأة كانت ومازالت تشكل هاجساً يثير التناقضات في المجتمعات بين مطالبين بحريتها ومعارضين لهذه الحقوق ومن أبرز الشخصيات التي حاربت للدفاع عن تحرر المرأة نذكر قاسم أمين ومحمد عبده وسعد زغلول وهدى شعراوي ودرية شفيق وغيرهم كثير وبمقال اليوم سنتحدث عن هدى شعراوي ابنة محمد سلطان باشا وزوجة علي شعراوي باشا.
وهي المرأة التي ارتبطت بشخصيتها واسمها معركة المرأة في سبيل التحرر، وتحولت إلى أيقونة تحرير المرأة من جانب، والجهة التي تتوجه إليها سهام النقد من جهة أخرى، فكيف كانت رحلتها مع تحرر المرأة في النظرية والتطبيق؟
صدمات طفولتها وأنوثتها
ولدت هدى عام 1879 بصعيد مصر لأسرة من الطبقة العليا فوالدها كان رئيساً لمجلس النواب المصري الأول في عهد الخديوي توفيق ونشأت مع أخيها في منزل والدها في القاهرة وتلقت تعليمها بسن مبكرة من خلال دروس منزلية بسبب انتمائها للطبقة العليا فتعلمت اللغة العربية والفرنسية والتركية والخط والبيانو وحفظت القرآن وكان يعتبر إنجازاً لم يسبقها أحد إليه من الفتيات وذلك بسبب وجود أخيها وتعلمها بجواره ولكن بعد ذلك أصبح لكونها أنثى عائقاً لإكمال دراستها وتعرضت للعديد من المواقف التي تجسد التفرقة الجنسية وكما فرضت عليها قيود كثيرة منذ مرحلة البلوغ. وأستقي المعلومات الموثقة مما كتبته هدى شعراوي نفسها عندما كتبت سيرة حياتها ومذكراتها.
زواجها المبكر
توفي والد هدى محمد سلطان باشا عندما كان عمرها خمس سنوات وكتبت في مذكراتها «كان الأهل يخفون عن الأطفال كل الحوادث والأحداث المحيطة بهم، فإذا مات أحد أفراد الأسرة، قيل للطفل: إنه قد سافر، وإذا أراد أن يسأل عن حقيقة من حقائق الحياة، أجابوه بخرافات لا تروي ظمأه لمعرفة الحقيقة، أو قيل له: إنه ليس من الأدب أن يتدخل فيما لا يعنيه».
وعندما بلغت الثانية عشرة من عمرها جهزت والدتها لخطبتها من ابن عمتها علي الشعراوي الذي كان وصياً عليها ويكبرها نحو أربعين عاماً ولم تكن راضية عن هذا الزواج لأنه متزوج ولديه ثلاث بنات ولكنها أجبرت عليه، ومما ساعدها على الانفصال بعد ذلك هو شرط نص عليه العقد بألا يكون على ذمته زوجة غيرها فطلق زوجته وتزوج هدى بعد عام من الخطبة وتكنت بلقبه.
عندما تحدثت هدى عن زواجها في مذكراتها قالت إنه حرمها من ممارسة هواياتها التي تحبها كعزف البيانو وزرع الأشجار وحد من حريتها بشكل كبير بلا تبرير ما أصابها بالاكتئاب فسافرت لأوروبا للاستشفاء وتعرفت هناك على قيادات فرنسية نسوية لتحرير المرأة، وهو الأمر الذي جعلها تحذو حذوهم.
نقاط التحول في حياتها
عندما نقض علي الشعراوي الاتفاق المبرم في عقد الزواج وعاد إلى زوجته الأولى اعتبر العقد ملغياً وانفصلت عنه هدى في عمر الرابعة عشرة بعد عام فقط من زواجها ودامت فترة الانفصال سبع سنوات وهي على ذمته ما جعلها تحظى بدرجة كبيرة من الحرية فأكملت دراستها للفرنسية وتوسعت دائرة صداقاتها ومعارفها فالتقت بصديقات كان لهن الأثر الكبير في حياتها وخصوصاً أوجيني لوبران السيدة الفرنسية المتزوجة من رئيس وزراء فكانت صديقتها المقربة ومرشدة وأم بديلة لها لأنها تكبرها سناً وخبرة فمدتها بالقوة.
بعد ضغط كبير من أسرتها عادت هدى لحياتها الزوجية في عمر الثانية والعشرين ورزقت بابنتها بثينة وابنها محمد ولكن حياتها مع علي لم تتحسن وكانت دائمة الشعور بسلبه لحريتها وحقوقها في الحياة.
أسست هدى شعراوي بالاشتراك مع نساء من الطبقتين العليا والوسطى جمعيات خيرية وجمعيات خدمية ومستوصفات للنساء والأطفال وللفقراء منهم وأنشأت مجلة بعد عودتها من أوروبا بعد رحلة الاستشفاء وانبهارها بالمرأة الإنجليزية والفرنسية في تلك الفترة للحصول على امتيازات المرأة الأوروبية وانتخبت رئيسة لجنة الوفد المركزية للنساء ودعت لإنشاء جمعية نسوية مستقلة «لتدعيم دور المرأة المصرية والمطالبة بحقوقها».
وعملت على جمع بين نساء الحركة النسوية والإسلامية وركزت على مشاركة المرأة السياسية وطالبت بالتضامن بين الرجال والنساء في الدفاع عن القضية الفلسطينية وساعدت الاتحاد النسائي في توسيع نطاق الحركة النسوية وتعزيز أعمالها في العالم العربي.
المرأة في مواجهة المرأة:
رائدة تحرير المرأة التي قضت مالا يقل عن خمسين سنة من حياتها في صراع مرير من أجل رفع الظلم عن النساء والمناداة بالمساواة الكاملة بين الجنسين، من يصدق أنها ظلمت امرأة تزوجت ابنها وأنكرت طفلته؟!
هدى شعراوي بعد مسيرتها المناصرة للمرأة ووقوفها مع حقوقها حيث شكلت تاريخ الحركة النسوية في مصر وكانت قائدة حركة تحرير المرأة بالعالم الإسلامي بلا منازع فكانت البادئة برفع الحجاب وحرضت المرأة على كسر أغلالها ومن أشهر أقوالها:
«أعتقد أن عدم القسوة هو امتياز المرأة» بالوقت الذي أظهرت به قسوة شديدة على ابنها وزوجته لمجرد أنها مطربة فغضبت وخافت على مكانتها في المجتمع وطالبت ابنها بالابتعاد عن هذه المطربة وعدم الاعتراف بزواجه السري منها ورغم محاولات زوجته باستعطافها إلا أنها هددتها بالإيذاء وحاولت رشوتها لتبتعد عنه، وظلت في صراع طويل معها وهددتها أنها ستسلط عليها شرطة الآداب، ولم يشفع لزوجة ابنها تمسكها بزواجها ولم تكن معاناة هدى في زواجها التي أجبرت عليه دافعاً لديها لتدعم قرار أنثى اختارت سعادتها بالزواج من ابنها، ولم تطبق شيئاً من مبادئ الحرية التي طالبت بها وأظهرت أن تحرر المرأة هو مجرد شعارات ووهم وعندما وضع القدر هدى شعراوي بامتحان عصيب لتبرهن على مصداقية مطالبها فشلت وأثبتت للعالم أنه مجرد شعارات زائفة.
سيرياهوم نيوز3 – الوطن